| الفنيــة
قبل مائة عام كانت شبه جزيرتنا العربية على موعد مع مجد لا مثيل له، ومع عظمة لا مثيل لها, ومع ميلاد أمة، وحياة لأهلها، ومع إشراق ينير أرضهاو ويبدد دياجير الظلام، ومع صوت حق يدوي ويزهق الباطل ينادي: الملك لله ثم لعبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود إنها عظمة تبعت الامام عندما غامر وخاطر بدخوله بنفسه ورجاله الأوفياء الرياض غير مكترثين أبداً بالموت الذي يتربص بهم من كل مكان!!
وسبب آخر لعظمة أجدادنا هو تمسكهم باللهجة السعودية مهما كانت ضاربة في عمق البداوة الأصيلة والحضرية العريقة, حتى لو تقدمت الاعوام وتغيرت المفاهيم يظل السعودي هو ذلك السعودي قبل مائة عام وتزيد, الغيور على لهجته البدوية أو لهجته الحضرية الحرفية يتحدثها بسهولة وبشكل طبيعي مثلما يتنفس هواءه بسهولة وبشكل طبيعي.
نعم، دخلنا إلى التاريخ المشرق، وتفتحت بلادنا وعقولنا على العالم وثقافاته، وتزينا بالعلوم على اختلافها، ومع ذلك ظللنا نحن لم نتغير ذلك السعودي قديما وقبل مائة عام وخلالها الغيور على لهجته السعودية التي لا يرضى بغيرها وهو بحوزته أكثر من لغة يتقنها اتقانه لهجته، لكنها اصالته وعظمته التي نشأ عليها ورعاها الملك عبدالعزيز القدوة الصالحة.
وكل عمل أو فن سيتناول الفكرة العظيمة التي يفتخر بها كل مواطن سعودي فكرة تأسيس وتوحيد بلادنا الحبيبة على يد المغفور له إن شاء الله الملك عبدالعزيز آل سعود لابد ان يتابع بكل شغف وتلهف.
ولدينا هنا عمل جريء مغامر يُشكر ويُشكر معه العاملون عليه وفيه على اجتهاداتهم الواضحة عمل كاتبه ومعالجه الدرامى كاتب مشهور كبير له الكثير من المعالجات هنا وهناك وهذا أمر ملحوظ وابطاله كبار، ويكفي ويحسب للعمل انه جاء تأثراً بجهاد الإمام ورجاله لأجل السلام والامن والامان، وأيضا تاثراً بعظمة اولئك الرجال بمن فيهم اهل شبه الجزيرة العربية.
هذا العمل المغامر هو مسلسل التحول العظيم وحقيقة عظمة هذا العمل بالتأكيد من عظمة الملك عبدالعزيز الذي كافح من أجل ان تتحول بلاده المسلوبة من ظلام الظلم والجهل والخوف إلى نور العدل والعلم والامان، ولكن هذا العمل قصر في امور أراها ويراها غيري خطيرة بل هي مشوهة للتاريخ الجميل الذي اراد اصحاب هذا المسلسل تصويره لنا, جاعلة اياه اشبه ما يكون بالمسلسلات الهزلية بعد ان كان المفترض ان يكون قمة المسلسلات التراجيدية!!
من أين جاء حكمي هذا؟ لقد جاء من نقطة واضحة للمشاهد الكريم، نقطة لا يختلف اثنان في انها قلبت العمل رأسا على عقب، وجعلت الجميع يزيد تندرهم من اشخاصه، وتزيد سخريتهم من حوارات بينهم حتى بين الصالح والصالح! فالعدوى انتقلت للجميع!!
ما هي هذه النقطة الواضحة؟ إنها: لهجة الحوار في العمل, العمل لايشك احد في انه عمل سعودي، عفواً المفترض ان يكون سعوديا، وأبطاله أو أشخاصه سعوديين، وبالتأكيد حواراتهم باللهجة السعودية المحفوظة منذ الأزل وأصبح الواحد منا توارثا يفتخر بها.
ثم تفاجأت بل ضحكت كغيري ان اللهجة السعودية شرق وما أسمعه من ابطال واشخاص هذا العمل غرب!! فالواحد منا في دوامة مضحكة مبكية في الوقت نفسه لا يعرف حقيقة تلك اللهجات (التوليف) في هذا العمل فمرة سورية وهذا الغالب، ومرة لبنانية، ومرة أردنية، ومرة كويتية، ومرة عراقية، ومرات، مرات بدوية، وليست هناك مرة سعودية خالصة إلا ما يعد على اصابع اليد الواحدة!!
العمل أياً كان لابد ان يؤدى على الوجه المرضي المقنع حتى يكتسب ويكسب مصداقيته عند الجمهور الواعي،؟!! أيها القائمون على ذلك العمل نحن جمهور واعون ولسنا اطفالا صغارا لا نفقه! فليس السعودي سامحكم الله هو غترة وعقال فقط!!
