| مقـالات
على هذه الأرض الطيبة شدا في القديم عدد لا يحصى من شعراء العربية من أمثال حسان بن ثابت وعمر بن أبي ربيعة والعرجي وكثيّر عزة وجميل بثينة وقيس بن ذريح أو مجنون لبنى والأحوص الأنصاري وغيرهم.
وفي العصر الحديث حنَّ الشعر الى مرابعه فشدا منذ الخمسينيات الهجرية كوكبة من الشعراء ولست هنا في مقام وضع كشاف إحصائي لهؤلاء الأعلام ولكني لا أملك أن أمنع نفسي أن أقول إن أعظمهم شاعرية وأروعهم ديباجة وأكثرهم ابتكارا هو الشاعر حمزة شحاتة.
وقد نظم شاعرنا حمزة شحاتة الشعر بنوعيه المقفى الموزون والمرسل متناولا أغراضا شتى من الوجدانيات والشخصيات والأمور الوطنية والهجاء.
هل أقول الهجاء؟
نعم الهجاء، وكان ينبغي أن أذكره في البداية ولكن لعلمي أن بعض القراء لايحبذون هذا اللون من الشعر, وانني أذهب الى أن الهجاء فن راق من فنون الشعر بشرط ألا يكون فاحشا أو بذيئاً, وقد هجا الأستاذ حمزة شحاتة خصمه اللدود محمد حسن عواد في أبيات كان الناس في البداية يتحرجون من روايتها ولكن سعة الأفق في النهاية قد انتصرت, وتم جمع هذه الأحاجي كاملة في ديوانه الذي نشرته تهامة، وقام بجمعه الأستاذ محمد علي مغربي، وقدمه الأستاذ عزيز ضياء, يقول الأستاذ عزيز ضياء عن الديوان: هذه المجموعة من الشعر الذي قدّر له أخيراً أن يظهر ديوانا كان بالنسبة لي شخصيا مفاجأة، إذ كان ما رسخه الشاعر عندي وعند فريق من أصدقائه الشعراء أنه لا يحتفظ بشيء مما يكتب من شعره, يمزقه أو يتناساه فيما يتناسى من مهملات ملفاته وأوراقه, ولقد عكفت على قراءة معظم قصائد المجموعة متوخيا ان ألمس تطور حركة الإبداع عنده وإذ وجدت المجموعة ضخمة نسبيا قدرت أنني سأجد شواهد هذا التطور، حيث إني لم يسبق أن قرأت هذا الشعر ولكن لست أدري إن كانت نظرتي الى مفهوم التطور في الابداع أم توقف حركة التطور في شعر حمزة شحاتة هي التي جعلتني أقول بعد كل قصيدة قرأتها إن أوائل ما أبدع من شعره في مكة وجدة وربما بعد ذلك بقليل في مصر يظل هو الذي بنى هذه الشهرة .
وأشهر قصائد حمزة شحاتة هي التي وردت في مطلع ديوانه سطوة الحسن وانتشرت بين شداة الأدب محفوظة في السبعينات والثمانينات الهجرية وتبدأ القصيدة بهذه الأبيات:
بعد صفو الهوى وطول الوفاق عز,, حتى السلام عند التلاقي يا معافي من داء قلبي وحزني وسليما من حرقتي واشتياقي |
ويقول فيها:
وتهيأت للسلام ولم تف(م) عل فأغريت بي فضول رفاقي |
وهذا البيت ورد خطأ في الديوان فقد اسقط جامع الديوان كلمة (بي) وهي ضرورية للوزن والمعنى ثم يقول:
هبك أهملت واجبي صلفا منك فما ذنب واجب الأخلاق |
ثم يتكلم عن سطوة الحسن وتتردد كلمات فلسفة القوة من سطوة وغيرها بكثرة في شعر حمزة شحاتة فهو من الفلاسفة الذين يمجدون القوة من أمثال نيتشة والمتنبي وغيرهما يقول:
سطوة الحسن حللت لك ماكا ن حراما فافتن في إرهاقي أنت حر,, والحر لايعرف القيد فصادر حريتي وانطلاقي |
ومن أجود شعره قصيدته معاناة ويتحدث فيها عن القلب الذي يصبح وقد اسف على فراق زمن الشباب والتي مطلعها:
يا قلب غرّك من ماضيك رونقه وأن حظك فيه كان مؤتلقا |
على أن من أهم قصائد حمزة شحاتة ما قاله في المعركة بينه وبين الأستاذ محمد حسن عواد, وقد كان الرجلان في البداية صديقين، ثم عرض بينهما ما يكون بين الأنداد من تنافس وغيرة.
ويقيني ان كل واحد منهما كان يجهل قدر نفسه؛ فالعواد بالتأكيد دون حمزة شحاتة في الشاعرية، وحمزة شحاتة أقل قدرة من العواد في ميدان النثر, وقد تنافس الرجلان في ميدان الشعر وكان بينهما مهاجاة في البداية ما لبثت أن نشرت في الصحف, ثم كان المنع من النشر للإسفاف الذي وقع فيه الشاعران, فاتخذ العواد لنفسه لقب البحر وسمى حمزة شحاتة نفسه الليل واستمر التهاجي.
بقي لي في نهاية هذه الكلمة أن أذكر أن للأستاذ حمزة شحاتة نثرا كثيرا نُشر جزء منه في كتاب بعنوان حمار ومن نثره محاضرته الرائعة الرجولة,, عماد الخلق الفاضل ورسائله إلى السيدة شيرين رحمهما الله, ويقيني أن حمزة شحاتة سيوحي لكاتب هذه السطور بمقالات أخرى، فالحديث عنه محبوب لدى كاتب هذه السطور وأرجو أن يكون كذلك بين القراء.
د, طاهر تونسي
|
|
|
|
|