| الثقافية
اسئلة كثيرة تكتنف عالم الكتابة بوصفه طورا مختلفا من اطوار النفس الإنسانية، وحالة تتلبس اولئك الذين يدعونهم المبدعين، هذه الاسئلة لا تعترض المتلقين او العامة فحسب، بل انها تجابه المبدع ذاته في كثير من الأحيان وهو المعني الاول بطرحها والتحاور حولها مع نفسه اولاً ثم مع جوقة المبدعين والمهتمين ثانيا.
وقد تحدث القدماء والمحدثون عن هذه الأسئلة او عن بعض منها بأساليب مختلفة واصطلاحات متباينة، فكتب النقاد العرب القدماء كتبا في ذلك لعل من اشهرها ادب الكاتب لابن قتيبة، الذي صنفه على ابواب في المعرفة وتقويم اليد واللسان، وكتاب ابن رشيق القيرواني العمدة، في محاسن الشعر وآدابه ونقده وموضوعه طافح من عنوانه، وألف ضياء الدين ابن الاثير كتابا ضخما اسماه المثل السائر، في ادب الكاتب والشاعر وهي كتب تعنى بأدوات الكتابة وفنونها وأحوالها الفنية والمادية، ثم تحدث الكتّاب في العصر الحديث وخصوصا في اوربا عن هذه الاسئلة بشيء من البسط والتقصي وضرب الامثلة وحكاية التجارب الذاتية للمبدعين الكبار، ومن اشهر تلك المعالجات كتاب الدرجة الصفر للكتابة للفرنسي الشهير رولان بارت.
ولعل من اطرف الاسئلة التي تدور حول عملية الابداع سؤال عن امكانية افصاء الكاتب! أي عدم قدرته على الابداع في لحظة من اللحظات, هل من الممكن ان يحاول الكاتب نفسه كتابة نص او قطعة ما ثم لا يستطيع؟!
والافصاء مصطلح عربي قديم، من قولهم: أفصت الدجاجة اذا انقطع بيضها، فهم يقولون للكاتب عند احتباس بيانه أفصى ويقولون أجبل كالذي يحفر بئرا ثم انتهى به الحفر الى جبل منعه من الاستقصاء في طلب الماء، وتعبيرات أخرى كثيرة ليس هذا موطن طردها، وبالنظر في احوال المبدعين نجد ان حالة الافصاء هذه قد حلت بساحة اكثرهم، وهاهو جدنا الفرزدق يقول فيما اشتهر عنه تمر علي الساعة وقلع ضرس من اضراسي اهون علي من عمل بيت شعر !! ولهذا فقد ابتدع المبدعون طقوسا متباينة لشحذ القريحة واستدعاء الحالة الإبداعية، فصاحب عزة يجيب اذ سئل: كيف تصنع اذا عسر عليك الشعر؟ بقوله اطوف في الرباع المحيلة الخضراء والرياض المعشبة فيسهل عليّ أرصنه ويسرع الى احسنه، وفي عصرنا يحكي العقاد في كتابه انا عن نفسه فأكثر ما اكتب وانا مضطجع في الفراش!,,, واما في الشعر فيغلب ان انظمه وانا اتمشي في الخلاء ، والروائي الاشهر آرنست همنجواي كان يكتب واقفاً ،ومثله زميله النوبلي جونتر غراس بينما كتب مارسيل بروست اجمل نثره في السرير!,, والحديث في احوال الكتابة وطرائق الكتاب في مراودة الالهام يطول، واكثر هذه العادات محض هراء.
علي زعلة
|
|
|
|
|