الدكتور مصطفى الرزاز فنان متنوع دائما يجرب مهارته الفنية في اشكال مختلفة,, تصوير,, نحت ,,خزف,, فقد ظل الرزاز يبحث عن طزاجة التجربة وبكارتها عبر ما يزيد عن مائة معرض اقامها خلال مشواره مع الفن.
ورغم هذا الزخم آثر ان يصقل موهبته فحصل على الدكتوراه من جامعة نيويورك ليظفر ابداعه بالعديد من الدراسات النقدية الهامة,, وبجانب ذلك عمل استاذا جامعيا وعميدا لكلية التربية الفنية وكان يشغل منصب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة بما يعني انه كان احد حراس الثقافة والابداع اقام معرضا كبيرا وعلى هامش هذا المعرض التقينا بالدكتور الرزاز في حوار حول تجربته الاخيرة.
عصفور وحصان
* هذا المعرض رقم 101 في مشوارك الابداعي ,, فما الجديد الذي تقدمه من خلاله ,,, ؟
الجديد في معرضي يكمن في تنويعه الاعمال الفنية التي يعود بعضها الى ايام دراستي للدكتوراه في جامعة نيويورك ونظرا للصلة المستمرة مع اصدقائي من الفنانين هناك مازلت اسافر من وقت لاخر وأجد منهم ترحيبا كبيرا حيث يفتحون لي ورشة الفن بالجامعة فأتفرغ تماما للابداع ,, وخلال ذلك قمت مؤخرا باعداد مجموعة من اللوحات من الورق اليدوي بجانب مجموعة كبيرة من النحت بالبرونز والنحت بالحديد بالاضافة الى ست لوحات زيتية كبيرة وايضا كتاب يدوي فني جميع صفحاته معدة باليد,, ومثل هذا الاداء اليدوي اصبح له مكانة كبيرة في عالم الفن الحديث.
* وماذا عن التيمات المتكررة في اعمالك مثل الحصان والعصفور والمرأةوالعجلة,,,؟
منذ فترة طويلة اخترت هذه العناصر باعتبارها ممثلة للممالك الحية، فمثلا الحصان سفير لمملكة الحيوان، والعصفور سفير لمملكة الطيور، ووجه الفتاة سفير لمملكة البشر,, وهناك عناصر مكملة لهذه العوالم مثل العجلة المستديرة او العين او الكف,, وفكرتي تلك مستخلصة من الفلكور المصري حيث اوظف هذه العناصر في لوحاتي كأن لدي فريقا مسرحيا لكل ممثل دور محدد يؤديه، وفي كل لوحة اومعرض تقوم هذه العناصر نفسها بأدوار مختلفة.
حيرة الألوان
* اذا انتقلنا الى الوانك في معرضك الاخير,, سنلاحظ انها تتميز بنعومة شديدة,, فهل هذه حالة صوفية؟
ليست حالة صوفية تماما ولكني لا انفي ان هناك حالة تأمل تلح علي منذ فترة,, وانا في تجربتي الفنية بشكل عام تنتقل مجموعاتي اللونية بين احوال مختلفة ففي فترة ما كنت ارسم بألوان الارضية مثل لون الاسمنت والخشب والمصيص,, وبعد ذلك استخدمت الوانا اكثر دفئا وسخونة، ومنذ منتصف الثمانينيات تقريبا بدأت الالوان تقوى حتى وصلت في المعرض السابق الى طاقتها اللونية القصوى، وبلغت درجة كبيرة من القوة والايقاع الصاخب والمباشرة,, ولكنني في هذا المعرض وجدت نفسي لا شعوريا ألجأ الى الوان هامسة,, منسحبة ,, تدور حول الابيض ودرجاته.
* لكن رغم نعومة الالوان هناك عنف في ضربات الفرشاة وحدة في الخطوط؟
بالطبع كان يجب ان يحدث هذا حتى لا تتكدس اللوحة فالقوة في استخدام الالوان اقتضت حدة كنوع من التوازن الفني.
* في المعرض يوجد مزج بين اعمال النحت واعمال التصوير,, فلماذا لم تفصل الاعمال في معرضين مستقلين؟
اناس كثيرون اقترحوا علي ذلك بمن فيهم الوزير فاروق حسني الذي قال: لماذا لا تقدم معرضا خاصا بالنحت وآخر بالتصوير؟! ربما كان من المناسب ان يكون معرض النحت مستقلا وكذلك معرض التصوير,, فهذه فكرة جيدة وصائبة خصوصا انه في احيان كثيرة لا يشاهد المهتم بالنحت اعمال التصوير والعكس صحيح ايضا,, لكن حرصي على ان اواصل التعامل مع الوسائط المختلفة يجعلني ابرز كل اعمالي معاً مرة واحدة.
