| محليــات
في خطوة تعد الأولى من نوعها على صعيد العمل العربي المشترك، وفي أجواء مفعمة بروح الوفاق والإخاء والتفاهم، تم في مقر الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، بالقاهرة يوم الاربعاء الموافق 22/4/1998م، التوقيع على الاتفاقية العربية لمكافحة الإرهاب، التي تشكل نقلة نوعية رائدة وموفقة في نطاق الجهود التي يبذلها مجلسا وزراء الداخلية والعدل العرب لمحاربة ظاهرة الارهاب، التي تهدد أمن وسلامة بلداننا وشعوبنا العربية، وتلحق أفدح الخسائر والأضرار بممتلكاتنا ومقدارات شعوبنا,وقد وقع الاتفاقية نيابة عن حكوماتهم وزراء الداخلية ووزراء العدل أو من يمثلهم في الدول العربية.
وقد أمكن الوصول الى هذه الاتفاقية، التي تأتي في وقت نحن بأمس الحاجة فيه الى تدعيم وتطوير التعاون والتنسيق بين دولنا العربية من أجل مواجهة الجماعات الارهابية وأخطارها، بعد جهد مشترك مكثف قامت به لجنتان منبثقتان عن مجلسي وزراء الداخلية والعدل العرب، وكان آخر اجتماع لهاتين اللجنتين قد عقد في القاهرة خلال الفترة 10 12 /3/ 1998م، وكان من نتائجه وضع الصيغة النهائية لمشروع الاتفاقية في ضوء ما استجد من ملاحظات ومقترحات وردت من بعض الدول العربية.
وتهدف الاتفاقية المشتملة على 42 مادة الى تعزيز التعاون فيما بين بلداننا العربية لمكافحة الجرائم الإرهابية التي تهدد أمن الأمة العربية واستقرارها، وتشكل خطراً على مصالحها الحيوية، وهي تؤكد أيضاً الالتزام بالمبادئ الأخلاقية والدينية السامية ولا سيما أحكام الشريعة الاسلامية، وكذا بالتراث الانساني للأمة العربية التي تنبذ كل أشكال العنف والإرهاب، وتدعو الى حماية حقوق الانسان.
وتحدد الاتفاقية تعريفاً عربياً موحداً للإرهاب ينص على أنهكل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أيا كانت بواعثه أو أغراضه، يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف الى إلقاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بايذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر، او إلحاق الضرر بالبيئة او بأحد المرافق العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها، أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر .
وتميز الاتفاقية بين الارهاب وبين كفاح الشعوب المشروع، ولذلك فهي تؤكد على حق الشعوب في الكفاح ضد الاحتلال الأجنبي والعدوان بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح من أجل تحرير أراضيها، والحصول على حقها في تقرير مصيرها واستقلالها، وبما يحافظ على الوحدة الترابية لكل بلد عربي، وذلك كله وفقا لمقاصد ومبادئ ميثاق وقرارات الأمم المتحدة.
وبالاضافة الى ذلك، جاءت الاتفاقية لتوضح ان الجريمة الارهابية هيأي جريمة تركتب تنفيذاً لغرض إرهابي في أي من الدول المتعاقدة أو على رعاياها أو ممتلكاتها أو مصالحها، يعاقب عليها قانونها الداخلي ، في الوقت الذي لاتعد جريمة، حالات الكفاح بمختلف الوسائل، بما في ذلك الكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي من أجل التحرير وتقرير المصير، وفقاً لمبادئ القانون الدولي، ولا يعتبر من هذه الحالات كل عمل يمس بالوحدة الترابية لأي من الدول العربية .
وقد حددت الاتفاقية أسس التعاون العربي لمكافحة الإرهاب، وشملت في المجال الأمني سلسلة من التدابير لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية وكذلك جوانب التعاون العربي في هذا المجال.
وتتعهد الدول المتعاقدة في هذا النطاق بعدم تنظيم أو تمويل أوارتكاب الأعمال الإرهابية أو الاشتراك فيها بأي صورة من الصور، وقد رأى وفد دولة الامارات العربية انه اذا ثبت قيام احدى الدول بارتكاب ذلك، تلتزم الدول المتعاقدة بمقاطعتها.
وتنص الاتفاقية أيضاً على انه التزاماً من الدول المتعاقدة بمنع ومكافحة الجرائم الارهابية طبقاً للقوانين والاجراءات الداخلية لكل منها، فإنها تعمل على الحيلولة دون اتخاذ أراضيها مسرحاً لتخطيط أو تنظيم أو تنفيذ الجرائم الارهابية او الشروع أو الاشتراك فيها بأي شكل من الأشكال ، بما في ذلك العمل على منع تسلل العناصر الإرهابية إليها أوإقامتها على أراضيها فرادى أو جماعات أو استقبالها أو إيوائها أو تدريبها أو تسليحها او تمويلها أو تقديم أي تسهيلات لها وكذلك القبض على مرتكبي الجرائم الإرهابية ومحاكمتهم وفقاً للقانون الوطني أو تسليمهم وفقاً لأحكام هذه الاتفاقية، أو الاتفاقيات الثنائية بين الدولتين الطالبة والمطلوب اليها التسليم.
وفيما يتعلق بجوانب التعاون العربي لمنع ومكافحة الجرائم الإرهابية، فقد تضمنت الاتفاقية جملة من النقاط تتمثل أساساً في تبادل المعلومات حول أنشطة وجرائم الجماعات الإرهابية وقيادتها وعناصرها، والمساعدة في القبض على المتهمين بارتكاب الجرائم الإرهابية أو الشروع أو الاشتراك فيها سواء بالمساعدة أو الاتفاق أو التحريض.
واضافة إلى الجانب الأمني، فقد حددت الاتفاقية مجالات التعاون في الجانب القضائي, وفيما يتعلق بهذا الجانب، فإن الدول المتعاقدة تتعهد طبقاً للقواعد والشروط المنصوص عليها في الاتفاقية بتسليم المتهمين أو المحكوم عليهم في الجرائم الإرهابية إلى الدول الطالبة, كذلك تقدم كل دولة متعاقدة للدول الأخرى المساعدة الممكنة واللازمة للتحقيقات أو إجراءات المحاكمة المتعلقة بالجرائم الإرهابية, كما تضمنت الاتفاقية أحكاماً بشأن الإنابة القضائية حيث إن لكل دولة متعاقدة أن تطلب الى اي دولة أخرى متعاقدة القيام في اقليمها نيابةً عنها، بأي اجراء قضائي متعلق بدعوى ناشئة عن جريمة إرهابية.
واحتوت الاتفاقية على فصل خاص يتعلق باجراءات تسليم المتهمين أو المحكوم عليهم، وفي هذا المجال فإن تبادل طلبات التسليم يكون بين الجهات المختصة في الدول المتعاقدة مباشرة او عن طريق وزارات العدل بها، أوما يقوم مقامها، أو بالطريق الدبلوماسي, ولم تغفل الاتفاقية الاجراءات الخاصة بحماية الشهود والخبراء، وبتعهد الدول المتعاقدة الطالبة في هذا الخصوص، باتخاذ كافة الاجراءات اللازمة لكفالة حماية الشاهد أو الخبير من أي علانية تؤدي الى تعريضه أو أسرته أو أملاكه للخطر الناتج عن الإدلاء بشهادته أو بخبرته,وستودع وثائق التصديق على الاتفاقية أو قبولها أو إقرارها لدى الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وتسري أحكامها بعد مضي ثلاثين يوماً من تاريخ إيداع تلك الوثائق من قبل سبع دول عربية.
وبموجب الاتفاقية، فانه لا يجوز لأي دولة من الدول المتعاقدة أن تبدي أي تحفظٍ ينطوي صراحة أو ضمناً على مخالفة لنصوصها أو خروج عن أهدافها.
وقد تضمن قرار اعتماد الاتفاقية والتوقيع عليها، دعوة الدول المتعاقدة الى المسارعة في المصادقة عليها، وفقاً للأنظمة المرعية فيها، وذلك من باب الحرص على إدخالها حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن، لكونها أداة هامة من أدوات التعاون العربي في مجال مكافحة الارهاب، وهي تضاف بالتالي إلى مدونة قواعد السلوك لمكافحة الارهاب، والاستراتيجية العربية لمكافحة الارهاب، اللتين تم انجازهما في إطار مجلس وزراء الداخلية العرب, وبهذه الاتفاقية يمكن القول بأنه تم تعزيز الجهود الرامية الى محاصرة ظاهرة الإرهاب والحد من انتشارها، حفاظاً على أرواح الأبرياء رجالاً ونساء وأطفالاً، وصيانة لممتلكات ومكتسبات الأفراد والمجتمعات في الوطن العربي، ولتبقى سمعة الإسلام ناصعة بيضاء دون تسوية أو إساءة، فديننا الحنيف بريء من كل أعمال العنف والإرهاب والتخريب، حيث قال الله تعالى:,,, أنه من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً .
|
|
|
|
|