| مقـالات
وللديوان نسخ مخطوطة كثيرة قد حاول الأستاذ عبد الخالق الجنبي استقصاء ذكرها فعد منها اثنتين وخمسين نسخة بين ديوان كامل ومختارات شعرية من الديوان.
وقد فصل الحديث في وصف مخطوطة المكتبة الرضوية في(مشهد) ونشر ذالك (1) ويحسن استعراض ماجاء في وصفه.
وقد تصدَّى لِدراسة شعر ابن المقرب من جوانب مختلفة عدد من الباحثين منهم الدكتور علي بن عبدالله الخضيري بتأليف رسالة عن هذا الشاعر تقدم بها لنيل درجة (الدكتوراه) لكلية اللغة العربية في (جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية) وأشرف على الرسالة الدكتور عبدالعزيز أبوصالح، فنال بها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف، ونشر دراسته هذه سنة 1401ه (1981م) ثم أعاد نشرها سنة 1412ه (1992م).
وطبع الديوان عدة طبعات لعل أجودها وأوفاها هي التي قام بتحقيقها وشرحها الأستاذ الدكتور عبدالفتاح محمد الحلو، وتولى النشر (مكتبة التعاون الثقافي لصاحبها عبدالله بن عبد الرحمن الملا في الأحساء) وصدرت عن (شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي في مصر) سنة 1383ه، وقد صدرها المحقق بمقدمة ضافية عن عصر ابن المقرب، الذي حدد ولادته بسنة 582ه في الأحساء، ووفاته بسنة (631ه) وبإيراد ترجمته من مختلف المصادر، وبأنه اعتمد في نشر هذا الديوان على عدد من النسخ الخطية وصفها، فذكر من أوفاها مخطوطة في (دار الكتب المصرية) مخطوطة، أكملها وأوفاها مخطوطة في جمادى الآخرة سنة 1286ه، ومحفوظة تحت رقم (522 أدب)، ولهذا حوت هذه المطبوعة نحو خمسة آلاف ومائة وثمانين بيتاً، اي بزيادة تقرب من مائة وأربعين بيتاً، زيادة على ما في المخطوطة الرضوية.
والواقع أن في المخطوطة مباحث تاريخية مفيدة تتعلق بتاريخ المنطقة التي عاش فيها الشاعر جديرة بالدراسة التي عَبَّر بعض الأخوة في (القطيف) عن القيام بها.
ومما تنبغي الإشارة إليه أنه قد يوجد للديوان شروح في مخطوطات أخرى، لم يتم التعرف على أمكنة وجودها، فقد سبق أن قدم لي الدكتور عبدالفتاح الحلو قطعة من أحد تلك الشروح، لبعض أبيات القصيدة الميمية التي مطلعها:
قُم فَاسقِنيها قَبلَ صَوتِ الحَمام كَرمِيَّهً تَجمَعُ شَملَ الكِرَام |
رأيت فيها معلومات عن إمارة بني الزجاج لم أرها فيما أطلعت عليه من نسخ الديوان المعروفة، فرأيت إتماماً للبحث إتحاف القراء بما كتبته عنها، ولا أستبعد أن من تلك الشروح ماكان عصره يرقى إلى عصر الشاعر، وكان لبعضها رواج، بحيث نقل ابن لعبون (2) مقتطفات كثيرة من شرح ديوان ذالك الشاعر، ومنها ما يتعلق بإمارة بني الزجاج وابن عياش الذي انتزع الإمارة منه، ثم انتزعها العيونيون.
أما تحديد زمن قيام إمارة بني الزجاج في جزيرة (أوال) ففي رسالته إلى ديوان الخلافة مايشير إليه.
1 فقد ذكر في الرسالة أنه مضى لقيام دولة القرامطة 171 سنة، ومعروف أنهم قاموا سنة 276+171=447.
