| محليــات
في المؤسسة التعليمية:
يتبادر إلى الذهن السؤال الجدلي الذي يطرحه عادة إداريو المؤسسات التعليمية: هل المؤسسة التعليمية مسؤولة عن تربية النشء؟ ثم عن تعليمه؟ ويرمون بالمسؤولية الأولى إلى الأسر، وبمعنى آخر إلى الوالدين، وبمعنى أوسع إلى كل عائل حسب موقعه من الناشئ أو الناشئة.
والمؤسسة التعليمية تتنصَّل من مسؤولياتها حين ترمي بمثل هذه الاسئلة في وجه المواقف.
وأذكر ولا أزال أواجه حين كنت في موضع المسؤولية المباشرة في عملي الإداري في الجامعة أن حالاتٍ كثيرةً من الأخطاء التي تقع فيها الناشئات، لو تركت عند بدء السؤال: من المسؤول، ثم قذفت إلى داخل فوَّهة الأسرة، لكان مصيرها الاتساع، والتعقيد ومن ثم الاستفحال، لكن الخطأ الذي أواجهه منهن كنت أتلقاه كزلّةٍ عابرةٍ يمكن تلافيها عندما يتم احتضان الموقف بحكمة، ومواجهة صاحبته، ليس بالاعتساف، وإنما بالتوجيه، وبمنحها الثقة في أنها ستُقلع عنه بإرادتها، ووضعها أمام محكٍّ ذاتي لاجتياز هذا الاختبار الشخصي لقوّتها، وفهمها ووعيها وإدراكها، وطرح نماذج الحلول أمامها، ومغبّة الخطأ أمام النفس، والأسرة، والمجتمع، وقبل كل ذلك أمام الله تعالى، مهما صغُر أو كبُر,, ولم أجد حالةً واحدةً مرَّت بي دون أن يكون حلُّها عاجلاً، ويأتي بثماره,, ولقد وقفت على أسبابٍ كثيرةٍ لتخبط الناشئات أولها عدم وجود الكبير المؤنس الموجِّه القريب، ولو وُجد فهو بأحد الشخصيات التي سبق ذكرها, حتى في المدرسة، وحتى في الجامعة,.
لذلك أعود فأقول إن التربية مسؤوليةُ كلِّ مسؤول يقف أمامه الناشئ في أيّة حالة وعند أيِّ مرحلة,, في المؤسسة التعليمية لا بُدَّ أن توفر الأنشطة التي تعين على توفير المواقف التدريبية التي تعلّم عن طريق غير محسوس وغير منظور، أي التربية غير المباشرة، وعن طريق الأنشطة التي يستغلُّ فيها الناشئ والناشئة وقتهم وطاقتهم كي لا يترك لهم الوقت لهدر هذه الطاقات في الخطأ,,، والمؤسسة التعليمية لابُدَّ أن تضع برامج توجيه مدروسة تدخل ضمن أُطر منهجيّة التعليم، فالمؤسسة التعليمية بوتقة هامة لا يجب أن تكون ساحاتها بوتقات لالتقاء الصالح بالطالح وجذب الثاني للأول ورميه في مجراه كي يُلَطّخ بوحله بدل أن يجد من ينشله من وحلٍ لحق به خارجها، المؤسسة التعليمية فيها العلم على مختلف مستوياته وتخصصاته أب/ أمّ/ وهما قدوة، فكيف يكون التأثير التعليمي في منأىً عن التأثير السلوكي؟ إذا كان المنظِّرون يرون أن بناء القيم عند الفرد تستوي في العُمر الواحد والعشرين وهو العُمر الذي يكون فيه الناشئة خلف طاولات الدرس وفوق مقاعد الأخذ عن معلِّميهم؟، وإذا كان المنظِّرون يرون أن العقد الثاني في عُمر الإنسان هو مرحلة توقُّد عاطفي، بدليل أن الناشئة فيه يرتبطون وجدانيّاً بمعلِّميهم، فكيف لا يُستغلُّ ذلك في ربطهم فكرياً بتوجُّهات أخلاقية راقية، عن طريق تأثير عواطفهم التي تحمل مكنونها بكلِّ ما هو عن المعلم؟,.
ألا يتفق معي الجميع أن تأثير قدوة المعلِّم في تلاميذه تتكوّن من المواقف أكثر مما تتكوّن من خلال التدريس؟,,.
وكم من أستاذٍ للإنسان في الحياة اصبح من خلال مواقفه، وهو لم يعلِّمه حرفاً واحداً ؟ ألا تذكرون شخصيات في المؤسسات التي مرَّت بكم من إداريٍّ، أو مرشدٍ، أو مكتبيٍّ، أو مسؤولٍ في أيِّ مراتب المسؤولية قد ترك في نفسك وذاكرتك منه ما يجعلك لا تنساه أبداً !!
إذن ، كيف يمكن طمس دور المؤسسة التعليمية في تربية النشء ؟
أليس هناك أنظمةُ العقاب والثواب في هذه المؤسسات؟ إذن، على أيِّ مستندٍ يمكن أن تقوم هذه الأنظمة إن لم يكن هناك معايير وضوابط للسلوك داخلها كي يحظى الناشئ بالمثوبة، أو يتعرض للعقوبة؟
المؤسسةُ التعليميةُ تخرج عن إطار جدل السائلين، هل هي للتعليم أم للتربية,, لأنها لكليهما,, ولا يجب أن يتنصَّل فردٌ ما من واجبه وأمانته أو يتخلَّى عنهما لمجرد أن الناشئ لا ينتمي لاسمه ولا يعنيه أمره,,، لأنه حقيقة ينتمي لمؤسسته، وهي بذلك تنال حظوةَ التقدير، أو تتعرض لسطوةِ النقد وسحب الثقة.
فاللهَ اللهَ بالأمانة,.
واللهَ اللهَ بالمسؤولية,.
والنشء أمانةٌ ومسؤولية في عنق المؤسسات التعليمية التربوية على مختلف مستوياتها.
وهي لكي تؤدي دورها لا بُدَّ أن تعي ضرورات المرحلة، وتسدَّ ثغراتها، وتتَّقي عثراتها.
|
|
|
|
|