| الاخيــرة
في بدايات القرن العشرين المنصرم، بدأت المؤثرات المعادية لزلزلة الثقافة الإسلامية، وكانت أهم الميادين التي تركز فيها الصراع، ميدان استبدال الحرف العربي بالأبجدية اللاتينية.
وكانت تركيا المسلمة التي عرفت في أدبيات السياسة الأوروبية بلقب رجل أوروبا المريض هي الهدف الرئيسي من تلك المحاولات المسمومة الضارية، فاذا أمكن صرف الامبراطورية العثمانية عن استخدام الحرف العربي، فمن السهل جدا القضاء على ذلك الحرف العربي في بقايا الأمم الأخرى التي تدور في فلكها وتتأثر بالثقافة الإسلامية السائدة فيها.
ولما كانت تركيا وايران هما من أهم الدول الاسلامية التي تستخدم الأبجدية العربية، فقد جرى التركيز عليهما، لأن انتشار وذيوع الأبجدية العربية، في العالم يمثل خطرا اسلاميا لا بد ان يقاوم بكل الوسائل.
استطاعت الضغوط المتواصلة على الامبراطورية العثمانية من قبل الدول الأوروبية أن تجبر الأتراك على التخلي عن أبجديتهم العثمانية العربية وما أن جاء أتاتورك وحركته الأناضولية حتى تخلى الأتراك عن الأبجدية العثمانية، واعتنقوا الأبجدية اللاتينية بوهم أن ذلك الاتجاه سوف يفتح لهم أبواب اللحاق بركب الحضارة الغربية، والاغتراف من مناهج وعلوم الغرب الباهرة، وكم كان وهماً وخيالاً واندفاعاً أحمق خلف سراب بعيد التحقيق، فتركيا لم تتمكن الى اليوم من اقناع أوروبا بقبولها ندّاً.
فلا يزال الاتحاد الأوروبي يعتبر تركيا أسوأ الدول المرشحة لعضوية الاتحاد الأوروبي فيما يخص حقوق الانسان والقضايا الديمقراطية.
ولكن من حق قارىء هذه الورقة ان يتساءل: وما علاقة هذا الموضوع بصمود الحرف العربي في إيران؟ .
والجواب هو أن ثمة علاقة هامة جدا ودقيقة بين ما جرى في تركيا، وما كان يمكن حدوثه من إحلال الحرف الأبجدي في إيران مكان الحرف العربي.
لقد كان اعجاب وامتنان الناشئة الفرس في عشرينيات القرن العشرين بما يجري في تركيا عظيما وذا أثر عميق، بل ان الشاه رضا بهلوي شاه ايران كان يعتبر كمال أتاتورك مثله الأعلى في كثير من الاصلاحات التي ادخلها إلى إيران حينما آل حكم إيران إلى الأسرة البهلوية.
لقد كانت فكرة استبدال الحرف العربي بالأبجدية اللاتينية من القضايا الساخنة المطروحة على الساحة الثقافية في إيران.
كان الخلاف على أشده في إيران بين المثقفين الايرانيين في أيهما الاجدى على ايران، الحفاظ على الأبجدية العربية أم استبدالها بالأبجدية اللاتينية اقتداءً بما جرى في تركيا على يد الكماليين أتباع كمال أتاتورك؟
كانت كفة القائلين باتخاذ الحرف اللاتيني بدلا من الحرف العربي رائجة في إيران الى حدٍّ بعيد.
ويبدو أن بعض الدعاة المتطرفين من الايرانيين، قد استطاع أن يقنع الشاه بفكرة التخلي عن الحرف العربي وإحلال الحرف اللاتيني محله، ولكن لطف الله وحسن تصرف عقلاء إيران وحكمائها حال بين هذا الغليان العاطفي القومي ومنعه من التحقق.
وأهم أسباب هزيمة الحرف اللاتيني في إيران هي:
1 ان التراث العلمي والأدب والفن الفارسي المسجل بالحرف العربي ضخم جدا، وهائل وعميق وضارب بجذوره الى غور بعيد، ومجرد التفكير في نقله الى الأبجدية اللاتينية يدخل في باب المستحيلات.
2 إن دعوى استبدال الحرف العربي بالحرف اللاتيني، والزعم أن ذلك التحول سيؤدي إلى نقل ايران بين عشية وضحاها من مصاف الدول المتخلفة الى ركب الأمم المتقدمة، ضرب من الهراء لا يؤيده واقع الدول التي غيرت أبجدياتها بأبجديات لقيطة مستوردة.
3 تبين لحكماء إيران أن الجهد والمال الذي سينفق في تعليم الايرانيين لغتهم وثقافتهم بالحرف العربي أيسر بمراحل من الجهود التي يتطلبها استبدال الحرف السائد لديهم.
لكل هذه الأسباب هدأت هذه الهوجة العظيمة المرتجلة الداعية الى تقليد النهج الكمالي التركي,, ومني الحرف اللاتيني في إيران بهزيمة نكراء.
|
|
|
|
|