| الثقافية
يتمتع رئيس تحرير مجلة هارتستون بكثير من الذكاء وينفرد بأسلوب ابتكره فيما يختص بجمع مادة المجلة وهو لا يضرب سياجا من السرية في حقيقة الأمر حول أسلوبه هذا بل انه يطلعك بمحض ارادته عليه وهو متكىء على درج مكتبه المحفور من خشب الماهوغاني مبتسما في شيء من الدعة الممزوجة بالطيبة,, ناقرا ركبته هونا بنظارته ذات الاطار المذهب.
ان المجلة سيقول لا توظف طاقما من القراء بل اننا نتحصل على استبيان لمادتها الخام مما يصلنا من أفكار مختلفة من القراء على تنوع ثقافاتهم ومشاربهم.
تلك هي فكرة رئيس التحرير وهو ما دأب على تطبيقه دوما.
حالما ترد المواضيع الى المجلة يحشو المدير بها كل جيب في بزته الانيقة ثم يطلب تعليقا على ذلك من عامة الناس يقوم بتوزيعها على موظفي المكتب، الحارس والمستخدم وعامل المصعد والمراسلين وصبي القهوة وبائع الصحف الذي يشتري المسائية منه والبقال وقاطع التذاكر مختتما ذلك بطباخه وخادمته اولئك هم المحلفون,, وهم من يدلون بالحكم النهائي على ما يصل الى المجلة من مشاركات,, أما اذا وصل الى منزله وثمة اوراق في جيبه لما تزل فتكون من نصيب زوجته بعد ان يخلد الى النوم صغيرهما,, بعد أيام عدة يجمع رئيس التحرير ما تفتقت أخيلة العامة عنه من حكم شامل، وقد حققت طريقته تلك نجاحا لاحد له وسجل التوزيع أرقاما قياسية شملت كذلك ما تصدره المؤسسة من كتب، لاسهامات عامة الناس فيها قصب السبق وقد تتسرب بعض المواد من المجلة عمدا طبقا لما يتشدق به بعض ثرثاريها,, فتنشرها مؤسسات أخرى لتلاقي بدورها نجاحا منقطع النظير هناك مثلا تلك المقالة التي تحمل عنوان ازدهار وانهيار سيلاس لاثام والتي لم تلق اطراء من عامل المصعد وغيرها كثير! على ان المجلة كانت شديدة التمسك بسياستها ونظرياتها المرتكزة على الآراء المستنبطة من كل عضو في هيئة التحرير بما في ذلك موظفة الاختزال في مكتب رئيس التحرير وغيرها ممن وضعوا نصب أعينهم ذاك الأمل اليانع المتجدد المتمثل في الفوز برئاسة التحرير إذا ما جاد الزمان يوما وابتسمت الأقدار.
تلك السياسة العريقة للمجلة كانت مألوفة لدى الكاتب (آلن سلايتون حينما ألف روايته القصيرة الحب هو كل شيء اذ انه طفق يدور بها على مؤسسات النشر ردحا من الزمن أتاح له معرفة الكثير عن محرريها، ولم يقتصر ادراكه على الإلمام بسياسة رئيس تحرير مجلة هارتستونز فيما يختص باجتلاء آراء العامة حول ما يصله من مادة,, بل تعداه الى معرفة ان موظفة الاختزال الآنسة بفكين كانت صاحبة الشأن فيما يختص بقصص العاطفة المتأججة بلهيب الغرام.
وكان لرئيس التحرير عادة غريبة اخرى تمثلت في حجب اسم الكاتب ابان توزيع المادة على القراء لاستطلاع آرائهم خشية ان تؤثر شهرة الاسم على حيادية ما يصل اليه من مقالات وتقارير تختص بذلك.