2 ذكر في الرسالة أن حكم القرامطة لجزيرة (أوال) أمتد 140 سنة، فكان خروج الجزيرة من حكمهم كان قبل سنة 447 (276=140=416).
3 ورد في أول البحث الإشارة إلى الخطبة للمستنصر بالله العبيدي وهذا تولى الحكم سنة 427 إلى سنة 478.
4 ومعروف أن الخليفة القائم بأمر الله تولى الخلافة فيما بين سنتي (422/467).
إمارة بني الزجاج:
جاء في شرح ديوان ابن مقرب : حديث ملك ابي البهلول جزيرة (أوال) وأبو البهلول اسمه العوام بن محمد بن يوسف الزجاج، من عبدالقيس، وكان ضامناً لخراج (أوال) من والي القرامطة، وكان له أخ يقال له مسلم يكني بأبي الوليد، وكان خطيب (أوال) وهو من أهل الدين والمتظاهرين بالسنن أنهم بذلوا للقرامطة على يد جعفر بن ابي محمد بن عرهم وهو الناظر يومئذ بجزيرة (أوال) للقرامطة ثلاثة آلاف دينار على تمكينهم أن يبنوا جامعاً ليجتمع إليه العجم والمسافرون إليهم، فإنهم نافرون من خلو البلد من جامع تصلى فيه الجمعة، وهم خائفون من انقطاعهم لذالك عنهم بالجملة، وذكر أن هذا مما يجلب العجم إلى جزيرتهم، ويضاعف لهم الفائدة في معاملتهم ومبايعتهم، وكتب ابن عرهم إلى القرامطة (3) لذالك، واستأذنهم فيما قالوا، فأجابوه بأن يأخذ منهم مابذلوه، ويفسح لهم فيما التمسوه، فأعطوه ما ضمنوا له، وتشاغلوا ببناء الجامع الذي ذكروا، فلما تم بناؤه صعد أبو الوليد علي بن الزجاج المنبر وخطب للخليفة القائم بأمر الله، وصلى الجمعة فقال من يهوى القرامطة: هذه بدعة قد أحدثها بنو الزجاج، بالحيلة والخداع، ويجب أن يمنعوا من الخطبة ولايمكنوا من صلاة الجماعة، فلما خوطبوا عن ذالك قالوا: مابذلنا ولا سلمنا أموالنا إلا لهذا الأمر، ولأجل هذا الدين قصداً ولاستجلاب العجم إلينا، وإرغابهم في معاملتنا فإن كرهتموه فردوا علينا ما أخذتموه، ونحن نمسك عما قصدناه، وإن نقصت به معاملتنا ونقصت به فائدتنا فكتبوا إلى القرامطة بالحال، فأجابوا بأن لايعترضوا في مذهبهم، ولايمتعوا عن خطبتهم، فجروا على سنتهم، وصار لهم بما فعلوه السوق الكبيرة والفائدة الكثيرة، لأن أكثر تلك النواحي إلى ذالك مائلون، وبه متدينون، واتفق أن أعترض المخالفون لهذا المذهب أبا الوليد بن الزجاج، ومنعوه الخطبة وقالوا له: الذي كنت تخطب له قد بطل، وصارت خطبة العراق للمستنصر بالله، صاحب مصر، ويجب ان تكون الخطبة له دون من بطل حكمه، فامتنع عن ذالك وأنفذ أبو البهلول إلى القرامطة هدية قرنها بالمسألة لهم في إجرائهم على رسمهم من غير تغيير لعادتهم، فرجع الجواب بأن لا يغير لأبي البهلول رسم، ولايفسخ له شرط وليخطب أخوه لمن شاء وأحب,وكان ابي عرهم معينا لهم، وكتبه ماضية إلى القرامطة بما يحسن فعلهم، ويبلغهم أملهم، ومضت على ذالك مديدة (4) وأبوالبهلول يزيد أمره وينمو ويقوى ويعلو، وكتب القرامطة إلى ابن عرهم