أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th April,2000العدد:10076الطبعة الأولىالأحد 25 ,محرم 1421

محليــات

لما هو آتٍ
كيف هي مسألة النشء؟ (3)
د, خيرية إبراهيم السقاف
في المنزل:
راودتني أسئلة كثيرة,,, بعثها صوتها المرتجف، الضاحك الباكي، وثناؤها العطر على والديها، وتلك الإمكانات التي وفَّراها لها: عربةً خاصة تتصرف فيها كيفما ومتى تريد، وقتاً لا من يسائلها كيف تقضيه؟ وبماذا تملؤه؟ ومع مَن من الصاحبات تمضيه؟,,, هاتفاً متنقلاً لا من يراجع فواتيره، ويتابع أرقامه، ولا من يسائل كم رصيده؟، وكذلك هاتف حجرتها الخاص,,,، نقوداً في البنك باسمها، وبطاقة صرفٍ، تجدها مموّلة كل شهر,, بل كل وقت تريد,,,، وخادمة خاصة ترافقها حيثما تشاء، ووقتما تشاء,,, ومع كل ذلك محبةً، وثقةً,,, ينقطع نظيرهما,,.
وهي تقدم لهما: الحب ذاته، والوفاء ذاته، ونجاحاً باهراً في دراستها يقصيها عن أي لوم، أو أي تساؤل,,.
ولكن:
اقتحمت الصاحبات حياتها المخملية، الوردية،,,, عبثن بها فمزقن سترها، وثقبن غطاءها، ودخلن من خلال ذلك إلى هدوئها، وراحتها، واطمئنانها، بعثن القلق إليها، وحركن الساكن من تحت قدميها، وأدرن بالحياة من حولها دورة الدولاب في عنف اهتز له كلُّ سكون فيها,,, فتلولبت أمامها الحياة، وسقطت في دورانها,,.
ومَن في المنزل لا يدرون,,.
ولا أحسبهم سوف يدرون,,.
و,,, لماذا يفعل ذلك الآباء بكل حدبهم، وبكل حبهم، وبكل آمالهم؟
ولماذا تفعل الأمهات المثل؟!,,.
لماذا لا يُطرق الباب؟ ولماذا لا يتم اللقاء الدائم؟ ولماذا لا تلغى الحواجز بين الآباء والأمهات وبين الأبناء؟
وإذا كان هذا هو حال الفتيات، فما هو حال الفتيان؟ وأسئلة كثيرة تراودني,,, إنه أنموذج,,, مخيف لثقة في غير مجراها، ولاطمئنان يقضُّه الواقع بكل متغيراته,,.
لم يعد الترف مجالاً للتظاهرة الاجتماعية في صور بهية,,.
الترف أصبح ناقوساً يطرق بشدة في آذان المحاضن من الآباء ومن الأمهات,,.
والمحاضن الأقرب تلك التي لا تجد ما يفصل بينها وبين أبنائها,,.
كان الفقر دافعاً للضياع، وغدا الفقر وسيلة للاجتماع,,.
ذلك لأن اللقمة الواحدة تجمع، والمعاناة الواحدة تجمع,,, حتى إن كان هناك من سلبيات للفقر وللحاجة، إلا أنها في وضوح، ويمكن تلمُّس مخارجها ونتائجها,,, أما الثراء,,, فإنه ستار لابد أن يزيحه الآباء عن الدرب الذي يفصل بينهم وبين أبنائهم,,.
ذلك لأن معطيات الواقع تمرُّ عبر قنوات مؤثرة,,.
أذكر أن كثيراً من العادات المستحدثة وردت مع انتشار السينما في أوائل العقود الماضية وتعلم منها الناس أساليب الرشوة، والخداع، والمكر، والقتل، والسرقة، والحيل بكل أنواعها.
وتطورت أساليب الوصول إلى عقر دار صغُرت أم كبُرت، تعددت حجراتها أو انفردت ساحاتها,,,، ودخلت للإنسان من كل منفذ، وتعلم الناس ما لا يعرفونه، وعرفوا ما لم يتعلموه، وعلموا كل الذي لم يكن مهيأ لهم أن يعلموه أو يعرفوه,.
وجاءت الوسائل الحديثة للاتصال بكل أنواعه,,, بأشياء مستحدثة وليست جميعها إيجابية,,,، ووغرت في أعماق الإنسان وحياته,,,، فتحلل من كثير من قيمه وعاداته ومبادئه,,, وبالتالي تغير سلوكه واتجاهه نحو الأشياء,,,، والذي كان مرفوضاً عنده أصبح مقبولاً,,,، وسعى الإنسان لأن يثبت في خضم هذا الصراع لنفسه وللآخرين أنه أصبح أكثر وعياً، لكن الوعي ليس التخلي عن أسس مهمة في حياته، إذ حتى الوعي أخذ مفهوماً عكسياً، ولرفض الإنسان أن يوصم بالتخلف أو التأخر أو حتى التقليدية تحلل في كثير عن كثير مما كان يجب عليه أن يحافظ عليه,,.
وتلك هي المسألة,,.
لكن عندما تقف عند حدود الأبناء تأخذ دوراً آخر، ووجهة أخرى وموقفا آخر,,.
بل تتطلب الوقوف ومؤاخذة النفس,,.
بل محاكمتها أمام ضمير لابد أن يستيقظ بشدة,,.
وعلى وجه الخصوص في زمن فتحت فيه قنوات تهدر بما لا ينفع، وتحتاج إلى قوة في الحجة كي لا تسقط بقية الدعائم,,.
وتحتاج إلى أساليب جديدة مناسبة للتربية تعتمد على التأثير والقدرة فيه على الترسيخ لكل ما يمكن الحفاظ عليه,,, وعلى وجه التخصيص دعائم التربية من منطلقات إيمانية صادقة وجليَّة وقوية لا تتضعضع أمام تيارات الحياة وأمواج الأفكار ومغريات الترفيه والمفرحات المبكيات.
المسألة على درجة من الأهمية تستوجب نهضة داخلية تأتي من صدور وقلوب الآباء بكل حماسهم وحبهم وإخلاصهم.
وللحديث بقية

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved