قال عبد الأعلى بن حماد البرقي: دخلت على بشر بن منصور وهو في الموت، فرأيته مستبشراً فقلت له: ما هذا السرور؟ قال أخرج من بين الحاسدين والباغين والمغتابين، وأقدم على رب العالمين، ولا أفرح؟!
وما المال والأهلون إلا وديعة ولابد يوماً ان ترد الودائع |
ورحلت يا عماه، وقدمت الى اكرم الأكرمين، فتركت لوعة لفراقك في قلوب الأبعدين قبل الأقربين,, رحلت فبكتك زوج مخلصة لك وابن بار بك وابنة متعلقة بعطفك وإحسانك,, ورحلت ورحلت معك مكارم ستكون لك نوراً إن شاء الله في قبرك,, يوم تظلم القبور على كل جاحد لنعمة الله,, ورحلت ولم ترحل سيرتك الحسنة وذكرك العطر، رحلت وإن رحيلك على قلوبنا لكبير,, ولكنا نستذكر رحيل خير البشر عليه السلام فموته كان أكبر مصاب.
وإذا أتتك مصيبة تشجى بها فاذكر مصابك بالنبي محمد |
حضرت الاسكندر الوفاة فكتب إلى أمه: أن اصنعي طعاماً يحضره الناس ثم تقدمي إليهم أن لا يأكل منه محزون، ففعلت، فلم يمد أحد إليه يده فقالت: ما لكم لا تأكلون؟ فقالوا: إنك قلت: أن لا يأكل منه محزون وليس منا إلا من قد أصيب بحميم أو قريب، فقالت مات والله ابني وما أوصى إلي بهذا إلا ليعزيني به وقيل في رثائه: الاسكندر كان أمس أنطق منه اليوم, وهو اليوم أوعظ منه أمس.
أبا سعد كم كنت عطوفاً سخياً وفياً,, لم اسمعك الا شاكياً من حال هذه الدنيا وحال أهلها في التباعد والتقاطع,, كم كنت تحب اجتماع الأحبة والأقربين رغم مشاغلك,, ولكن كم كنا نحن مقصرين,, لم نفهمك إلا متأخرين,, ولات حين مندم,, يا عماه: لا تراص الحروف يجدي ولا نظم القصائد ينفع بعد رحيلك,, إن كانت ذرفت الدموع,, وحزنت القلوب فكل ذلك حزن على تقصير حصل في حقك لأنك كنت كبيراً,, نعم كبيراً في حبك,, كبيراً في صلتك,, كبيرا في وفائك,, كبيراً في أخلاقك وديانتك,, فعذراً أبا سعد,, ثم عذراً,, ولكن لنقول قولا: نسأل الله أن ينفعك به: نقول يوم رحيلك,, بل الى أن نلحق بك داعين المولى سبحانه وتعالى لك بالرحمة والغفران.
ولما دعوت الصبر بعدك والاسى أجاب الأسى طوعاً ولم يجب الصبرُ فإن ينقطع منك الرجاء فإنه سيبقى عليك الحزنُ ما بقي الدهر |
لا لن يبقى الحزن عليك ما بقي الدهر,, لأننا مؤمنون بالله وبرحمته موقنون بأنه أرحم الراحمين وأنك قادم على من هو أكرم وأرحم منا ومن كل الخلق أجمعين,, مرددين:
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منه وتكرما ولولاك لم يغو بإبليس عابدٌ فكيف وقد أغوى صفيك آدما |
لقد عانيت يا عماه ولكنك كنت متجلداً,, ذرفت عيناك يوم لم تستطع القول وبدت على قسمات وجهك لوعة وحزن يوم لم يسعفك الدمع ولكن كان أبي تذرف عيناه نيابة عنك,, أبي بتقواه لربه كان دائم التضرع الى المولى القدير أن يشملك بعفوه ورحمته كان دائماً يسأل الله لك الفرج,, نعم الفرج,, فربما كان الموت هو الفرج المنتظر لمثلك لتقدم الى أرحم الراحمين تاركاً هذه الدنيا بحزنها ونكدها,, بتقاطعها وتدابرها فالله ارحم من الأم بوليدها, وبعد,.
على قبره بين القبور مهابة كما قبلها كانت على صاحب القبر |
وأخيراً عذراً يا عماه لم نوفك حقك في حياتك ولكن سنسعى إلى إيفائك إياه بعد وفاتك فالله هو المرتجى وعليه التكلان, (إنا لله وإنا إليه راجعون).
إبراهيم بن سعد الماجد
|