بتقسيط (5) يضعه على أهل البلد، ويحمله إليهم، فلحسن سيرته فيهم، ولجميل طريقته معهم استدعى ابن عرهم بالبهلول ومن يجري مجراه، واطلعهم على ماورد عليه ووافقتهم على النفور عنه، وإذا خاطبهم بالتقسيط المتقدم، يمتنع جانبهم منه حتى يجعل ذالك سبباً يعتذر به إلى القرامطة ففعلوا, وكتب إلى القرامطة باضطراب القوم عليه، وانه لم يمكنه مخاشنتهم، فكف عنهم وقال: والأمر إليكم في ذالك فغاظهم فعلهم وفعله, فانفذوا بمن عزله، وتولىعليهم بدله وأمروه بالقبض على من له مال، ومصادرتهم على ما اقدموا عليه من عصيانهم واستعملوا من أشناعهم فجمع أبو البهلول أهله وعشيرته وأقاربه ومن وثق به وأنس إليه من متقدمي البلد وعرفهم ماورد في معناهم، فلما عرفوا ذالك خافوا فعاهدهم على أن يسمعوا له ويطيعوا، وقال لهم: لا يتم لنا الأمر إلا بأبي القاسم بن أبي العريان، فأدخلوه فيما فعلتموه، وكان ابن أبي العريان متقدماً في (أوال) ومن ذوي العشائر والأصحاب، فقالوا له: أفعل ماترى، فقد رددنا أمرنا إليك، فقام بهم إليه وحكى له مثل ما حكى لهم، وقال: هؤلاء القوم قد حضروا وسمعوا لي وأطاعوا، وأنا لا أصلح لذالك، إلا أن تدخل فيه معي، وتكون يدي ويدك فإن فعلت تعاضدنا وتساعدنا وحمينا أنفسنا وأموالنا، هذا وقد صمموا على أن لايطيعوا القرامطة إلا بعد إعادة ابن عرهم، وان يحفظوا أنفسهم من الناظر مكانه، فحالفهم ابن ابي العريان على ذالك، وأخذ هو وأبي البهلول في استدعاء متقدمي الضياع والسواد، واظهارهم على مافعلاه، وادخالهم فيما اعتزما عليه، فما منهم مخالف لهما ولاممتنع عليهما إيثاراً لعودة ابن عرهم (,,,,,,,,,) (6) ممن يتولى مكانه وقال لهم: الخراج موقوف على أربابه وغير مأخوذ فإن رجع ابن عرهم سُلِّم إليه، وإلا فليفر (7) كل منكم بما عليه، وكان أكبر الأسباب في اتساق الأمر، وحصل معهما نحو ثلاثين ألف رجل، وعلم الوالي الجديد فاهتم من ذالك، فجمع إليه من يتعلق به، واعتزم على ان يقبض علىابن أبي العريان، وعلى أبي البهلول بغتة، فعاجلاه بالرجال، وراجعاه للقتال، فهرب إلى الشدات وانصرف عنهما، بعد ان قتل من أصحابه عدة رجال، وكتبا إلى القرامطة، فإننا لانعود إلى الطاعة، ولا نرجع عن المخالفة إلاَّ بعد رد ابن عرهم إلينا، ويكون نظره علينا، فورد الجواب إليهما بالصعب الأشد، وبأن لا سبيل لابن عرهم إلى العودة، وأن العساكر تجيئهم وتتحكم فيهم، فأنفذ أبوعبدالله بن سنبر وزير القرامطة بعض أولاده إلى (عُمَان) لحمل مال وسلاح من عمان، فعرف أبو البهلول وابن أبي العريان ذالك، فكمنا له في عودة من (عُمَان) وقتلاه، وقتلا معه اربعين رجلاً معه صبراً بين أيديهما، وأخذا ما صحبه، وكان خمسة آلاف دينار وثلاثة آلاف رمح، ففرقاها في رجالهما، وبلغ الخبر ابن سنبر بما جرى فعدل إلى مكاتبة