* ربما يجعلني هذا اسأل عن ارتباطك بالتصوير وبالنحت,, ايهما اقرب اليك ,,,؟
بالاساس، انا رسام ومصور ولكن هذا العام شعرت براحة نفسية كبيرة مع اعمال النجت، ولذلك فاقت اعمال التصوير عددا,, والنحت يحتاج الى قدر كبير من الاستغراق والتفرغ لساعات طويلة فلكي تبلور تجربة في النحت يصعب ان تتركها لوقت الفراغ بل لابد ان تبذل جهدا كبيرا وتعطيها كل الوقت.
* أيعني هذا انك غير مؤمن بالتخصص؟
في العصر الحديث لم يعد هناك فنان متخصص لان الفنان المتخصص يخسر كثيرا للغاية فالفنان الذي يتعامل مع اسطح مختلفة يغذي تجربته في التصوير من خلال عمله بالنحت او بالحفر وهكذا,, عندما يتعامل المبدع مع اشكال ابداعية مختلفة يكتشف عمق الفائدة المتبادلة بين تلك الاشكال لو اكتفيت بوسيط وحيد اتعامل معه فان امكانيات ومفاتيح التجديد ستكون اقل.
* في العديد من معارضك السابقة هناك تصوير وخزف ونحت وحفر,, ما السر وراء هذا التنوع كله؟
لا انكر ان اغلب انتاجي كان في مجال التصوير,, لكنني على كل حال حريص على عرض كل ما ارسمه او اعده,, منذ الستينيات وانا لا ازال شابا صغيرا كنت حريصا على عرض كل ما انجزه على الفور,, وكأن هذا نوع من التربية او تجديد الحافز,, فكلما عرضت ما لدي شعرت بأنني افلست، وبالتالي يعتريني احساس بالبحث عن جديد ,, واندفع لكي اعمل مرة اخرى,, اما اذا قنعت بما لدي فسيكون ايقاعي ابطأ واقل تجددا.
موظف بالنهار وفنان بالليل
* هذا الحماس الدافق للابداع الا يتعارض مع مهامك الوظيفية الثقيلة كعميد لكلية التربية الفنية كما شغلت منصب رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة في الفترة السابقة؟
تنظيم العمل لا يشعرني بالتعارض فأعمال الوظيفة لها وقت محدد بالنهار ومن العاشرة مساء اتفرغ تماما للفن وانا اضمن ان احدا لن يزعجني ثم اتدفق في العمل حتى الخامسة صباحا او السابعة,, فيكون الليل كله ملكي كفنان، اعمل وابدع حتى اشعر بالاجهاد التام او بالفتور.
* هناك اتهام للفن التشكيلي بالتغريب ,, فما ردك كفنان واستاذ جامعي ,,,؟
هذا اتهام شائع لكنه زائف فنحن نستسهل اتهام الفن فمثلا حين تصادف صبيا وتشير له الى احدى العربات، يخبرك على الفور بنوعها وميزاتها واوصافها,, اي انه لديه معلومات فائضة عن انواع العربات,, وكذلك لو سألته عن حارس مرمى المكسيك يجيبك,, اذن الناس لديها القدرة على استيعاب اشياء اكثر تعقيدا من الفن الذي هو اقرب الى الانسان!! الناس تفضل اتهام الفن بأنه تغريبي وبعيد عنها بدلا من ان تحاول التعرف عليه، انه مثل اي لغة مختلفة لا نستطيع ان نقول عنها انها معقدة الا اذا بذلنا مجهودا في التعرف عليها وكذلك الموسيقى وكل انواع الخبرات الراقية,, تلك نظرة زائفة وغير دقيقة اذ كيف نمحو مجالا كبيرا مثل الفن بدعوى انه مغترب عنا!
محو الأمية الفنية
* لكن ,, الا يعني هذا ان هؤلاء الناس بحاجة الى محو امية فنية ,,,؟
من المؤكد ,, لكن الفن لايحتاج الى تدعيم بمعنى ان نعطيه للجمهور مع السكر والشاي,,
الامر يحتاج الى مبادأة من الانسان فيشاهد المعارض وان شعر انها تافهة ومجرد (شخابيط) لانه بالتدريج عندما يشاهد اكثر ويستمع للنقاد ويقرأ سيكتسب الخبرة والقدرة على التذوق واصدار الاحكام الجمالية.
|