| مقـالات
تناولت القراءة في الحلقة السابقة من بين ما تناولت ما يلفت النظر من امور وردت في الفصل الاول من الكتاب، وكانت تحتاج الى تدقيق وتصحيح.
وفي هذه الحلقة مواصلة للقراءة في الفصل المذكور.
قيل ص 25 : تركي بن عبدالله عم عبدالله بن سعود .
وقد يفهم من العبارة ان تركياً عم لعبدالله بن سعود، او ان عبدالله والد تركي عم لعبدالله بن سعود, وكلا الامرين غير صحيح, فالإمام تركي ابن عم لسعود بن عبدالعزيز، والد عبدالله بن سعود, وعبدالله، والد تركي، عم لسعود بن عبدالعزيز، لا عم لابنه عبدالله, فتركي هو تركي بن عبدالله بن محمد بن سعود, وسعود والد عبدالله بن سعود هو سعود بن عبدالعزيز بن محمد بن سعود.
قيل ص 25 : ان المنازعات الداخلية ادت الى اغتياله اي اغتيال تركي بن عبدالله عام 1250ه على يد منافس من داخل الاسرة, وتولى زمام السلطة فيصل بن تركي، الذي حكم من 1250ه الى 1255ه.
وبالرغم من بعض النكسات في أوائل معاركه مع المصريين فإنه لاحقاً اعاد تثبيت الحكم السعودي في نجد والمنطقة الشرقية من الجزيرة العربية.
وكان معاونوه الاشاوس في هذه الانجازات العسكرية البارعة بقيادة عبدالله بن رشيد حاكم جبل شمّر,, ولما كان محمد علي قد اعتزم ادخال شبه الجزيرة العربية في دائرة نفوذه منذ عام 1250ه فإنه دعم منافساً من المطالبين بالحكم هو خالد بن سعود 1255 1257ه ابن عم فيصل .
كان اغتيال الامام البطل تركي بن عبدالله آخر يوم من سنة 1249ه، وكانت نهاية الفترة الاولى من حكم ابنه الامام فيصل عام 1254ه, ولعل الخطأ الذي وقع مرده الى اعتماد التاريخ الميلادي اساساً، وعند تحويله الى التاريخ الهجري حدث ما حدث من خطأ.
وما ذكر ، هنا، غير دقيق في بعض جوانبه، اضافة الى الخطأ في التاريخ, ولعل من المستحسن توضيح ما وقع تاريخياً.
كان مشاري بن عبدالرحمن من ذرية مشاري بن سعود اخي الامير محمد بن سعود مؤسس الدولة السعودية الاولى ابن اخت الامام تركي بن عبدالله, وكان قد أُخذ مع من أُخذ من الاسرة السعودية الى مصر بعد استسلام الدرعية عام 1233ه, وقد راسله خاله، تركي، بعد اجلائه لبقية قوات محمد علي باشا من نجد عام 1240ه, وكان مما بعثه إليه قصيدة مشهورة بدأها بقوله:
طار الكرى من موق عيني وفرا وفزيت من نومي طرى لي طواري |
ومنها:
سر يا قلم واكتب على ما تورا ازكى سلام لابن عمي مشاري |
ثم حثه على القدوم الى نجد، واخبره بما حدث فيها قائلاً:
يا حيف يا خطو الشجاع المضرا في مصر مملوك لحمر العتاري ان سايلوا عني فحالي تسرا قبقب شراع العز لو كنت داري وحصنت نجد عقب ماهي تطرا مصيونة عن حر لفح المذاري |
وقدم مشاري من مصر الى نجد، عام 1241ه، فعينه خاله اميراً على منفوحة، لكنه عزله عن امارتها بعد اربع سنوات لامور اخذت عليه, وبينما كان الامام تركي خارج الرياض لتأديب احدى القبائل، سنة 1246ه، غادر مشاري هذه المدينة، فحاول زعيم من مطير ان يقف معه فرفض ذلك، ثم طلب من اهل القصيم ان يقفوا معه، فرفضوا، ثم طلب من فئات من عنزة ان تسانده فرفضت.
وبعد ذلك ذهب الى الحجاز باحثاً عن مساعدة حاكمها, فلم يساعده ذلك الحاكم، فعاد الى الرياض بشفاعة اهل بلدة المذنب, ثم دبر مؤامرة ادت الى اغتيال الامام تركي آخر يوم من سنة 1249ه، كما ذكر سابقا، وتولى مقاليد الامور في الرياض, غير ان فيصل بن تركي، الذي كان حينذاك على رأس جيش في شرقي البلاد ،عاد وقضى على مشاري بعد اربعين يوماً من اغتيال ابيه.
