| أفاق اسلامية
** كتب عبدالحفيظ الشمري
فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي علم من اعلام الفقه والشريعة في العصر الحديث فهو علامة متبحر، وفقيه متبصر، ومتحدث غزير العلم والثقافة,.
الشيخ يوسف القرضاوي كان ضيف جائزة سلطان العويس التي عقدت مؤخراً في الامارات والذي حازها في حقل الانجاز العلمي والثقافي تقديراً له واعترافاً بدوره الفقهي والعلمي,, ولم تكن هي الجائزة الوحيدة التي نالها الشيخ انما حاز العديد من الجوائز,.
التقته الجزيرة على هامش هذه الاحتفالات ووجهت اليه جملة من الاسئلة,, جاءت في مجملها عن العولمة,, وفيما يلي نص الحوار:
* فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي كيف تلقيتم خبر فوز فضيلتكم بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد,, فقد جاءني احد اعضاء مجلس الامناء بالجائزة مندوباً عن الجائزة والقائمين عليها ليخبرني بأن المجلس قرر بالاجماع اعطاء جائزة الانجاز الثقافي والعلمي في دورتها السادسة لي، وكما هو معلوم للجميع أن هذه الجائزة هي من حق مجلس الامناء تحديداً,, فيما الجوائز الاخرى تخضع لضرورات الترشيح، ولابد لها ان تمر ببعض المراحل العلمية,, لكن جائزة الانجاز الثقافي والعلمي هي متروكة لمجلس الامناء ليختار في كل دورة من يراه احق بها.
جاءني مندوب الجائزة في قطر واخبرني بهذا الامر مؤكداً على ضرورة ان اي شخص يراد ترشيحه، لنيل الجائزة ان يقبل هذه الجائزة وذلك لكي لا يعلنوا الجائزة ومن ثم يرفض ولذلك قبلت هذه الجائزة لانها حسب علمي تصدر من مؤسسة خيرية واضحة الاهداف والمقاصد,, شكرت القائمين على هذا النشاط ودعوت الله ان اكون اهلاً لهذه الثقة.
* ونحن يا فضيلة الشيخ نبارك لكم حصولكم على هذه الجائزة نود منكم الإشارة إلى الأعمال الشرعية والفقهية التي نلتم بموجبها هذا التقدير,,؟
كما اسلفت لم يكن هناك عمل بعينه وانما اخذت جهودي كاملة فيما يبدو لتكون مادة للاختيار مع العلم ان هذه الجائزة حقل الانجاز العلمي والثقافي لا يخضع لمعايير الجوائزالاخرى,, فلهم كل الشكر على هذا الصنيع الذي ينم عن المتابعة والبحث والاستقصاء لكل ما يقدم في العالم العربي من طرح ثقافي وعلمي يخدم الامة ويوعي ابناءها,.
* نود من فضيلتكم ان يفصح لنا وللقراء عن رؤيته الفقهية والشرعية في الادب والثقافة ولاسيما اننا نلتقي بكم في اطار فعاليات ندوة جائزة العويس لهذا العام؟
الثقافة بمفهومها العام كلمة واسعة وكبيرة علماً بأن البعض يرى ان كلمة الثقافة ككلمة الحضارة بمعنى انه ليس بينهما فرق والبعض يجعل الحضارة اوسع من الثقافة,, ولكن حتى لو قلنا في ان هناك تمايزا بينهما نؤكد ان الثقافة هي صلب للحضارة وجوهر لها,.
كما انني ارى والله اعلم ان الثقافة هي اهم مايميز بين الامم بعضها وبعض,, اعني بذلك ان الامم لا تختلف في الناحية العلمية بالمعنى العصري او المفهوم الحديث للنشاط العلمي وهو العلم الطبيعي، والعلم الرياضي والذي يترتب عليه التقدم التكنولوجي والى ما هنالك من انجازات قوية لصنع الحضارة العصرية التي نعيشها الآن,, ولكن الامم تتمايز في ثقافاتها,, فالثقافة هي التي تعبر عن شخصية الامة وعن قيمها وعقائدها، ونظرتها للكلية الى الوجود والى المعرفة والقيم، ونظرتها الى الله سبحانه وتعالى والى الانسان والكون والحياة.
