أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 30th April,2000العدد:10076الطبعة الأولىالأحد 25 ,محرم 1421

مقـالات

المرأة والتفاؤل 2 - 2
د, حسن بن فهد الهويمل
والاسلام الذي قسم وعدل، والله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وجه الرجل والمرأة بالفطرة الى مجالهما، بحيث لا يتجاوز احدهما حده، ولا يخرج عن فلكه، فالحياة قائمة على النظام، والإخلال بهذا النظام إفساد متعمد للحياة السوية، ومع هذا التوزيع العادل فإن الاسلام لا يمنع المرأة من استكمال متطلبات بشريتها ومواجهة الحياة المتغيرة والتكيف مع الظروف ومتطلباتها، فهو لا يمنعها من طلب العلم ولا يمنعها من التجارة والزراعة والصناعة والتملك والتصرف الحر بما تملك وليس لأحد عليها سلطة الا سلطة الدين ونظامه الاقتصادي ولا يمنعها من العمل في مجال التعليم والطب وما هو ملائم لتكوينها وما لا يقوم به الرجال مما تقوم الحاجة إليه، بل قد يوجب على ولاة الأمر تهيئة الكوادر النسائية للطب والتمريض النسائي، ولكنه حين أعطاها هذه الحقوق عرف كيف يوفق بينها وبين الرجل الذي فضل عليها، بحيث جعلت له القوامة، وإذا كان الناس يجتهدون في اختيار ولي أمرهم ثم يخضعون له ويأتمرون بأمره ويطيعونه ويسلمون له بطوعهم واختيارهم ليوفر لهم العدل والأمن والاستقرار والحرية، فإن البيت مملكة صغيرة بحاجة الى آمر يطاع، فإما ان يكون الرجل او المرأة، وإرادة الله جعلت الإمارة للرجل، وعندها لا تكون للرجل ولا للمرأة الخيرة مع أمر الله, وفقهاء المسلمين يختلفون كثيراً في أبعاد التفضيل ومتطلبات القوامة وتعارضها مع الولاية الكبرى وامكانية ممارسة السياسة والقضاء والشورى والمحاماة وغيرها، وهم مجتهدون في آرائهم يخطئون ويصيبون، ولكنهم يستلهمون آراءهم من مقتضيات النص لا من اقوال المفكرين الغربيين وفرضياتهم وتجاربهم, وتحقير المرأة او التنقص منها في أمر الإرث والدية والشهادة وفي قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (ناقصات عقل ودين) والخلق من الضلع الأعوج لا يكون إلا من الجهلة أو الموتورين الحاقدين على الإسلام, فالاختلاف في الإرث والدية مرتبطان بالحاجة الى القوامة والانفاق، وليسا مرتبطين بالقيمة الإنسانية للمرأة، ولو كانا مرتبطين بقيمة المرأة الإنسانية لما قتل قاتل المرأة قصاصاً، فالقصاص يعني ان المرأة بإزاء الرجل في القيمة والإنسانية, والدية حق للوارث, وليست قيمة للميت، وكيف أرضى لوالدي أو ولدي بهذا المبلغ الزهيد لو جعلنا الدية قيمة، إنها حق للوارث، وموت المرأة لا يترك فراغاً مالياً لأنها غير ملزمة بالإنفاق، ومن ثم جعلت الدية إلى النصف وكذلك جعل الميراث.
أما الإشهاد فالمرأة في الغالب يتجه اهتمامها لأبنائها وزوجها وإدارة شؤون منزلها وزينتها وحملها وولادتها وليست في ظل هذه المسؤوليات المغايرة مهيأة للمضاربات التجارية واستذكار دقائقها، ومن ثم فهي أقرب إلى النسيان، وهذا ما أشار إليه الذكر الحكيم، فالتعدد في الشهادة لمجرد التذكير عند النسيان ليس إلا، ولهذا تؤخذ شهادتها فيما سوى الاستشهاد بمفردها، وأما نقص العقل والدين فيرتبطان في توقع نسيان ما لا تهتم به المرأة، وفي أن المرأة في حالة النفاس والحيض لا تصوم ولا تصلي، وتلك نظرة ربانية حانية، فالمرأة في هاتين الحالتين بحاجة إلى مزيد من الراحة والأكل للتعويض عما تفقده من دمها، ومن ثم نقص دينها عن الرجل الذي لا تسقط عنه العبادة إلا في حالة العجز أو فقد أهلية التكليف، ونقص عقلها بغفلتها عما لا تهتم به من أمور التجارة، أما الخلق من ضلع الرجل فحقيقة غيبية يجب الإيمان