وفي هذه الاثناء كانت طموحات محمد علي باشا لتوسيع نفوذه على حساب الدولة العثمانية نفسها قد تبلورت، فبعث جيشاً، عام 1252ه، إلى نجد بقيادة خالد بن سعود، اخي الامام عبدالله بن سعود آخر حكام الدولة السعودية الاولى.
وحلت بالامام فيصل واتباعه نكسات في بداية الامر لدرجة انه اضطر الى مغادرة الرياض نفسها, وفقد عبدالله بن رشيد، الذي كان قد عينه اميراً على جبل شمّر امارته, لكن عاد اليها، عام 1253ه ، بقوته الذاتية وتأييد خورشيد باشا، القائد الذي ارسله حاكم مصر دعماً لقواته في نجد, على ان سكان جنوبي نجد الكارهين لحكم محمد علي باشا وخالد بن سعود الذي يمثله انتصروا على هذا الأخير, وكان انتصارهم مما شجع فيصل بن تركي على العودة من الاحساء ومحاصرة خالد بن سعود في الرياض, غير ان خورشيد باشا انتصر آخر الامر على فيصل في الدلم، واجبره على الاستسلام سنة 1254ه, ولما عاد فيصل من مصر الى نجد، عام 1259ه، كان لعبدالله بن رشيد دور في مساعدته على انتزاع الحكم من عبدالله بن ثنيان، تماماً كما كان له دور في انتزاع فيصل الحكم من مشاري بن عبدالرحمن سنة 1250ه, اما الانتصار على قوات محمد علي فلم يكن لابن رشيد دور فيه، بل ان الذين حققوه كانوا سكان الجهات النجدية الواقعة جنوب الرياض.
وبعد حديث المؤلفين الكريمين، الرشيد وشاهين، عن الامام تركي والفترة الاولى من حكم ابنه فيصل ذكر ان خالد بن سعود كان ابن عم فيصل, والمراد، بطبيعة الحال، انهما من اسرة واحدة، لا ان سعوداً والد خالد كان اخاً لتركي والد فيصل, ثم قال المؤلفان:
ان المصريين توسعوا فوق امكاناتهم في عدة نواح، كما ان البريطانيين صدوهم في اليمن، ولم تكن مهمة الاحتفاظ بالمناطق الداخلية من الجزيرة العربية امراً يسيراً, كل هذه العوامل ادت الى انسحاب محمد علي من الجزيرة عام 1256ه .
والواقع ان نجاح محمد علي في جزيرة، وبخاصة في الخليج الذي كان مهماً بالنسبة لبريطانيا، وفي خارج الجزيرة العربية كالسودان والشام واليونان واجزاء من تركيا نفسها، قد أثار مخاوف بريطانيا فدعت الى مؤتمر لندن المشهور الذي كان من قراراته إلزام محمد علي ان يسحب قواته من جزيرة العرب, فكانت تلك القرارات اهم عامل من عوامل انسحابه منها.
قيل ص 26 : ان العثمانيين انتهزوا فرصة النزاع بين ابني الامام فيصل، عبدالله وسعود فاحتلوا المنطقة الشرقية في 1288ه,, وقيل ان الملك عبدالعزيز عند لجوء اسرة الامام عبدالرحمن الى الكويت كان في الحادية عشرة من عمره.
والواقع ان النزاع بين ابني فيصل قد اضعف الحكم السعودي لكن استنجاد عبدالله بن فيصل بوالي بغداد ضد اخيه سعود كان هو الذريعة، او الفرصة، التي استخذها العثمانيون للاستيلاء على شرقي البلاد.
وكان الملك عبدالعزيز عند لجوء اسرة الامام عبدالرحمن الى الكويت، عام 1310ه، في السابعة عشرة من عمره، اذ كان مولده على ارجح الروايات سنة 1293ه, ولو فرض ان مولده كان سنة 1297ه وهو امر غير مرجح فانه كان عند اللجوء المذكور في الثالثة عشرة من العمر، لا في الحادية عشرة.
قيل ص 27 : ان عبدالعزيز بن رشيد اساء الادارة والتصرف، ونجح في استعداء القبائل التي خضعت لحكمه, وبذلك مهد السبيل امام الاستعادة النهائية للمنطقة من قبل حكامها الحقيقيين الشرعيين, وقد تم ذلك بفضل شجاعة عبدالعزيز آل سعود الاسطورية وعبقريته الفذة وجرأته النادرة .
اذا قيل: القبائل في نجد في ذلك الوقت انصرف الذهن الى البادية الرحّل, والمشهور تاريخياً ان الامير عبدالعزيز بن رشيد اساء معاملة قسم من حاضرة نجد الحاضرة، وبخاصة بعض اهل الرياض وبريدة وعنيزة بعد معركة الصريف، التي حدثت سنة 1318ه، لتعاونهم مع آل سعود وابن صباح وآل مهنا وآل سليم, أما البادية فلم تكن سياسته حيالها تختلف كثيراً عن سياسة سلفه محمد بن رشيد.