لقد ضجت شكوى الجميع من تلك اللهجة المشوهة للهجتنا في الاعمال الفنية وخاصة شكوى فناني الكاريكاتير عندما أخذوا يرسمون لنا صوراً مضحكة مبكية لابطال اعمال متأسلمة وهم يخلطون اللغة العربية الفصحى بلغتهم الاساس في بلادهم العربية، حيث الزاء بدلا من الذال!! وما أشبه الليلة بالبارحة، فما اشبه الاعمال التي تدعي ادعاء كاذبا انها تسمى اسلامية بعملنا هذا وأشباهه!! والمصيبة انها قد تكررت مثل هذه الاعمال المتسعودة التي لا تعرف لها وطنا واحداً! وتكررت بالمقابل صيحات الاستهجان من بعضنا، هذا غير من لم يسمح له الاستهجان علنا!! وأخشى وأخاف ان يتعدى استهجاننا مثل هذا العمل في اسلوب تقديمه المصطنع ولغة حواره الخاطئة الى الفكرة العظيمة التي يدور حولها هذا العمل!!ليس عيبا أيها المسؤولون عن هيكلة التلفزيون السعودي ان نخطئ أو أن نقصر فيما نقدمه، ولكن العيب ان نصر على الخطأ، وأن نصر على التقصير, والعيب الاكبر والأخطر أن يطال خطأنا وتقصيرنا أفكارنا العظيمة ونحن لا ندري، وان كان غيرنا يدري فالمصيبة اعظم!!
ونقطة ثانية مهمة في هذا العمل وللعمل اختفت أو كادت ان تختفي إنها" الفنانون السعوديون لقد كان واضحا اشد الوضوح ان فنانينا السعوديين كبارا وصغارا على حد سواء غائبون تماما! بينما كان من المفترض ان يكون هذا العمل بفكرته لحمته سعودية خالصة او غالبة على اقل تقدير لا أن يقتصر على ممثلين سعوديين يعدون على اصابع اليد الواحدة!!
فنانونا السعوديون ربما تمنعكم من هذه الاعمال قلة ادوارها، وربما تمنعكم بساطة أدوراها، وربما تمنعكم واقعية فكرتها، ولكن لماذا لا نتكاتف ونصرف انظارنا عن كل شيء ما عدا ان يجتمع الجمهور السعودي بكل وطنيته بعاطفتها الجياشة المتلهفة على عمل سعودي خالص يلبس غترة وعقالا ومقطع أبو ردن بشكل صحيح، ويتلكم بلهجتنا السعودية بشكل اصح, أيها الفنانون، ان مكانكم وفخركم هذا العمل وأمثاله بما يحمله من مثل هذه الفكرة العظيمة وليس مكانكم وفخركم اعمالا تلبسون فيها البسة اجنبية لتعالجوا أفكارا خارجية!! والحديث عن الغياب المؤلم من الفنان السعودي عن هذا العمل يقودنا إلى الحديث عن الحضور الاشد ايلاما للعنصر النسائي لا لذاته إنما لسوء تعامله مع لهجتنا السعودية هو الآخر!! وعملنا هذا أفشله زيادة على ما سبق حضور المرأة عباءة ونقابا فقط، وغيابها لهجة سعودية صحيحة! بل أكاد أقول: وغيابها كذلك عباءة ونقابا كحال رجالهم الذين ألبسوا غترة وعقالا!! ليس نجاح العمل الفني يحكمه شرط حضور المرأة وإلا إلام نعزوا فشل عملنا هذا مع الحضور المكثف للرجال!! هذا التشويه الشنيع الذي وقع فيه ممثلو وممثلات العمل تجاه لهجتنا السعودية الجميلة له تأثير خطير علينا وخاصة على ألسنة اطفالنا وعقولهم حاضرا ومستقبلا، فستعتاد ألسنهم الطرية على محاكاةالممثل الفلاني في هذا العمل, في المرة الاولى سيحاكيه مازحا، وفي الاخرى تصبح المحاكاة طبعا لن يتغير! فيصبح ندنا صغار لا تربطهم بنا سوى جنسيتهم فقط!! وهذا الطفل سيتجاوز تأثره إلى ان يستهين بكل افكارنا العظيمة عندما يراها تصور له كالرسوم المتحركة الهزلية!!
بل إن هذا التأثير وياللأسف المضاعف، طال كبارنا! فكم من عجوز، وكم من هرم استهواهما هذا العمل!! وأنا أعرف السبب، أولا: لعدم وجود البديل المقنع المرضي، وثانيا: وهو الاهم والاوضح لانهم يعيشون بحكم سنهم مع كل حدث من احداث العمل يعيشونه بكل احاسيسهم وعقولهم، فهم جزء لا يتجزأ من ذلك التاريخ المبهج إنهم عند مشاهدتهم يرحلون الى تلك الحقبة او ان تلك الحقبة ترحل إليهم، بل لماذا يرحلون؟ إنها تعيش في كل خلية من خلاياهم، إنها حياتهم الاغلى.
