| مقـالات
في زعمي أن الطفل مغيبٌ تماماً في واقعنا السعودي المعاصر, وإذا كانت بعض الدراسات تبين أن ثلث دخل الأسرة المتوسطة، على الاقل، ينفق على الأطفال في رسوم المدارس والملابس والألعاب والصحة، إلا أن البعد الثقافي مهمل للغاية, إذ إن هناك حمى تعتري أهالي الأطفال وهي يجب أن يحصل الأطفال على 100% من العلامات و110% إذا أمكن من باب زيادة الخير خيرين، على ألا تقل عن 95% وفي رواية 90%! ومن مضاعفات هذه الحمى أن قسماً من الأهالي يصر على تحمل تكاليف الدروس الخصوصية حتى ولو كان أطفالهم من النوابغ، لضمان سحر ال100%, واشتغلت المدارس الخاصة على هذه الحمى فكانت أفضل مدرسة هي التي تجعل الطالب لا يرفع رأسه عن الكتاب إلا إلى السرير، والتي تجعل من المنهج الدراسي امتحانات بينها دروس, وجاء ذلك كله على حساب مكتبة الفصل ومكتبة المدرسة والمسرح المدرسي وغيرها, وإذا تشطرت المدرسة أقامت نشاطاً مفتوحاً صباح يوم خميس ليلبس الآباء الترنك ويتراكض الأطفال وكأنهم في حراج ابن قاسم, وبعد ذلك تلطم الأمهات أمام بعضهن البعض ويشتكي الآباء لبعضهم البعض من أن أطفال هذا الزمان يتبطحون أمام التلفزيون وألعاب الكمبيوتر وتتورم أجسادهم من أكل المطاعم السريعة.
ولو كان نظام التعليم يملأ العين ولا يقوم على التلقين والترديد ويجعل العقل في اجازة ولا يهتم إلا بالقدرة على الحفظ من بين كل الملكات الفكرية, لقلنا والنعم للمدارس وما اكترثنا بثقافة أطفالنا وعقولهم.
ونظام التعليم تركة ثقيلة تنوء بكل أثقال الماضي وتغييره عملية طويلة ومعقدة ومكلفة، ،لكن لا خيار لنا إلا أن تكون الاستجابة امام التحدي وإلا جلسنا كالقواعد نبكي من خطر العولمة، وامتلاء الفضاء بموجات التلفزيون الفضائية واكتنازه بذبذبات الانترنت, وقريباً سيكون هناك تلفزيون دشه منه فيه وقريباً ستكون الانترنت أقرب إلينا من ماء البزبوز فأين المفر إن لم تتسلح العقول بأسلحة ذاتية تنبع منها وتحميها؟
وفي تقديري أن وزارة المعارف تعي هذا الامر وربما تضع في خططها التطوير الشامل وأرجو ألا يكون هذا مرتبطاً بأشخاص وأن يكون جزءاً من استراتيجية قومية (لا علاقة لهذه الكلمة بالقومية العربية) تتبناها الدولة, ومع مطلع هذا الأسبوع أقامت وزارة المعارف معرض الطفل الثقافي الأول، وهو عبارة عن معرض للكتاب وندوة حول ثقافة الطفل، وشاركت وزارة الإعلام بندوة منفصلة حول كتاب الطفل، لا مسرحيات ولا افلام ولا ورشات عمل للأطفال، نعم أول الغيث قطرة، والعنوان يحوي دلالتين مهمتين الأولى الاستمرارية فسيكون هناك ثان وثالث ورابع، والثانية ان الهدف الثقافة بمجملها وليس الكتاب فقط, وأنا أخشى أن تصيب هذا الأمر أمراض العالم الثالث: فيبقى العنوان أكبر من الموضوع ويكون الشعار أغنى من الفعل والثاني ان تقتصر المسألة على ايام معدودة من العام مثل أسبوع المرور وأسبوع الشجرة ينتهي بتقرير ختامي إلى أولي الأمر بأن كله تمام, هناك يا سادة مسرح الطفل، وسينما، ومعامل، وأفلام تحريك، وأقراص مدمجة، وبرامج كمبيوتر، ورياضة بدنية وعقلية, وأرجو ألا يحوي أي مهرجان الطفل أي شيء يقوم على الحفظ والتلقين.
ما يزعجني ويفزعني أن معظم الأعمال الموجهة للطفل بالعربية تنطلق من مبدأ الوصاية وتتوسل أساليب المباشرة والوعظ والنصح, وفيها استهانة بعقل الطفل ومداركه وننسى أن أطفال هذا الزمن ليسوا أطفال البربر والكعوبة والمصاقيل وعظيم سرا ولكنهم أطفال الفيديو والكمبيوتر والتلفزيون, كان الطفل في زماننا وهو في الثامنة أو العاشرة من عمره يقف مدهوشا أمام لعبة تصدر صوتا مبهما أو سيارة تتحرك بالبطارية, طفل هذا الزمن يدهش والديه بألعاب الكمبيوتر ومقدرته على التعامل مع الكمبيوتر وشطارته في الملاحة عبر محيطات الانترنت, ومع ذلك نعتقد في دواخلنا انه إذا كتب أحدهم قصة تماثل أم عروج أو أم العنزين فإنها تخب عليهم, ومن يتوجه إلى الكتابة للطفل يتسلح بأحسن الأحوال بالنوايا الحسنة، دون إلمام بالشروط الفنية والنفسية للكتابة للطفل, وهذا ينطبق على معظم الأعمال التي تخاطب الطفل مكتوبة أو منطوقة أو إليكترونية.
احدى قنوات الأطفال العالمية تقدم برنامجا أسبوعيا اسمه محكمة العلوم تارة يحاكمون الجاذبية وأخرى يحاكمون الأكسجين وهلم جرا, وهو برنامج ممتع مبهر مفيد, إذ انه لا يقتصر على تقديم المادة العلمية بصيغة فذة تلغي جفافها وتجعل من المعرفة عملية جذابة تتعاون فيها دهشة الطفولة مع الخيال الخصب، بل تعلم الأطفال أدب الحوار وفن المناظرة تتعدى ذلك إلى تبيان قوة العقل وأن هناك قدرات غير الحفظ بل هناك الاستنتاج والاستنباط والمنطق العلمي, كل هذا من غير كلمة مثل شايفين يا شطار كيف الجاذبية تخلينا ما نطير أو سكر نيعك وكل لي مثل ما كلتلك .
Fahads@suhuf.net.sa
|
|
|
|
|