ابن أبي العريان سرًّا،وبذل له البذل الجزيل ووعده الوعد الجميل، وأن يوليه الجزيرة، ويمكنه منها فمال ابن ابي العريان إلى ذالك، وأجاب بالسمع والطاعة والانحياز عن الجماعة، وأشار بإنفاذ عسكر في البحر إلى الجزيرة، فإذا قرب منها العسكر وثب هو على أبي البهلول فقتله وقال لأصحابه وعشيرته/ هذا الذي نحن فيه، أمر لا يتم، ومالنا بالقرامطة قدرة ولا في إزالة ملكهم حيلة، ونحب ان ندبر أمرنا بغير مادبرناه، ونعجل تلافي مافرطنا فيه، فقالوا له: الأمر لك، ونحن معك، واتفق مع قومه على فسخ ما استمر، ونقض ما استقر، وعرف أبو البهلول الحال فانزعج من ذالك، ثم جمع أهله وأقاربهم فاطلعهم على ذالك الأمر، وقال لهم: ما لنا قدرة بابن أبي العريان إلا بوجه لطيف، لأنه أقوى منا جانباً وأكثر رجالاً وهو وإن ترصدوا منه فرصة تنتهزونها في قتله، وإلا فهو أكلنا ومتقرب بنا، وقرر أبو البهلول مع ابن عم أبي العريان أبن عم أبي القاسم قتل ابن أبي العريان، وتفرقوا على ذالك، ثم إن أبا العريان مضى في بعض الليالي إلى عين تسمى (بوزيدان) (8) يغتسل فيها ومعه غلام له، فقصداه ومعه ابن عمه فقتلاه، وقتلا غلامه وقت عتمة، وتأخر ابن أبي العريان عن أهله وأصحابه، فانثنوا في طلبه، فوجدوه مقتولا فجاؤا إلى أبي البهلول فاتهموه بقتله، وطالبوه بدمه، فحلف لهم أربعين يمينا أنه ما قتله، وارضى وجوههم بما كان له من الماكل فاغمضوا عنه ورضوا.
وجاء أبوعبدالله بن سنبر بنفسه على ما استقر بينه وبين ابن أبي العريان في مائة وثمانين شدة، بها من عامر ربيعة خلق كثير، وجمع أبو البهلول الشدات الذي له، ونزل على حاله فلما التقى الفريقان وكانت شدات أبو البهلول مائة قطعة، قد شحنها بالرجال، وكان عند نزوله إلى الشدات قد وقع عن الفرس، فانكسر ساقه، واجتهد به اخوه أن يرجع فلم يفعل، وتقدم وأمر برفع الأعلام وضرب الدبادب والبوقات، فاتفق من اتفاق السوء لابن سنبر ان حط معه في الشدات خمسمائة فرس، أكثرها لعامر ربيعة تصوراً منه دخول البلد من غير حرب، ولم يشعر بما حدث لابن أبي العريان وتجدد، فلما سمعت الخيل ضرب الدبادب والبوقات، ورأت المطارد والعلامات، وهي خيل بدوية نفرت فغرقت بعض الشدات ووقع العرب في البحر، وهرب ابن سنبر إلى الساحل واستولى أبو البهلول على بقية الشدات، وأخذ منهم نحواً من مائتي فرس وشيئاً كثيراً من السلاح واستأمن إليه من كان فيها من أهل السواد وحلفوا أن ابن سنبر (9) أخذهم قهراً لا إيثاراً، وقسراً لا اختياراً، وظفر بأربعين رجلاً من اصحاب القرامطة فقتلهم، وعاد وقد ثبتت قدمه، وقوي أمره، وتم غرضه، وحسنت حالته، فرد الى اخيه ابي الوليد وزارته.
وكتب الى ابن ابي منصور يوسف صاحب ديوان الخلافة (10) كتابا مفصلا سيأتي نصه في الحلقة القادمة.
(للحديث تتمة)
|
|
|
|
|