وشجاعة الملك عبدالعزيز وعبقريته من الامور التي تتفق عليها المصادر.
وصفاته الذاتية، رحمه الله، من اكبر عوامل نجاحه بعد عون اللهت له, لكن كان لديه رصيد تاريخي ورثه من اسرته التي كانت غالبية النجديين تكنّ ولاء لها، وكانت هناك ظروف سياسية جعلت تلك الغالبية تقف تحت لوائه بأنفسها واموالها.
قيل ص 29 : حين استولى ان الرشيد على الرياض عام 1308ه سمح لعبدالرحمن بن فيصل بالسكنى في جانب من القصر, وكان ابن الرشيد قد عين سالم بن سبهان ليحكم الرياض, وقد تحدد اجتماع صبيحة يوم عيد الفطر بين سالم وعبدالرحمن طلب سالم ان تحضره اسرة عبدالرحمن بكاملها, وكان في قراره نفسه يدبر خطة شريرة للقضاء عليهم جميعا,, وكان ان اصطحب عبدالرحمن رجاله وسيفه احتياطاً الى الاجتماع, وقبل ان يتمكن سالم من تنفيذ خطته السفاكة بادره عبدالرحمن ورجاله وقواده الى السجن,, وخشية ان يقع عبدالرحمن اسيراً او ضحية جمع اسرته وحوالي عشرين من اعوانه وغادر الرياض في جنح الظلام مزوداً بما تيسر من المؤن,, وانطلقت الجماعة جنوباً بحثاً عن ملجأ في الصحراء,, ,اكثر الكلام السابق تحريف للتاريخ, لكن بدلاً من تفنيد كل مسألة فيه يحسن ان يكتب ما حدث فعلاً,في عام 1305ه قدم ابناء سعود بن فيصل من اقليم الخرج الى الرياض، وقبضوا على عمهم الامام عبدالله, وكان هذا الاجراء فرصة للامير محمد بن رشيد ليتدخل في شؤون الرياض نفسها بعد ان اصبحت له مكانة في بعض اقاليم نجد, فاتجه بقواته اليها، سواء كان ذلك بمبادرة منه كما تقول بعض الروايات او بطلب من الامام عبدالله المقبوض عليه كما تذكر روايات اخرى, وتجدر الاشارة الى ان ابن رشيد كان خالاً لابن الامام عبدالله تركي وحاصر ابن رشيد الرياض، توصل الى حل يخرج بموجبه ابناء سعود منها ويطلق سراح الامام عبدالله.
وبدخول ابن رشيد الرياض ذلك العام اصبحت عملياً تحت نفوذه, ذلك ان كلاً من الامام عبدالله واخيه عبدالرحمن رحلا الى حائل, وعين ابن رشيد سالم بن سبهان اميراً على الرياض, وكان هذا الاخير يدرك ان في وجود ابناء سعود النشطين في اقليم الخرج القريب خطراً عليه, فكان ان قضى على ثلاثة منهم هم محمد وعبدالله وسعد في مستهل شهر ذي الحجة عام 1306ه ، ومع ان ابن رشيد اظهر علناً استياءه من فعل ابن سبهان، وعزله عن امارة الرياض، فإنه بدون شك قد ادرك بأن الخطر المتمثل في شباب يتدفقون حماسة قد زال, وكان هذا، فيما يبدو، من اهم اسباب سماحه للامام عبدالله واخيه عبدالرحمن بالعودة الى الرياض سنة 1307ه, اما عبدالله فتوفي بعد يومين من وصوله الى هذه المدينة, واما عبدالرحمن فبقي يحمل اسم الامام، لكن ابن رشيد اعاد ابن سبهان الى الرياض قائداً للسرية الموجودة فيها, وكانت العلاقة بين ابن رشيد وحسن بن مهنا امير بريدة قد ساءت وانفرط عقد تحالفهما, فبات حسن يبحث عن حليف جديد يقف معه ضد حليفه السابق, وكان ان كتب الى الامام عبدالرحمن، وحرضه كما تقول احدى الروايات على التخلص من ابن سبهان, ولاشك ان سيرة هذا الاخير بعيدة عن ان يطمئن اليها ذلك الامام, لكن الادعاء بأن ابن سبهان كان في قرارة نفسه يدبر خطة شريره للقضاء على عبدالرحمن واسرته ادعاء يحتاج الى دليل يستحيل وجوده لان ما في نفوس البشر امر لا يعلمه الا خالقهم, وعلى اي حال فإن ابن سبهان عندما زار الامام في قصر الحكم في الحادي عشر من ذي الحجة لا في عيد الفطر قام الامام بالقبض عليه, وما كان ابن رشيد ليقف مكتوف اليدين امام عمل كهذا، فزحف بقواته حتى وصل الى اسوار الرياض، وانتهى الامر بخروج وفد لمفاوضته, وكان من بين اعضاء هذا الوفد عبدالعزيز بن عبدالرحمن الملك عبدالعزيز , وتوصل الطرفان الى حل بموجبه اطلق سراح ابن سبهان، وبقي الامام حاكماً للرياض وما حولها, ومن الواضح ان ابن رشيد رضي بهذا الحل على اساس انه حل مؤقت حتى ينتهي قوة اهل القصيم التي لو انضمت عملياً الى قوة الامام عبدالرحمن لاصبح الموقف الرشيدي ضعيفا, فلما قضى على قوة اهل القصيم في معركة المليداء سنة 1308ه سهل عليه ان ينهي قوة الامام عبدالرحمن في معركة حريملاء عام 1309ه, وكانت مغادرة الامام للرياض بعد هذه المعركة لا سنة 1307ه التي قبض في الشهر الاخير منها على ابن سبهان.