بها وقد أثنى الله على الذين يؤمنون بالغيب مع أنها جاءت في الكتب القديمة السابقة على الإسلام، والحقائق الغيبية ليست كالحقائق العلمية محكومة بالعقل, الحقائق الغيبية مصدرها النص القطعي الدلالة والثبوت، والتلقي النصي لا مجال للعقل فيه، ودخول العقل في الجدل حول الحقائق الغيبية أضل كثيراً من المفكرين وإحجام العقل عما سوى ذلك جمد النصوص الشرعية، والجدل والتحاور بين الفئات والطوائف والمذاهب من الظواهر الصحية متى كانت لإحقاق الحق، وكل هذا التحاور من باب الصراع المشروع بين الرئيس والمرؤوس والعالم ونده، وقيمة الحياة في الصراع الإيجابي، فهو اكسيرها وما يوجه للمرأة من قول إنما هو من باب تذكيرها لاستكمال سلوكها، ولهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء: (تصدقن فإنكن أكثر أهل النار) أو كما قال وحين تساءلن قال: (إنكن تكثرن الشكاية وتكفرن العشير) وتلك حقائق، فالصراع بين الرجل والمرأة قائم، والشكاية قائمة وكل مرؤوس يكثر الشكاية.
إن على المسلم ان يتدبر موقف الاسلام من المرأة، وهو موقف علمي حضاري، لو أن المسلمين فهموه وطبقوه، والنظر في موقف الحضارة الغربية من المرأة والاعتماد على أقوال مفكريهم وعلمائهم الافتراضية شك في أهلية الإسلام وطعن في التشريع وتهميش للحضارة الإسلامية التي سادت العالم وأضاءت له طرق العلم والاقتصاد والسياسة والاجتماع، وانطوت على منجزات علمية وقضائية وسياسية واقتصادية وتربوية وفلسفية، ما زالت من المصادر الثرة للحضارة الغربية المهيمنة، والمرأة الغربية التي أخذت الحرية وظفرت بالمساواة وغرقت في الملذات، هل سعدت بذلك؟ وهل تقاسمت مع الرجل الحقوق والواجبات؟ إن الصوت المسموع للرجل والمسؤوليات الهامة للرجل وكبريات الشركات للرجل والاكتشافات العلمية للرجل، والرجل متفوق على المرأة حتى في خواصها كالطبخ والأزياء وغيرها، وبقدر تهالكنا على أنظمة الغرب وأسلوب حياته نراه يبحث عن مخلص له من تردياته، لقد فقدت المرأة حقها الفطري ولم تظفر بحقها الحضاري، وها هي اليوم ومن ورائها المصلحون يبحثون عن منهج سليم يعيد للمرأة أنوثتها في الوقت الذي نتسابق فيه نحن في جلب آرائه وأفكاره ومواقفه من المرأة، إن ما حققه الغرب من تقدم ليس لأنه حرر المرأة وأخرجها عن طبيعتها، وليس لأنه غرق في الملذات والخلاعة والمجون، ولا لأنه كفر بالله، وإنما لأنه علم ظاهر الحياة الدنيا وتمثل كثيرا من القيم الاسلامية، وتخلفنا إنما جاء بجهل ظاهر الحياة الدنيا وعدم اليقظة والعمل لليوم الآخر وتمثل القيم الأخلاقية في الإسلام.
إن علينا أولاً: أن نتعظ من مآلات المرأة الغربية وعلينا ثانياً: أن نستفيد من الحضارة الغربية، وأن نقبل عليها ونأخذ منها ما لا يتعارض مع قيمنا وثوابتنا, وهي حين أخذت من الإسلام الشيء الكثير، لم تنل من ذاتها، ولم تستخف بتشريعاتها، ومن الخير لنا ألا نكون منهزمين مترددين نعطي الدنية في ديننا، فالإسلام يحث على العلم والعدل والمساواة والحرية والعمل، وكل إخلال في التطبيق لا يعني البحث عن مصدر حضاري آخر، وتناول قضايا المرأة بمعزل عن النص الشرعي مظنة الاتهام، وإطلاق العموميات والدفاع عن المرأة دون تحديد دقيق لا يقول به إلا الجهلة أو المتجاهلون، لقد بلي المجتمع العربي بدعاة سوء يتبعون سنن اليهود والنصارى ويخلطون الحق بالباطل، فيتوهم السذج والمغفلون أنهم أحرص الناس على إنقاذ المسلمين من غثائيتهم المستفحلة، إن ضعف المسلمين لا يعالج بالتخلي عن الإسلام، وإنما بالعودة النصوح إليه.

أعلـىالصفحةرجوع














[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved