* كنت أتساءل في نفسي وأنا أتابع إعادة بث وقائع استقبال فخر الشباب,, سلطان بن سلمان,, ورفاقه، وهم يعودون من رحلتهم الفضائية التاريخية: أي شعور بالفخر والاعتزاز كان يجيش في صدر الملك,, وهو يحتضن أبناءه,, العائدين,, عند سلم الطائرة؟!
* أي احساس هائل بالانجاز,, وشعور غامر بالرضى كانا يعتريانه,, وهو يرى غرسه,.
قامات ممشوقة,, وجبهات عالية,.
وابتسامات مشرقة,.
* أي بارقة تاريخية كانت تومض أمامه وهو يرى أعواماً من النضال المتواصل على جبهة الجهل والأمية، والتخلف,.
تحقق انتصاراً عالميا,, مبرزا,, ينتزع من حدقة العالم رؤية جديدة,, للانسان السعودي؟
* كان الوطن يقيم الدنيا,, ويقعدها,, اذا تخرج ابن من الثانوية وكانت الارض,, لا تسعنا بما رحبت اذا تلعثم,, أحدنا,, بكلمة أجنبية.
* كنا نلتف حول المهندس الاجنبي,, منبهرين,, مشدوهين,, كما لو كان قد هبط علينا,, من كوكب ناء.
* وكنا نبحلق في الطبيب الوافد,, مأخوذين,, مسحورين كما لو انشقت عنه الأرض,, أو هبت به الريح,, من مكان بعيد.
* كانت الرحلة في طلب العلم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا,, ضريبة لازمة,, من الاغتراب,, والفرقة,, يدفعها كل شاب طموح,, يريد ان يروي ظمأه اللاهب,, الى العلم والمعرفة.
* كانت الجامعة,, عُملة صعبة نادرة,, يتداولها الأجانب في بلادهم,, لا تقبل التحويل,, أو النقل,, الى صحرائنا، الا بمعدلات,, اجتماعية,, باهظة.
* كان الكتاب العلمي,, أحاجي ,, وألغازا أسطورية لا يفك حروفه ولا يقرأ رموزه,, الا قليل من خلق الله الآخرين,, من ذوي العيون الزرقاء,, والشعر الأشقر، واللكنة الأعجمية.
* كان ذلك عالما آخر.
كم كان يبدو بعيدا نائيا,, في الزمان,, والمكان,, حينذاك,, والآن.
* لقد كان اعلان النضال ضد الجهل,, والأمية,, أقدس اعلان,, في التاريخ المعاصر لجزيرة العرب.
* لم يكن اعلانا خطابيا,, بروتوكوليا,, للاستهلاك الداخلي.
* ولم يكن سرادقا,, وزينات مؤقتة,, يقام لبضع ليال,, ثم تطوى الخيام,, وتوسد الكراسي,, ويتفرق السامر.
* ولم يكن مسرحية مثيرة,, ينتهي فصلها الأخير,, فيسدل الستار، وينصرف المتفرجون,, والممثلون,, وتطفأ الأنوار وتوصد الأبواب.
* كان نضالا,, شرسا,, مستمرا,, ضد كل الاحتمالات المثبطة، وضد كل الأصوات المشككة، ورغم تهويمات الحذرين جدا، وتهويلات,, العقلاء جدا.
* كان ولا يزال نضالا,, شريفا,, بطوليا,, لا يمكن أن يتولى قيادته,, ويمتشق حسامه,, ويتقدم صفوفه، وينظم جنوده,, الا رجل عظيم القدرة، والهمة، يستطيع بحدسه التاريخي ان يستشرف الآفاق، ويتمكن بقدرته القيادية ان يحرك الجموع ,, ويحفز النفوس,, لكي تواصل أشرف المعارك، وأعظمها,, وأنبلها.
* ولذلك أيها السادة اذا ذكر في التاريخ رجال، فأولى الرجال,, بأن يذكر:
ذلك الذي قاد حركة التاريخ,, وخاض بها ظلمات الجهل,, ليوقدها,, مشاعل للعلم,, وبوارق للمعرفة.
واذا ذكر أولئك الذين شيدوا الجسور,, وأقاموا السدود، وعبدوا الطرق,, وأنشأوا المصانع,, فسيحلق فوقهم جميعا,.
أولئك الذين قادوا الجموع,, عبر صحراء,, الأمية,, والجهل,, والتخلف نحو واحات,, الحرف المبارك، والكلمة الطيبة.
والجملة الحسنة، الراشدة والمختبر، والمكتبة، والمستشفى، وكابينة قيادة الطائرة، وآفاق الفضاء الرحيب.
* وقف فهد بن عبدالعزيز ,, أمام سلم الطائرة,, يوم السبت,, الثامن عشر من شوال عام 1405ه يستقبل,, أسراب الحمام,, العائدة,, التي أطلقها,, في فضاء العلم والمعرفة,.
وظل يرعاها,, ويتابعها,, ويحنو عليها,.
حتى عادت اليه,, لتستقر على كتفيه,, وتهمس في أذنه,, بأن الربيع قد أزهر,, وأن الشجر قد أثمر.
* وأن خير الرجال,, وأعظمهم ,, في تاريخ أممهم,, من امتشق في ليل الجهل البهيم حساما من نور، ومد في بيدائه القائظة,, غصونا من ظل، وأذن,, في صمته الميت، بالكلمة الطيبة المباركة.
|