نعم ان حقبة الملك عبدالعزيز ورجاله وأهل بلادنا، وبلادنا نفسها هي غالية على نفوسنا، ولا نريد وأعلنها صريحة ويوافقني الجميع دون استثناء لا نريد أبداً ان يلحق تاريخنا السعودي العظيم برجاله وبلهجته تشويه غير مقصود له وللهجته العظيمة, ونحن لا نريد ان يتحول هذا العمل من فكرة سعودية عظيمة إلى مسلسل بدوي مبتذل او مسلسل اسلامي مهين!! ونحن لا نريد ان يعادي مجتمعنا مثل هذا العمل، لانه بالتأكيد ستتسع الهوة بينه وبين كل عظيم من تاريخنا كل عظيم يسعى كل واحد منا لغرسه في نفسه ونفوس غيره.
هذه الايام نعيش فرحة ثقافية لكون الرياض عاصمة للثقافة العربية فهل هذا العمل وأمثاله دليل جدارتنا، لنكون رموزا للثقافة العربية؟! وهل يصلح هذا العمل وأمثاله لان يشاهده الغريب فيحكم لنا بأننا الجديرون بحق بالثقافة العربية واهل لها فضلا عن اهلية الرياض لتصبح عاصمة لها؟! وهل هذا العمل وأمثاله بلهجته المستعودة اولا، وطريقة عرض حياة السعوديين فيه ثانيا ينقل لنا ولغيرنا صورة حقيقية لحياة عظيمة عاشها اجدادنا؟! أسئلة أترك لكم الاجابة العقلانية عنها.
ولدي دعوات لاشخاص على قدر كبير من الاهمية في العمل الفني ولعلها تجد منهم قلوبا تعي.
الدعوة الأولى موجهة للمنتج السعودي اين واجبك الازلي تجاه فكرتك العظيمة هذه ومواطنتك الغالية؟ اين دورك الاساس؟ اين بصماتك الواضحة؟ لماذا لم تستعن في هذا العمل بطاقم بل ببعض طاقم فني سعودي؟ حتى الملابس، الملابس السعودية تخيلوا أوكل تجهيزها وتصورها لغير السعودي؟!
الدعوة الثانية موجهة للكتاب السعوديين هذه الفكرة العظيمة وأمثالها في حاجة لاقلامكم لتكتبوها اعمالا متلفزة متقنة كما عودتمونا على الاتقان, وأنتم تبدعون في فن الفانتازا وفن المسرح التجريبي وفن الميلودراما ابدعوا في الواقعية وخاصة وهي تصور تاريخنا العظيم, دعوا أعمالكم بسيطة وستكون عظيمة وسترون هذه العظمة في فرحة السعوديين بها، ففكرتها عظيمة ولأن النَفَس فيها نَفَس سعودي.
الدعوة الثالثة موجهة لمسؤولي التلفزيون ولمراقبي الاعمال الفنية, لا تقفوا مكتوفي الايدي فليس المهم في الدرجة الاولى ان تعبأ هيكلة ما يقدم للجمهور بكل ما (هب ودب) ولكن الاهم صلاحيته وجدارته ومصداقيته وخاصة إذا كانت له صلة بأفكاركم العظيمة ووطنيتكم الغالية, بالتأكيد هناك غيري افضل مني نقدا وتحليلا ورؤية فنية فالدعوة الرابعة لهؤلاء دعوة صادقة ملحة أدلوا بدلائكم وناقشوا هذه القضية (الاعمال الفنية المتسعودة) فهي خطيرة جدا، واطرحوها على طاولة البحث، لا تنصرفوا عنها إلى اعمال فضائية مميزة، فالقضية تخصكم، لم لا وهي تعرض لكم حقبة تاريخية عزيزة على كل مواطن سعودي غيور.
والدعوة الخامسة لمسؤولي الصفحات طلبا لا أمراً, افتحوا صدور صفحاتكم لكتابات الجميع هذبوها نعم، ولكن لاتهملوها ظنا منكم بعدم اهميتها, فالموضوع اكثر من مهم فهو لصيق الصلة بوطنيتنا السعودية التي تكاد تسلبها لهجات دخيلة ولأقرأ يوما ما نقداً لموضوعي، فلن اغضب، فالمهم عندي وعند غيري ان نسمع اراء غيرنا، لأننا بالتأكيد سنحترمها حتى لو كانت مختلفة، وبالتأكيد سنصل في الاخير الى حل يتفق عليه الاغلب.
وأخيرا لا أريد من حديثي ونقدي هذا كله تجريح احد بعينه، لكن إلى متى نظل نجامل او نستحي اونعد الامر لا يعنينا إلىمتى؟! إلى ان نصبح في يوم ما وقد انعوجت ألسنتنا نحن السعوديين فأخذنا نشبع الجيم ونرقق الراء كما كان يفعل المنتهز عدنان في حلقة من حلقات طاش ما طاش والذي مثل دوره بجدارة الفنان ناصر القصيبي عندما ينادي بجماعة الربع ؟!!
صالح عبدالرحمن أحمد البريدي
|
|
|
|
|