| الثقافية
هل يمكن الحديث عن تحول في الخطاب الفكري العربي، وكيف يمكن رصد ذلك التحول؟
إن طرح مثل ذلك التساؤل يبدو منطقياً في هذه المرحلة التي شكلت تحولاً جذرياً وربما مفاجئاً على مستوى العالم خاصة ان معظم مفكرينا ومثقفينا كانوا ينتمون بشكل أو آخر إلى تلك الايديولوجية المنهارة، وكانت تشكل بالنسبة لهم التابو الذي يستمدون منه مفرداتهم وأفكارهم الصاخبة، سواء من حيث اللون أو النبرة الخطابية التي تتلاعب بعواطف الجمهور من خلال شعارات براقة يتم اسقاطها على المجتمع انطلاقاً من الانتماء العاطفي لذلك التابو وليس من ضرورات يمليها الواقع، بل إن المجتمع والتاريخ يتحولان إلى مجرد حقل لخدمة النظرية وليس العكس، دون اعتبار لأي خصوصية.
يشترك مع هؤلاء ايضاً من يصنفون أنفسهم مفكرين قوميين أو وطنيين، أو وحدويين الخ، تلك الشعارات، وعندما نقرأ الآن كتابات هؤلاء في تلك المرحلة، نجد أنها تبعث على الضحك على طريقة أبي الطيب اقرأوا مثلاً كتب نديم البيطار وخطابه المثقل بالتنظيرات والشعارات وهو يتحدث عن حتمية الوحدة العربية وبطبيعة الحال لابد أن هؤلاء المفكرين الذين يصنفون أنفسهم تقدميين مستنيرون، ومن عداهم سلفيون رجعيون حسب تصنيف أحدهم طيب تيزيني ، مختزلين بذلك واقعنا الثقافي والفكري والاجتماعي ضمن هذا التصنيف الثنائي الذي يدل على قصور الرؤية وربما غيابها أيضاً، إذ إن ضوء الشعار يعشي البصر، والحماس العاطفي للنظرية يمنع التبصر، لابد أنهم فقدوا الآن مرجعيتهم وبالتالي مصداقيتهم، وأصبح من الضروري بالنسبة لهم البحث عن مرجعية أو نظرية جديدة يمارسون من خلالها وفي ظلها تنظيراتهم على واقعنا بعيداً عن أي منهجية فكرية، من تلك التعاليم التي يتم ترديدها لكن كيف يمكن لنا كقراء أن نثق بما يمكن أن ينتجه هؤلاء من فكر بعد ذلك، وهل يقتصر دور المفكر على استيراد النظريات والمناهج الفلسفية، أم ان مهمته إيجاد آلية التفكير المناسبة انطلاقاً من الواقع بكل أبعاده.
هذه أسئلة مشروعة بالنسبة لنا كقراء، ربما انخدع قسم كبير منا، بما كان يروجه هؤلاء من فكر زائف غالباً لأهداف ذاتية أو اقليمية.
وسيكون من حقنا ايضاً ان نتساءل أو نرصد التحول أو ردة الفعل في خطاب هؤلاء بعد أن تخلت عنهم عربة التاريخ أو ربما قادتهم الى الاتجاه المعاكس، رغم اصرارهم ان التاريخ يسير باتجاه واحد وحتمي.
ومن المؤكد أن هؤلاء سيضطرون الآن للعودة إلى الوراء انطلاقاً من مواقعهم التقدمية بحثاً عن نظرية جديدة، وربما مروا خلال ذلك بالرجعيين، الذين سيجدونها فرصة مناسبة للسخرية.
وربما اضطر بعضهم للخروج من بين ركام النظرية، تاركاً خلفه نداءات البروليتاريا وقافزاً فوق كل الشعارات والوعود.
ومن خلال متابعتي أجد أن كثيراً من هؤلاء انتهى بهم المطاف إلى جامعات باريس وأوروبا، أو إلى المجتمع الرأسمالي والامبريالية، حسب خطابهم السابق.
وبينما تبنى بعضهم فكراً مضاداً وأصبح يدعو الدولة إلى سرعة التخصيص وتخفيف القيود، أخذت بعضهم العزة بالاثم وراح يحاول التنقيب بين ركام النظرية في محاولة لترقيع ما يمكن، وربما اتخذ بعضهم موقفاً أكثر عملية فطالما انه كان ينتمي سابقاً إلى نظرية منهارة، فمن الأفضل ان يعمل على الانقاض والحفريات من خلال الانتماء الى الفكر التفكيكي وميشيل فوكو.
|
|
|
|
|