قيل ص 29 : بعد مغادرة الامام عبدالرحمن للرياض وقد ذكر خطأ ان مغادرته كانت فور القبض على ابن سبهان واجه مصاعب في الصحراء فقال لرفاقه: يبدو ان النهاية قريبة، بل انها هنا, هيا نقيم معاً صلاة الميت .
من المستبعد جداً ان يقول الامام عبدالرحمن: هيا نقيم معا صلاة الميت لو كتب انه قال: هيا نحفر قبورنا لقيل من الممكن انه قال هذا، وان كان مستبعداً ان يكون قد قاله, لكن ما ادعي انه قال لا يمكن تصديقه, فما داموا احياء يستطيعون ان يؤدوا الصلاة فمن الميت الذي يصلون عليه؟
قيل ص 31 : ان محمد بن رشيد توفي يوم الثامن من شعبان عام 1314ه, وان معركة الصريف بين الامير عبدالعزيز بن رشيد ومبارك ابن صباح كانت في السابع عشر من ربيع الاول سنة 1319ه.
والصحيح ان وفاة الامير محمد بن رشيد كانت ليلة الثالث من رجب سنة 1315ه، وان معركة الصريف كانت سنة 1318ه.
بعد الحديث عن استعادة الملك عبدالعزيز الرياض الى الحكم السعودي قيل ص 40 : ظل عبدالعزيز على مدى عدة سنوات يسكن الخيام متنقلاً من مكان الى آخر كالطريد, وكثيراً ما اعلنت جوائز لمن يأت هكذا به قتيلاً او اسيرا, كان عبدالعزيز ينتقل عبر الصحراء ليمد سلطانه وكسب تأييد القبائل، احياناً يأكل واحيانا يبيت على الطوى .
هذا الكلام يحتاج الى تدقيق, فبعد الخطوة الاولى من خوات توحيد البلاد، وهي استعادة الرياض من حكم ابن رشيد، كان تركيز الملك عبدالعزيز موجهاً بالدرجة الاولى لكسب الاقاليم النجدية، اقليماً اقليماً وبلدة بلدة, كان يوفد من هم اكفاء الى القبائل لكسبها، لكن اكثر تحركاته قائداً لاتباعه كانت تهدف الى انتزاع الاقاليم النجدية من الحكم الرشيدي.
ولا اظن من اللائق تشبيه الملك عبدالعزيز وهو يقود اتباعه لتوحيد البلاد تحت رايته بالطريدة ولم يمر علي ان جوائز اعلنت لمن يأتي به قتيلاً او اسيرا.
قيل ص 40 : انطلق عبدالعزيز من بريدة لمواجهة ابن الرشيد المعزز جيشه بقوات تركية مع معداتها الثقيلة,, وفي غمرة المعركة هزم ابن رشيد وحلفاؤه الاتراك، ولاذ الكثير من جندهم بالفرار طلباً للنجاة,, لكن المناوشات استمرت مما ادى الى مواجهة اخرى في 18 صفر سنة 1324ه/14 ابريل 1906م قتل خلالها ابن الرشيد ,والمواجهة الاولى التي اشير اليها في صدر الكلام السابق هي معركة البكيرية, وقد حدثت في ربيع الثاني عام 1322ه/ يوليو 1904م، وكان تركيز هجوم قوات ابن رشيد على الجهة التي كان فيها الملك عبدالعزيز واتباعه من اهل الاقاليم النجدية الواقعة جنوب القصيم, فانهزم الملك مع نفر من اتباعه حتى وصل الى مكان جنوب المذنب, لكن اتباعه من اهل القصيم انزلوا هزيمة بأتباع ابن رشيد، فانهزم هؤلاء اتباع بمن فيهم القوات العثمانية التي كان بين افرادها اناس من العرب، وبخاصة من العراق والشام.
|
|
|
|
|