| محليــات
في مرحلتنا التاريخية الراهنة، ما هو المشترك الثقافي الأكثر تأثيرا في المنطقة العربية ومحيطها الإقليمي؟.
قد يتبادر إلى الذهن أن المشترك هو ما عانته هذه الأقطار من التأزمات السياسية داخليا نتيجة الصراعات بين الدول العظمى حول مناطق النفوذ عالميا، خاصة منطقة الشرق الأوسط بين الخمسينات والسبعينات,, مرحلة مازالت الدول العربية، من أقصى المغرب حتى دول الخليج وإيران، تعيش نتائجها تصدعا حضاريا وتذبذبا ثقافيا بين الانبهار والتنافر وصراع التيارات الأيديولوجية ومحصلة الضغوط السياسية والاستسلام لها، كانت الهوية الثقافية المحلية تحاول التشبث بنقطة تستقر عندها وتجد فيها معالمها الخاصة, وفي المحصلة النهائية كانت التبعية الثقافية هي الأقسى بين نتائج التبعية السياسية.
اليوم مازالت التبعية حضاريا وثقافيا هي السؤال المصيري, وكأنما لا يكفي أن أكثر من بلد عربي عايش عنف صراع الحروب الإقليمية والداخلية، وتصادم الانتماءات وتمزقاتها على مدى عقود متواصلة مما خلخل الأواصر الاجتماعية وهز أسس التوازن والتمسك بالقيم خاصة في الجيل الغض الذي لم ير حوله سوى الحروب والتصدع, يأتي الآن تأثير مضاعف يحمله تيار الإعلام اللامسؤول, الإعلامي التجاري الذي لا يمهمه سوى الربحية.
فترة إجازة العيد أتاحت لي أن أتابع برامج التلفزيون، خاصة الفضائيات, ولأنها فضائيات فهي معك سواء داخل الحدود أو خارجها,, فالمشهد مشترك حيثما كنت.
وبقدر ما هي البرامج الجادة والثقافة محصورة وضعيفة، محاولتي للبحث عنها عرضتني أن أطلع على ما يبدو أنه المرغوب فيه من المسلسلات المدبلجة وغيرها من البرامج المذاعة السائدة, ويهولني بعض ما تحتويه من الممارسات الفاضحة على شاشة يشاهدها الأطفال والمراهقون مثل البالغين، يتحول بمضي الوقت إلى مشاهد معتادة ومتقبلة, ولكن هذه المناظر في حد ذاتها ليست الأسوأ بل الأسوأ هي النتائج المتوقعة مستقبلا من حيث القيم الاجتماعية المفككة التي تقدمها هذه البرامج والمسلسلات وكأنها الوضع الطبيعي للتفاعل الأسري والاجتماعي كلهم يمارس الخيانة الزوجية والحمل والإنجاب خارج الشرعية, وتدوير العشاق بسهولة تغيير الموسيقى التصويرية, البطلة في كل المسلسلات أنثى طفلة,, تمثل الطهارة والنقاء وتمارس الحب والجنس بعفوية، بل إن المشاهد مستثار لأن يحزن لمعاناتها, وغريمتها الجهنمية الخبث والأفكار والتصرف أنثى أخرى بارعة الجمال والإثارة لاتتورع عن أي شيء يوصلها لأطماعها وتحقيق مخططاتها الخاصة،بما في ذلك التخطيط لقتل كل من يقف في طريقها وتفاصيل هذا الكل شيء مباحة للمشاهد في عقر بيته وأمام أطفاله, هذه الجرعات اليومية من العروض ليست أعمالا أدبية تدرس النفس الإنسانية كما هي مثلا في أدب دوماس وديستويفسكي وفولكنر، بل هي خلطة شديد التبهير لضمان الإثارة والمتابعة بصورة تقرب من الإدمان.
وتعلن قنوات أخرى التزامها ببرامج جدية فهل نجد فيما تدقمه ترفقا بالقيم وبناء لها؟ غدا ننظر لهذا الجانب.
|
|
|
|
|