وكانت رواية سلايتون القصيرة الحب هو كل شيء شغل المؤلف الشاغل بذل فيها قصارى جهده وثمرة كده,, ومنحها ستة أشهر من العمل الابداعي المتواصل,, كانت قصة هوى محضة مزجت بشذى العاطفة وحرقة الوجد فجاءت شعرا منثورا عزفته قيثارة القلب في ديوان الحب فسمت فوق الماديات الى رحابة الروحانيات واستحقت جائزة الابداع المتميز ولا عجب فقد كانت طموحات سلايتون الأدبية فوق حدود المحال مما حدا به الى تكريس حياته لذلك والتضحية بما عداه لأجله,, بل انه قد تجاوز ذلك الى الحد الذي كان سيوافق معه على بتر يده أو الخضوع لمشرط الزائدة الدودية نظير نشر احدى أعماله على صفحات الهارتستونز !
أنهى سلايتون قصة الحب هو كل شيء فأخذها الى المجلة بنفسه وكانت تتوسط مبنى ضخما يتولى أمره باطنيا فراش مفوه، وما ان دفع سلايتون الباب متوجها الى المصعد حتى فوجىء بفرامة بطاطس تطير تجاهه لترتطم بالباب فتحطم زجاجة تبعها وبالسرعة ذاتها فراش المجلة وهو رجل قد اكتنز لحما وطبق شحما فيما بدت عليه جلافة وحدة طبع لا تخطئها العين,, كان مذعورا,, تقطّع البدانة والخوف وسرعة الجري أنفاسه وتبعث تلك القذائف امرأة سمينة مقطبة الجبين مكشرة الأنياب وزلت قدم الفراش فسقط على الأرض دفعة واحدة مطلقا أنينا ينبض باليأس وخيبة الأمل ولوعة الغارق في مهمه الظمأ يخال السراب ماء حتى اذا جاءه ما وجده شيئا وقفزت المرأة فوقه فجرت شعره ثم توقفت بعد اذ وقع بصرها على الزائر الغريب فانسحبت عبر باب جانبي وبقية من خجل توجب هدنة طارئة فأما المغلوب على امره زوجها فقد انتفض واقفا يلملم أشلاء كبريائه الجريحة.
تلك هي الحياة الزوجية! قال لسلايتون في دعابة كليمة وتلك هي المرأة التي لطالما سهرت الليالي أفكر فيها يبدو ان الفرامة قد أضرت بقبعتك! شدّما أنا آسف,, اسمع لا تدع أحدا يعلم بما حدث,, فأنا لا اود ان أفقد وظيفتي.
واستقل سلايتون المصعد في نهاية الردهة متجها الى مكاتب مجلة الهارتستونز حيث قدمها لرئيس تحرير الذي وعده بدوره ان يطلعه على امكانية نشرها من عدمه في نهاية الاسبوع.
وفيما كان سلايتون يستقل المصعد خارجا خطرت له فكرة رأى فيها مفتاح الفوز, وما تمالك نفسه اذ تبدت ذاته له عبقرية السبك، خلاقة بديعة في الاحتيال للأمور ووضعها في نصابها مبدعة في اقتناص الفرص والظفر بها وفي الليلة ذاتها شرع في تنفيذ ما اختمر بباله مرتئيا في ذلك وسيلة مضمونة لنشر عمله الابداعي في مجلته الأثيرة تلك كانت موظفة الاختزال الآنسة بفكين تقطن في المبنى ذاته وهي تميل الى النحافة,, والتقدم في العمر ,, واهنة متحفظة,, عاطفية المشاعر وكان هو قد تعرف عليها في وقت سابق فأما خطة الكاتب الجريئة بما فيها من تضحية فكانت كالتالي: كان على علم باعتماد رئيس التحرير عليها فيما يختص بانتقاء قصص العاطفة والرومانس وكان ذوقها يمثل انعكاسا للمعدل العام لذائقة النساء آنذاك واللاتي كن يعشقن ذاك النوع من الروايات,, أما الفكرة الرئيسية لرواية الحب هو كل شيء فكانت تنبع من فرضية الحب من أول نظرة ذاك الشعور الجارف المتأجج الذي يلهب الفؤاد ويدغدغ الروح,, ذاك الذي يتيح للمرأة أو الرجل معرفة وتمييز إلفه فور حديث روحه الى روحها,, وارتأى ان يجرب ذلك مع الآنسة بفكين ، وذاك في واقع الأمر محور فكرته الجريئة ان ينقش في ذاتها نظريته تلك فترسخ في اعماقها,, لتنبهر بدورها بقصته فتوصي رئيس التحرير بنشرها.
فكر سلايتون بذلك ووطد العزم على تنفيذه وفي تلك الليلة دعاها لمشاهدة أحد العروض المسرحية ثم شرع يصب في مسامعها عبارات الهوى والجوى وحرقة النوى، فإذا هي تغرم به! على أنه لم يتوقف عند ذلك بل اتخذ اجراء كان له بمثابة نقطة التحول في مسار حياته أجل,, أقدم ليلة الخميس على الزواج منها,, وتلك كانت قمة الشجاعة والنبل فانضم بذلك الى قائمة مشاهير الأدب ممن قدموا تضحيات سجلها التاريخ في سفر الخلود وفي سبيل الأدب يهون كل شيء قال في نفسه.
في صبيحة يوم الجمعة استأذنت السيدة سلايتون زوجها في الذهاب الى المجلة لتسليم أوراق كان رئيس التحرير قد عهد اليها بقراءتها واستصدار حكم بنشرها من عدمه لتقدم استقالتها بعد ذلك.
أهناك ,, آ ,,, أهناك قصة معينة بين ما تزمعين اعادته,, شدت انتباهك,, وحازت على اعجابك؟ سألها سلايتون ودقات قلبه كأكف مسعورة على دفوف الوجل.
أجل ردت ثمة رواية قصيرة قرأتها فأمتعتني غاية الاقناع ولا أحسب ان الزمن يجود بمثلها لاحقا! كانت أقرب ما يكون الى الواقع في واقع الأمر.
ذلك المساء هرع سلايتون الى مقر المجلة بعد أن أحس بدنو الفرج وان روايته قد باتت قاب قوسين الى المجد أو أقرب ولقي صبي المكتب خارجه فداعب فؤاده أمل في قرب المباهاة بنجاحه الأدبي وبزوغ فجر عبقريته الفكرية فهي على مرأى من الجميع وسأل الصبي عن روايته فأحضر له مظروفا كبيرا.
لقد طلب مني رئيس التحرير ان ابلغك أسفه واعتذاره عن نشر روايتك فهي كما قال ليست بحوزتنا.
هل هل باستطاعتك تساءل سلايتون مصعوقا ان تخبرني ما اذا كانت الآنسة بف,,,,,, أعني زو,,, أقصد الآنسة بفكين أتعلم ما اذا كانت قد سلمتني هذا الصباح رواية طلب رئيس التحرير منها ان تقرأها؟
أجل بالتأكيد لقد سلمتها قال الصبي مفتعلا التعقل والحكمة لقد سمعت رئيس التحرير يقول انها كانت معجبة بها غاية الإعجاب مرتأية أنها من الطراز الاول قيمة وجمالا أما اسم الرواية فكان: انتصار فتاة عاملة !
هيه استطرد الصبي اسمك سلايتون أليس كذلك المعذرة فقد حصل لبس ذلك اليوم لقد طلب رئيس التحرير مني توزيع بعض الأعمال الأدبية فوقعت في خطأ طفيف,, أعطيت الفراش الأوراق التي كان من المفروض ان أدفع بها الى الآنسة بفكين والعكس صحيح لا بأس بذلك,, كما اظن,, انه ليس بالخطب الجلل.
عند ذلك أبعد سلايتون المظروف الذي يحمل اسم روايته الحب هو كل شيء وقد خربش الفراش عليه بقطعة فحم عبارة صدقت والله .
|
|
|
|
|