| الاقتصادية
يلاحظ المتابع للتغيرات الاقتصادية والاجتماعية التي مر ويمر بها المجتمع خلال السنوات الأخيرة التوسع في الانفاق الاستهلاكي على السلع والخدمات الكمالية بشكل كبير ربما اضر بأوضاع كثير من الاسر وتسبب في العديد من المشاكل, فالشخص العادي يلمس أن هناك تزايداً مستمراً في انفاقه ليس بسبب زيادة عدد افراد الاسرة ولا بسبب الارتفاع في الاسعار, ولو راجع الشخص خريطة استهلاكه لوجد ان هناك سلعا لم تكن داخل دائرة استهلاكه اصبحت تحتل مساحة لا بأس بها وأن هناك سلعا أخرى لم تكن تحتل سوى مساحة ضئيلة اصبحت تحتل حيزاً كبيراً ولو راجع المرء تصنيف هذه السلع لوجدها في معظمها سلعاً كمالية على اختلاف أنواعها.
وفي جانب آخر تكاد نزعة التوسع في الانفاق الاستهلاكي على السلع والخدمات الكمالية تكون متركزة لدى اصحاب الدخول المتوسطة بشكل رئيسي.
ولهذه الظاهرة العديد من الاسباب منها على سبيل المثال زيادة الدخول بشكل عام والرغبة في محاكاة الانماط الاستهلاكية الموجودة لدى بعض الفئات سواء داخل المجتمع او خارجه، وإرتفاع مستوى التعليم والثقافة والاحتكاك بالثقافات والمجتمعات الأخرى إما بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الاعلام وبخاصة القنوات الفضائية, ومن العوامل المهمة المساعدة على تفشي هذه المشكلة غزو المجتمع بسلع وخدمات لم يكن يعرفها سابقا ولا يحتاجها حاليا ونجاح المنتجين في ايجاد طلب عليها لدى المستهلكين, والارتقاء بمستوى المعيشة وان كان مطلوبا إلا ان ذلك لا ينبغي ان يكون على حساب انخفاضه مستقبلا, فالحاصل الآن أنه بدلا من الادخار حاليا والاستثمار وتوفير مصادر دخل تعمل على رفع مستوى المعيشة في المستقبل او الحفاظ على مستوى المعيشة الحالي من الانخفاض يلجأ البعض إلى الاقتراض إما من الأقارب والأصدقاء أو من البنوك التي ما تفتأ تتفنن في تقديم القروض والتسهيلات المغرية أو يلجأ إلى الشراء بالتقسيط أو إلى التوسع في استخدام بطاقات الائتمان وخاصة لمن بحوزته اكثر من واحدة، كل ذلك لتمويل الانفاق على السلع والخدمات الكمالية ولسد العجز في الميزانية الشخصية الناشىء عن التوسع في هذا البند وكل ذلك سيقتطع من الدخل المتوقع في المستقبل.
وربما اصبح الاقتراض لبعض الاسر مصدراً تمويليا دائما يغطي مساحة لابأس بها من النفقات الشهرية, ولا يستبعد ان يوجد من يقترض قروضا جديدة لتسديد اقساط القروض القديمة وبالذات حينما تتعدد الاقساط المطلوبة بدفعها شهريا.
إن مستوى معيشة مرتفع تصنعه القروض والاقساط لا يتوقع استمراره طويلا وسينهار مخلفا وراءه العديد من المشاكل الشخصية والأسرية علاوة على ان الآثار السلبية للتوسع في الانفاق على السلع والخدمات الكمالية لا تقتصر على الفرد والاسرة بل إنها تمتد لتؤثر سلبا على المجتمع ككل الذي هو بحاجة الى مدخرات واستثمارات جديدة تعمل على ايجاد فرص عمل جديدة ومصادر دخل اصيلة للافراد تساعد على الارتقاء حقيقة بمستويات المعيشة حاليا ومستقبلا.
وحل هذه المشكلة متعدد الجوانب لكنه يبدأ من مراجعة الاسرة لخريطة انفاقها وميزانيتها الشهرية وترتيب اولوياتها الانفاقية ومن ثم استبعاد ما حقه الاستبعاد وتقليص الانفاق على الجوانب الكمالية إلى الحد المعقول، حتى وإن كان دخل الاسرة يسمح بزيادة الانفاق,
لأن الترف والبذخ والافراط في الكماليات امر مذموم في جميع الاحوال شرعا وعقلا واقتصادا وقد عده ابن خلدون أحد أسباب انهيار الأمم والمجتمعات,يضاف إلى ذلك توعية الافراد والأسر بالآثار السيئة للتوسع والمبالغة في الانفاق الاستهلاكي وايجاد قنوات ومنتجات استثمارية تناسب الشرائح السكانية المختلفة تعمل على اجتذاب الفوائض المالية الموجودة لدى الأفراد.
* قسم الاقتصاد والعلوم الإدارية جامعة الإمام محمد بن سعود
|
|
|
|
|