| الثقافية
حين نعود إلى البدايات ونتساءل عن أول قصة قصيرة نشرت في منطقة الجزيرة، فمن الطبيعي ألا نجد اتفاقاً على قصة معينة، لأن مفهوم القصة القصيرة لم يتبلور بشكله الفني، والبدايات لا تعدو أن تكون مقالات قصصية، لكننا نجد في الحجاز مثلا أن منصور الحازمي يشير إلى أن أول قصة نشرت كانت قصة الزواج الإجباري التي نشرها محمد حسن عواد في كتابه الشهير خواطر مصرحة عام 1926، وهو أول كتاب لمؤلف واحد يصدر في الحجاز، لكن سحمي الهاجري الذي أرخ لمرحلة نشأة القصة القصيرة يقترح أن تكون قصة الابن العاق لعزيز ضياء أول قصة قصيرة في الحجاز ونشرت عام 1932.
وحين نتجه إلى اليمن فإن عبدالحميد إبراهيم يرى أن أول قصة قصيرة في اليمن هي تلك التي نشرت في مجلة الحكمة سنة 1940، بعنان "أنا سعيد" لأحمد البراق.
أما في الكويت فإن أول قصة قصيرة حسب رأي محمد حسن عبدالله نشرت في مجلة البعثة التي كانت تصدرها البعثة الكويتية في القاهرة (مارس 1947) وهي قصة "بين الماء والسماء" لخالد الخلف، وإن كان قد نشرها تحت اسم رمزي "ولد عريب"، بينما يرى إبراهيم غلوم وبعده سليمان الشطي أن قصة منيرة التي نشرها في مجلة الكويت الشاعر خالد الفرج سنة 1929م هي أول قصة قصيرة تنشر في الكويت,ويضيف غلوم أنها الأولى في الخليج.
وفي البحرين وحسب رأي غلوم أيضا نجد أن أول قصة هي "حائرة" لمحمد يوسف، نشرتها مجلة البحرين في نوفمبر سنة 1941.
ولست هنا بصدد اختيار القصة الأقدم للوصول إلى نتيجة تؤكد نقطة بداية القصة القصيرة زمنيا ومكانيا في منطقة الجزيرة العربية، لأنني على يقين أن المستوى الفني هو الأهم في هذا الإطار ولعل بعض هذه القصص، أطلق عليها قصة قصيرة بكثير من التجاوز، وإلا فهي أقرب ما تكون مقالات قصصية.
وما أردته هنا من إيراد هذه الآراء تأكيد هدف أهم، يتمثل في التقارب النسبي بين هذه المناطق التي ذكرت من حيث الاهتمام المبكر بهذا اللون الأدبي الجديد (القصة القصيرة).
وحين نمضي تاريخيا نجد أن كثيرا من الصحف تعثرت بسبب الحرب العالمية، ثم عاودت الصدور، وصدرت مجلات وجرائد في كافة المناطق التي أشير إليها سلفا, وأصبحت الصحف أكثر اهتماما بالجانب الثقافي، وهي إلى جانب نشر الكثير من القصص فإنها اتجهت اتجاها يتمثل في نشر الكثير من القصص المترجمة من الفرنسية والإنجليزية والروسية وغيرها, وأصحبت أسماء موباسان وسومرست موم وتشيكوف وغيرهم ترد في ثنايا هذه الصحف، خلال الأربعينات والخمسينات.
وقد شهد العقد الخمسيني تحولا في مسيرة القصة القصيرة، تمثل في بدء صدور المجموعات القصصية, لكننا نصل إلى عام 1960، ونحن لا نجد سوى أعداد قليلة من المجموعات القصصية المتفرقة، تقترب من عدد أصابع اليد الواحدة، ويأخذ الحجاز النصيب الأكبر منها, ولعله لم تصدر مجموعات في الكويت والبحرين في هذه المرحلة المبكرة.
أما في اليمن فصدرت مجموعة "أنت شيوعي" لصالح الدحان سنة 1956.
وإذا كنا قد لاحظنا أن البدايات الأولى كانت في الأربعينات والخمسينات، فإنها ظلت ضمن إطار القصة الاجتماعية ذات البعد الإصلاحي المباشر، وهي غالبا تتراوح بين المقالة والسرد القصصي, ويمكن اعتبارها مرحلة نشأة القصة القصيرة في الجزيرة العربية.
حين نصل إلى مرحلة الستينات نجد تحولات ثقافية واجتماعية وسياسية في اجزاء مختلفة من منطقة الجزيرة, هذه الأحداث لعبت دورا في بلورة كثير من المفاهيم, الكويت نالت استقلالها عام 1961، والثورة اليمنية اندلعت ضد الإمام في الشمال سنة 1962، وضد الإنجليز في الجنوب سنة 1963، وتغير نظام الصحافة في المملكة عام 1963, أما البحرين فقد كانت تمر بظروف غير عادية حتى منتصف الستينات.
هذه الأحداث على اختلاف في مستوى تأثيرها من العوامل التي ساهمت في تحول تجربة الإنسان على هذه الأرض، حيث تبلورت كثير من القضايا الاجتماعية والوطنية, وأصبح التواصل مع بقية أجزاء المنطقة العربية أقوى من ذي قبل من الناحية التعليمية والثقافية والفكرية, وتمت عودة بعض أبناء البلاد إلى أوطانهم وساهموا بإحداث نقلة في عالم القصة القصيرة, فمن الرواد في عالم القصة في السعودية مثلا محمود عيسى المشهدي وحمزة بوقري وكلاهما كان مقيما في مصر, وكذلك إبراهيم ناصر، الذي قدم من العراق، وفي الكويت نجد إسماعيل فهد إسماعيل، وفي اليمن محمد عبد الولي الذي عاش بين مصر وروسيا، إضافة إلى كتاب آخرين.
ما أود تأكيده هنا هو أنه إذا كانت القصة في الأربعينات والخمسينات جاءت استجابة لحاجة المجتمع الإصلاحية، دون ارتباط بالمستوى الفني، فإن قصة الستينات وصلت إلى مرحلة من النضج، بسبب التواصل الذي حدث بين كتاب القصة في منطقة الجزيرة العربية وبين إخوانهم العرب أصحاب التجربة الأسبق سواء كان اتصالا مباشرا بسبب الانتقال أو بالتواصل عبر الصحافة, إلى جانب متابعة الترجمات الناضجة لكثير من الكتاب العالميين.
ولذا فإنه دون كثير تردد يمكن اعتبار الستينات مرحلة بداية القصة القصيرة بمفهومها الفني في منطقة الجزيرة العربية
|
|
|
|
|