* هل لنا ان نقول ان الامم تختلف في صنع هذه الثقافة,, لذلك سنجد ان هناك فجوة كبيرة بين ثقافة امة واخرى,,؟
بكل تأكيد لكل امة ديدنها وصنيعها الحضاري ليكون الاختلاف في الثقافة واضحاً وجلياً,, ونحن باعتبارنا عرباً ومسلمين لنا ثقافاتنا الخاصة وهي ثقافة تتأثر اولاً بالقرآن الكريم، والسنة النبوية الصحيحة,, فالقرآن هو الذي انشأ ثقافة هذه الامة منذ نزول الآيات الاولى التي نزل بها جبريل على محمد صلى الله عليه وسلم اقرأ باسم ربك الذي خلق ففي هذا الوحي ما يشعرنا انه مفتاح الثقافة الحقيقية والذي يحثنا على القراءة، والتعليم، والقلم، والانسان، وهي محاور التثقيف والتوجيه القرآني.
* فضيلة الشيخ يكثر الحديث هذه الايام عن العولمة بوصفها نظاماً مادياً، واقتصادياً ستكون له الغلبة,, ترى مالذي نفعله امامها كأمة مسلمة؟
بمناسبة الحديث عن العولمة يجب علينا كمتحاورين ان نحدد المفاهيم الخاصة بها,, فعلماؤنا رحمهم الله قالوا:الحكم على الشيء فرع عن تصوره فماذا يراد بكلمة العولمة ؟,, ان كان يراد بها العالمية فنحن نرحب بالعالمية لان ديننا الاسلامي رسالة عالمية وهي ليست رسالة الى جنس معين من الناس وعرق من العروق، وليس مرسلاً الى اقليم معين من الاقاليم او الى طبقة من الطبقات على هذه الارض فهو رسالة الى الناس جميعاً كما قال الله لرسوله صلى الله عليه وسلم: وما ارسلناك الا رحمة للعالمين وقال تعالى:تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ,, نحن هنا اصحاب رسالة عالمية، ونخاطب الناس جميعاً,, فلسنا عنصريين كاليهود مثلاً لان اليهودية رسالة تبدو بها العنصرية واضحة حتى انهم يقولون رب اسرائيل ونحن نقول رب العالمين او ما يرد في اول القرآن الكريم بعد البسملة الحمد لله رب العالمين فالقرآن كله عالمي، ومحمد رسول الله عالمي، وكذلك الاسلام دين عالمي فنحن لسنا عنصريين نحن عالميون، ونريد الخير للناس جميعاً، ونريد الهداية للناس جميعاً ولكننا نعترف بالخصوصيات للشعوب، فهناك خصوصيات للشعوب يجب ان تحترم.
* وما دمنا في هذا السياق الاستشرافي لمعنى العولمة او ما تسميه أنت العالمية كيف للمجتمعات ان ترعى جوانب هذه الخصوصية اذا ما سلمنا ان العولمة تدق ابواب العالم بمناهجها، وقيمها القادمة؟
الذي آمله في هذه التداعيات الكونية الجديدة والتي تأتينا من الغرب غالباً ان تكون قائمة على احترام الحدود والخصوصيات فليس معنى العالمية ان نزيل هذه الخصوصية,, فهناك خصوصيات للامم,, يجب ان تحترم ونحن امة من هذه الامم فالقرآن الكريم يقول يا ايها الناس ان خلقناكم من ذكر وانثى, وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم فالقرآن اوضح في هذا السياق وجود هذه الشعوب، والقبائل لكنه اكد بسماحته على ضرورة التعارف والتعامل الجنسي.
فاذا كانت العولمة تريد ازالة هذه الخصوصية التي اشرنا اليها لتفرض بدلاً منها ثقافة عامة على الجميع ربما تتعداها الى فرض نظرية اقتصادية عامة، وكذلك فرض هيمنة نظام معين على الجميع ربما يتمثل فيما يعرف بالنظام الرأس مالي الليبرالي الامريكي فهذا ما ارفضه,, فان كان المقصود بالعولمة هو الامركة بمعنى انها تريد ان تأمرك العالم فهذا الامر مرفوض انما اذا كان المراد التقريب بين الناس، وان يسود العدل في العلاقات فيما بينهم ويسود التسامح فهذه عولمة نقبلها ,, اما ان كانت عولمة بمعنى فرض نمط معين من التفكير او الاقتصاد، والاجتماعي على العالم كله وان كان لا يتفق مع الخصوصيات للشعوب الاخرى لان دينها مختلف او تراثها مختلف فهذا الغرض للعولمة هو الذي لا يمكن لنا ان نقبله على الاطلاق.
* ترى كيف يتسنى لنا كعرب ومسلمين ان نتعرف على ما تنادي به العولمة,, لاسيما واننا الى الآن نحاول جاهدين التأقلم مع بعض الالماحات الغربية الى ضرروة الدخول بها,,؟
يجب علينا اولاً تحديد صوت المنادي بنظام العولمة فالواضح لنا ان الولايات المتحدة الامريكية هي التي تريد ان تفرض ذلك على العالم من خلال وجهة نظرها الاقتصادية عن طريق المنظمات العالمية التي تتحكم فيها مثل البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية الجات .
وربما تفرض افكار ثقافية اخرى ذات طابع عالمي على زعم ان هناك ثقافة كونية ينبغي ان تضم الجميع في اطار واحد فهذا الامر ليس مقبولاً على الاطلاق,, انما قد يكون هناك قدر مشترك ينبغي اننا نوسع في القواسم المشتركة ما امكن ولكن لابد ان نحترم الخصوصية، فنحن باعتبارنا عرباً ومسلمين لنا خصوصياتنا فينبغي ان تحترم فقد نذكر جميعاً مؤتمر السكان في القاهرة 1994م، ومؤتمر بكين 1995م حاولت هذه المؤتمرات العالمية والتي تشرف عليها الامم المتحدة والتي للغرب بها نفوذ اكبر حاولت فرض قيم معينة مثل بحث الاجهاض باطلاق، والاباحية، ومنع الآباء والامهات من التدخل في شئون الابناء في التوجيه والتقييم اضافة الى امور اخرى شاذة فقد رفضناها نحن لانها لا تتفق مع عقيدتنا وشرائعنا وقيمنا بل ان المسيحية رفضت هذه الطروحات التي جاءت بها هذه القيم غير الانسانية التي تدعو الى النزعة الاباحية المتطرفة.
* وكيف نعولم انفسنا بما يخدم مسيرتنا التي تتطلع للخروج من الاقليمية الضيقة؟
يجب علينا ان نتعلم امراً مهماً يتمثل في كيفية تعاملنا مع العالم من منطلق خروجنا من الاقليمية الضيقة لأن مشكلة كثير منا انهم يعيشون متقوقعين على انفسهم,, اما اذا نظرنا في الكثير من علماء الشريعة نجدهم يعيشون في صومعة منعزلة عن العالم من حولهم ولا يدرون ما تمور به العقول والنفوس من افكار جاءت من هنا وهناك لا نستطيع ان نعيش بعيداً عن هذا,, فالعالم الآن يتحدث عن الديمقراطية، وحقوق الانسان، والحريات العامة ولا نستطيع ان نعزل انفسنا عن هذا ليقول بعضنا ان الشورى معلمة وليست ملزمة فالشورى يجب ان تكون هدفا من اهدافنا لنطور انفسنا وافكارنا وليس معنى هذا ان نطور افكارنا لنجور على المسلمات لدينا، او نهمل المحكمات ونعرض عنها بالمتشابهات او نحول القطعيات الى ظنيات ابداً نحن في الاجتهاد لدينا منطقتان,, منطقة مغلقة وهي القطعيات وهذه هي التي تمثل الثوابت في العقيدة والشريعة والاخلاق والعبادة,, وهناك منطقة مفتوحة والتي تقبل الاجتهاد والتطوير وهذه هي منطقة الظنيات التي جاءت بها نصوص ظنية الثبوت والدلالة ومعظم جوانب الشريعة واحكامها من هذه المنطقة المفتوحة,, فان أردنا ان نعيش في عالمنا الجديد هذا علينا ان نميز بين هذين الامرين.
* فضيلة الشيخ بماذا تنصح شباب الامة الاسلامية لكي يصبحوا اعضاء فاعلين في بناء المجتمع؟
نصيحتي لشباب الامة العربية والاسلامية ان يتعلموا ما وسعهم التعلم,, ويتفقهوا بامور دينهم ودنياهم معاً، ويبحثوا عن العلم النافع ليتفقهوا به، ويعرفوا الدين من منابعه الصافية ويأخذوا علمه من العلماء الثقات الذين ينظرون الى الاسلام ومصادره بعين والى الواقع والعصر بعين اخرى ليجمعوا بين الاصالة والمعاصرة معاً ثم لا يكتفون بهذا العلم والتفوق فيه فلابد ان يحولوا العلم الى عمل لانفسهم يستقيمون في حياتهم وعمل آخر يخدم دينهم وامتهم واوطانهم وبعد ذلك يعملون معاً فنحن بحاجة الى التجمع لان اهم ما تعانيه الامة هو التشتيت والتفريق بين ابناء الامة فيجب ان نجمع ابناء الامة بعضهم الى بعض حتى وان اختلفت افكارهم ونزعاتهم فهناك قاعدة اسميها القاعدة الذهبية وهي التي تقول: نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه، وما نتفق عليه كثير جداً فينبغي للشباب ان يحفظوا هذه القاعدة ويطبقوها فيما بينهم حتى يرقوا بامتهم وينهضوا بها في ظل الاسلام وتحت راية القرآن.
* مالذي تراه الآن في واقع الامة في هذا العصر الحديث، والذي اخذت معه بعض المفاهيم بالتغير والتبدل؟ وكيف لنا ان نحدد اطر هذا المشروع الانساني القادم؟
ما يريحني ويجعلني اكثر تفاؤلاً في هذا العصر ان الصحوة الاسلامية اخذت تأخذ دورها المؤثر والفاعل فمنذ السبعينيات اصبحت تأثر حياتنا الاسلامية وخصوصاً في الشباب واعني بذلك صحوة عقول وافكار وصحوة قلوب ومشاعر وارادات وعزائم وعمل وسلوك واثرت هذه التجليات على المستوى الثقافي والفكري والاجتماعي والاقتصادي واصبحت حياة الامة موعودة بالتفرد والتميز والنجاح وطال هذا الامر حتى الناحية السياسية لتقوم الامم والبلاد الاسلامية بالتنادي لضرورة الرجوع الى الشريعة الاسلامية، وتطبيقها على مستوى العلاقات ونصرة الدول الاسلامية التي لازالت تطالب بالوقوف مع المسلمين في البلاد الاخرى يكون دور الاسلام والمسلم اهم واشمل.
فالمشروع الانساني يحتاج الى قوة وصحوة ضمير وسلوك لنصل الى نهايتنا,, ومحاولة الوقوف في وجه قوى الشر التي تحاول ان تضرب هذه التوجهات الحقيقية وتحاول ان تعيقها وتخويف الآخرين منها وبذلك يمكن لنا ان نتلافى اصطدام الامة بعضها ببعض,, فنرجو الا يستمع احد من المسلمين الى مثل هذه الوساوس التي تحاك وتقال ضد الاسلام كعقيدة ومثل نقتدي بها.
* كيف توجه الامة الواعية الاهتمام الى منجزات الانسان,, وهل هناك طريقة مثالية,, يحقق بها الفرد وجوده في هذا العالم؟
انني اطالب الامة العربية والاسلامية ان تهتم بالفرد باعتباره ذخيرة الامة وصوتها الحقيقي,, كما انني اطالب المسلمين في كل مكان من الارض في مشرقها ومغربها في جنوبها وشمالها ان يكونوا يداً واحداً في الخير لتكون هذه اللحمة هي القوية والمؤثرة في بناء المجتمع.
فالقرآن الكريم كما اسلفت يحفظ لنا حقوقنا في القول والعمل,, فالتوجيه الرباني يشير الى ضرورة الوعي بقيمة الفرد ليكون عضواً فاعلاًومؤثراً في مشروع بناء الامة.
واهم الطرق التي يجب على الانسان الاهتمام بها ليكون ناجحاً في مسيرته الانسانية هي التعلم ليكون عضواً نافعاً لتبقى في هذا السياق ادواره الاخرى التي تأتي لاحقاً بعد علمه وتعلمه ليحقق ذاته وليثبت للعالم اجمع وجوده,, فلا وجود للمسلم الا بالايمان والعلم والعمل الصالح.
|
|
|
|
|