| مقـالات
تقرأ لأمين الريحاني فتغيب في جمال لغته، وقوة أسلوبه، وعمق طرحه، وبعد رؤياه، وأصالته العربية.
فعلى الرغم من ظروف نشأته بعيداً عن قريته الفريكة في لبنان واندماجه في حياة جديدة في المهجر حيث العالم الجديد بكل ما يحويه من سعة الرزق والفرص، إلا أنه ظل وهو يحمل السحنة العربية الأصيلة وفياً للغته الأم التي أتقنها أكثر من أولئك القاطنين في البلاد العربية، تهفو به أشواقه إلى قريته (الفريكة) التي كانت تمثل عالمه الصغير، والى وطنه الأكبر العربي الذي كان يحمل له من الحب ما جعله يؤمل في عودة تاريخه العريق، حيث سادت حضارته العالم في يوم من الأيام.
لا أخفي إعجابي بكل ما كتبه الريحاني، وفي كل مرة أقرأ له أجد نفسي وكأنني أقرأ له للمرة الأولى، وأجد نفسي امام أديب أراد أن يكون له سمت مختلف، وأمام مؤرخ أراد لنفسه أن يكون غير المؤرخين.
وبما أنني قد أكون طارئة على الأدب فإنني أترك هذا المجال لأهله وهم كثر، أفردوا دراسات عن أسلوبه وأدبه، من بينهم الأستاذ الدكتور منصور بن إبراهيم الحازمي الذي كتب دراسة عنه بعنوان (بلادنا في عيون الرحالة العرب) تطرق فيها لأسلوب الريحاني ومما قاله: للريحاني قدرة خارقة على استبطان الشخصيات، وتمثل أقوالها وأفعالها، وملاحظة ما تكرره من ألفاظ أو عبارات، ثم تجسيدها أمامنا بكل ما حولها من مناظر ومؤثرات، وكأننا أمام مسرح صغير).
ويضيف الحازمي: إن مثل هذا التصوير الدرامي الذي يعتمد على الحركة والفعل ومسرحية الصور والمشاهد، هو تصوير نادر في الرحلات العربية، ويكاد الريحاني ينفرد بهذه الموهبة المتميزة .
إذاً فإحدى مواهب الريحاني هي التصوير الدرامي، وهو ما أعطى كتابته نكهة مختلفة، هي نكهة محببة تجعلك متى ما شعرت بها تتوق إلى المزيد منها، تنقلك الى عالم الحدث وتشعر بذاتك حاضراً في ذاك الحدث، وهذه موهبة أخرى للريحاني.
أما الأستاذ الدكتور عبدالله الغذامي فبحسه الأدبي المرهف قدم الريحاني بشاعرية الشاعر ووعي الناقد، ومما قاله عنه: أنه أول من أبدع نصوصاً شعرية في (الشعر المنثور) وألقى نصوصاً منه في العراق عام 1905م ، وعدا كونه مؤرخاً أو راوية فهو: ذواقة ومبدع وذو ثقافة تعي ما ترى وتحاكم المنظور وتفحصه فحصاً إبداعياً ومقارناً .
وما كتب عن الريحاني الأديب كثير جداً يمكن لمن أراد الوقوف على بعض تلك الكتابات العودة الى كتاب البرت الريحاني (أين تجد أمين الريحاني) الذي نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 1981م.
أما الريحاني المؤرخ، فإن من الصعب تقديمه في عجالة كهذه، ولكن يمكننا القول إنه أراد أن يشارك في الحدث، بل أن يصوغه وفق ما يأمله، لذلك فهو لا يكتفي بمجرد تسجيل الحدث، بل يسعى الى أن يكون له دور فيه بكل قوة، وهذا ما نلحظه بوضوح في كتابيه ملوك العرب، ونجد وملحقاته.
كما أنه كانت له قدرة عجيبة على التقاط كل ما يدور حوله بشكل دقيق، ولا تقف الأمور عند هذا الحد، بل إن له القدرة على الفهم السريع لما يدور حوله من مؤثرات تدخل في أطر العادات والتقاليد واللهجة، لذلك فإننا لا نعجب من قدرته البارعة في رصد جزء من تاريخ شبه الجزيرة العربية.
|
|
|
|
|