| منوعـات
كان من أفضل الجزارين في عمله كنت أحس أنه محترف فعلا,, وبسبب ترددي عليه نشأت بيننا نوع من الصداقة، لم تكن القصابة جديدة عليه فقد كان جزاراً في بلده أباً عن جد, وقد عرفت فيه سرعة الاستجابة لمتطلبات النجاح، فقد تجاوب مع السوق وفتح مخبزاً خاصاً ليكون رافداً للمقصب لأنه أضاف للمقصب قسماً خاصاً بالمشويات,, وهكذا كنت اقدِّر فيه روح المبادرة والتطوير, بقيت أتعامل معه سنوات ولكن صيرورة الأيام أبعدتني عنه، وبعد عدة سنوات لنقل ثلاث سنوات التقيته في بيت صديق وبعد قليل من الحديث شعرت أن الرجل لم يعد كما كان في السابق، فتركت الحديث يمضي بيننا حتى اكتشفت أنه لم يعد جزاراً، شيء طبيعي أن يترك الإنسان مهنة لم تعد تدر عليه ما يغطي طموحاته لكن المشكلة الحقيقية التي أدهشتني أنه تحول إلى مصمم ديكور.
لم أتصور في حياتي كلها أن يتحول قصاب إلى مصمم ديكور، من المستحيل أن أجد الوسيلة التي يشق بها القصاب طريقه ليصل إلى مهنة مصمم ديكور أو العكس فلم اسأله لأنني ظننت أن في الأمر إحراجا؟ ولكنه أجاب مع تطور السواليف بانه ترك مهنة القصابة بعد ان تعب من قلة الأرباح بسبب الشركات الكبرى المنافسة، وفي نفس الوقت لم يعد يحقق الارباح المرجوة وقد شجعه قريب له بالتعاون مع سعودي (شقردي) على فتح محل ديكورات, ثم قال والبشر على وجهه: الحقيقة العمل في الديكور أكسب وأنظف.
هذه ليست قصة خيالية إنها حقيقة ماثلة امامي, ولو لم أكن اعرفه جيدا لكان يمكن ان أتعاقد معه لو دعتني الحاجة إلى مصمم ديكور, وهذا الرجل ليس استثناء فهذه ظاهرة طبيعية في سوق العمل، فكثير من الاخوة المقيمين يصل الى المملكة على وظيفة، وإذا أردنا ان نتكلم بدقة أكثر يصل الى المملكة بدون مهنة نهائيا، وتتقرر مهنته في المملكة حسب الظرووف، لذا من السهل أن يتحول من وظيفة إلى أخرى بغض النظر عن العلاقة بين العملين كما حدث مع قصابنا فالسوق في المملكة هو المحرض على هذا لا أريد أن اتحدث عن فوضى استخراج الفيز والدخول إلى البلاد.
فالمسألة تعود أيضاً إلى التوقعات، بصراحة مطالبنا هي التي تقود لمثل هذا فعندما يتعاقد الواحد منا مع كهربائي فهو في الواقع يريد أقل الممكن منه (لمصقة) وبالتالي يكون من السهل تلبية احتياجاته من قبل أي شخص,, وبذلك اصبح رجل الأعمال السعودي لا يحتاج إلى تعاقدات مكلفة مجرد هندي من أقصى قرى الهند يمكن أن يؤدي الواجب فهذا الهندي (مع احترامي للإنسان الهندي) يكتسب المهنة من زملائه في هذا البلد، طالما أن الزبون لا يطلب إلا أقل القليل ولن يحاسبه إذا أخفق أو خرب، ولا يوجد نظام لمثل هذا الشيء، فمن غير المعقول أن تذهب للشرطة وتطالب بخمسين ريالا أو حتى مائة وخمسين ريالا,, ولو استقبلت الشرطة مشاكل من هذا النوع لترك رجال الشرطة كل مشاكلهم وتفرغوا لهكذا مشاكل, وعليه فليس أمامك إلا أن تطرده وتأتي بشقيقه ثم تطرد شقيقه وتأتي بشقيقه الآخر، حتى يوفق أحدهم في تلفيق مشكلتك,, كلهم يتعلمون في تلك المعامل التي فتحناها لهم في داخل بيوتنا وممتلكاتنا.
الذي يطلب القليل لن يحصل إلا على القليل، فإذا كنت لن تدفع سوى خمسين ريالاً لفحص سيارتك فلا تتوقع أن يفحصها لك ميكانيكي بارع، لأنه في الأصل لا يمكن أن يفد إلى البلاد ميكانيكي بارع.
ولكن لماذا تواضعت مطالبنا إلى حد أن قصاباً يمكن أن يتحول بسهولة إلى مصمم ديكور؟ هذه قصة أخرى تحتاج إلى تأمل آخر.
لمراسلة الكاتب Yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|