| الثقافية
شخصياً مازلت مؤمناً إيماناً تاماً غير منقوص بأن كل كتابة أدبية جيدة وجديدة هي إضافة مهمة لكل ما سبقها من كتابات أدبية، فحين أقرأ نصاً أدبياً محلياً جيداً ومتميزاً اشعر بالفخر كوني أنتمي لهذه الفئة التي تكتب الأدب، وحين اقع على نص أدبي متواضع أشعر ان من اجاز نشره قد شوه مشروعاً أدبياً جميلاً بدأ منذ مئات السنين ومازال حتى الآن مثل النهر الجاري سواء على مستوى الأدب المحلي أو العربي.
في الكثير من الدول العربية تشعر بجريان هذا النهر أكثر تدفقاً مما لدينا، الاسماء، الأدبية الجديدة للكتّاب والكاتبات هناك تضيء مثل نجوم مع الكتّاب والكاتبات الذين سبقوهم، وهم يحصلون على تأييد مستمر وتشجيع واضح وحفاوة إعلامية دائمة من خلال الحضور الشخصي والنشر.
نحن نحتاج بكل صراحة الى ان تتحول صفحاتنا الأدبية والثقافية الى صفحات للإبداع الأدبي، يُفترض ان توظف هذه الصفحات جهدها ووقتها ومساحتها لخدمة النص الإبداعي (قصة ورواية وقصيدة) عن طريق استمرار متابعة ونشر النصوص الأدبية ونشر أخبار الكتب الإبداعية الصادرة محلياً وعربياً وعالمياً، وقراءة هذه الكتب على المستوى النقدي والانطباعي وتقديمها للقراء بصورة واضحة ودائمة وإعطائها مساحة تليق بالجهد الإبداعي لاصحابها.
هنا أتذكر تجربة ملحق أصوات اليمامة وملحق ثقافة الجيل عندما كان التركيز على النص الإبداعي وكيف حصل هذان الملحقان على صيت عال وعلى متابعة الجميع وعلى محاولة الجميع النشر في هذين الملحقين اللذين نشرا اجمل نصوص الابداع الأدبي المحلي والعربي، وكل هذا مقابل الآن صفحات أدبية محلية تكاد تكون جافة في اغلبها بسبب سيطرة المقالات التنظيرية عليها وبسبب أن اغلب الكتاب في هذه الصفحات لايهتمون كثيراً للكتب الإبداعية التي تصدر هنا وهناك وبالتالي لاتتضمن زواياهم في الغالب سوى مقالات تتفاوت في مستواها، اضف الى ذلك وهذا هو الأساس عدم اعتماد الصفحات على النص الأدبي الأبداعي وعدم البحث عنه وعدم الاهتمام به، بمعنى ان تركيز 90% من صفحات الثقافة والأدب لدينا على المقالات في حين تجد النصوص الأدبية الابداعية الجفاء، بل ان بعض المبدعين والمبدعات يضطرون الان احيانا الى جمع نصوصهم الادبية ودفعها للطبع مباشرة في كتاب اذا سمحت الإمكانات المادية بذلك او رميها في احد الادراج في انتظار صدفة ما تسمح بطبع هذا الكتاب الحزين، وبالمقابل نجد في الكثير من صفحات الثقافة العربية اهتماما واضحا بالنص الابداعي ونشره وقراءته ومتابعته نقدياً ويصل الأمر أحيانا إلى طبع الكتب الأدبية الإبداعية عن طريق المؤسسات الصحفية!!
إذن هل يمكننا ان نتوقع استمرار جريان نهر الإبداع ونحن نرى بأم اعيننا هذا الجفاء الكبير الذي يواجهه النص الابداعي المتميز,, هل يمكن ان نتوقع بروز اسماء لشباب وشابات جدد في كل اشكال الأدب، هل يمكن ان تتوقع صباح الغد ان تقرأ نصاً ادبياً في الصفحات الثقافية وأنت تعرف انها وبنسبة كبيرة منذورة للمقالات الطويلة والجافة في اغلب الاحوال وليس جميعها.
وهنا يفترض ان نتوقف قليلاً أمام محطة اخرى هي مقالات (التسالي) التي يكتبها بعض الكتّاب!! الذين لايعرفون كيف يفرقون بين الجدل والهزل في كتاباتهم التي تدّعي (خفة الدم)، وهي في الحقيقة تكرس الرأي الذي يؤكد أننا في هذا العالم النامي جدا مازلنا على مستوى الفردي والجماعي نخلط خلطاً رهيباً بين الجد والهزل، لتفقد الكثير من أرائنا مصداقيتها امام ادعاءات لا معنى لها في الغالب، إذ نلاحظ ان فئة قليلة من الكتّاب استسهلوا عملية الكتابة، فأصبحت بالنسبة لهم لعبة، أو تسلية تشبه جلسة سمر مع الاصدقاء، أي أن الكتابة تحولت على أيديهم إلى شيء غير هادف، شيء للتسلية، كما يعتقد بعض الكتاب ان الكتابة اصلاً للمتعة والتسلية فيكتبون عن قضايا هامشية بلا أهمية في الكثير من اللقاءات والمقالات هدفها الواضح محاولة إضحاك القراء حيث لايستطيعون أكثر من ذلك، كما أنهم يعرفون تمام المعرفة ان الكتابة الجادة بحاجة الى ثقافة حقيقية والى احتشاد جاد وحقيقي وهم لايملكون من هذه الادوات التي يسمعون عنها شيئاً فيسلكون طريق التسلية لتبرير مستواهم المتواضع، وللأسف فإن بعض المسئولين في صحافتنا العربية والمحلية اعطوا مثل هؤلاء مساحات لايستحقونها ظناً منهم أن في هذا كسراً لحدةٍ الجدية في بعض المقالات، لكنهم تناسوا انه يُفترض التفريق بين الكاتب الاجتماعي الساخر والقادر على الكتابة الاجتماعية المميزة وبين كتّاب (التسالي) الذين لايجيدون سوى الكتابة بأصوات عالية جداً ولكن في الغالب بلا معنى للأسف، لأنهم بكل بساطة لايملكون القدرة على الكتابة بشروطها الموضوعية والفنية المتعارف عليها، ويظنون ان الكتابات الاجتماعية الساخرة والمميزة سهلة وبالإمكان عمل نسخ كثيرة منها.
نأمل ان تعود للنص الأدبي الإبداعي مكانته في صفحاتنا الثقافية المميزة ونأمل ان يكون للأسماء الجادة والكتابات الجادة والإبداعية والهادفة مساحة أفضل من أجل قيمة أكبر لهذه الصفحات التي تجد المتابعة الدائمة من جميع فئات القراء،
|
|
|
|
|