| شرفات
الأديب المغربي عبدالكريم الجويطي يحمل عبر كتاباته هموم الأجيال المغربية الجديدة التي تتصارع من أجل اثبات وجودها على الساحة بعيدا عن المتناقضات التي ألمت بالأجيال السابقة حيث سيطرة الازدواجية في اللغة,, الفرنسية/ العربية وازدواجية الانتماء للجذور العربية والغربية، وغيرها,.
أصدر عبدالكريم ثلاث روايات هي ليل الشمس وزغاريد الموت ورمان المجاني وبصدد اصدار روايته الرابعة التي اختار لها عنوان الموديلا الصفراء .
ولم تكن الجائزة الأولى التي حصل عليها من اتحاد الكتاب المغاربة عن روايته الأولى ليل الشمس عام 1996م، هي التي قدمته للقارىء لكن أسلوبه المتميز بالدقة والتفاصيل والاقتراب بحميمية من الواقع هو الذي جعل اسمه يسطع كأحد الاسماء المغربية الحديثة المتميزة في مجال الرواية,, التقته الجزيرة وكان هذا الحوار.
ليل الشمس
* أحدثت روايتك الأولى ليل الشمس صدى طيبا للغاية سواء لحصولها على الجائزة أو للمردود النقدي الواسع,, كيف ترى انعكاسها عليك؟
- قبل أن اتحدث عن ذلك أود أن أسرد حكاية بسيطة حول رواية ليل الشمس حيث كان اخي الأكبر يعمل مدرسا في قرية بعيدة عن مدينتنا بني ملال ,, وعند حلول موعد زفافه طلب مني الذهاب لهذه القرية لدعوة بعض أصدقائه لانشغاله الشديد, وبالفعل سرت 45كم تقريبا لأصل الى هناك فوجدت مكانا يخلو تماما من أي بنية تحتية، فقط الحياة القاسية الجافة هي ما وجدت,, وفورا قفز لذهني السؤال التالي لو كنت في موقع أخي، ماذا كنت أفعل وعندما عدت اليه جعلته يقص لي كل ما حدث له منذ وطأت قدمه القرية بكل تفصيل ودقة، وكانت هذه التفاصيل هي المادة الأساسية لروايتي، والحقيقة عندما سمعت نبأ فوزي بالجائزة كان تعليقي الأول هو الآن تورطت بالكتابة!! لأنه قبل الجائزة كنت اكتب لنفسي ولأصدقائي لكن بعدها بدأت اكتب لجمهور عام.
* يلاحظ القارىء انك مهتم كثيرا بالتفاصيل فما هو تعليقك؟
- هناك قول لبول فاليري ,, يا رفائيل,, أوصيك بالدقة,, لا أوصيك بالوضوح وأنا مؤمن جدا بهذه المقولة، فالدقة هي شعاري في الكتابة بمعنى ان اضبط التفاصيل بدقة، حيث أن أي خلل يحدث في أي جزئية يؤثر على النص بشكل عام، فالنص بالنسبة لي هو بناء معماري متكامل, واعتقد ان الارتباط بالتفاصيل ميزة جيدة لأنه يزيد الارتباط بالواقع الحقيقي والفعلي، بعيدا عن التجديدات الفكرية التي تكون اختزالية وتهضم تفاصيل كثيرة حقها.
* مع كل هذا الاحتفاء بالتفاصيل كيف يخرج نصك في صيغته النهائية الى القارىء؟
- أنا لا اكتب النص بطريقة خطية، بل اكتبه في ذهني أولا!! وعندما يكتمل وينضج تبدأ مرحلة الكتابة الخطية التي لا تلتزم بالترتيب فربما اكتب الفصل الأخير قبل الفصل الأول,, على سبيل المثال مثلما فعلت في روايتي ليل شمس وزغاريد الموت ,, لذلك يصف كثير من النقاد نصوصي بالصعوبة، وربما يلزم القارىء ان يبذل مجهودا في القراءة ليصل لمفاتيح النص.
وهذا في رأيي أمر جيد، لأن النص الذي يفهم بسهولة ينسى بسهولة فلابد ان يحرك النص في ذهن القارىء الرغبة في المغامرة للوصول الى المعنى، ولذا استغرق خمس سنوات بين كل رواية وأخرى منهما ثلاث سنوات كاملة حتى يكتمل النص في ذهني.
ألفة الرواية
* من هم أكثر الروائيين الذين تشعر بألفة مع نصوصهم؟
- ابراهيم اصلان هو أكثر الروائيين قربا مني واعترف ان فضله عليّ في الكتابة كبير، لأنني كتبت الرواية عندما قرأت روايته الرائعة مالك الحزين لأنني في الواقع اعيش في حارة مثل حارات امبابة التي كتب عنها،واعيش في عالم مماثل لعالم ابراهيم اصلان، ووسط اناس هم انفسهم ناس ابراهيم اصلان وهو مثلي أو أنا مثله بالطبع يهتم بالتفاصيل,, رغم انه لم يأخذ المكانة التي يستحقها في عالم الرواية.
أيضا نصوص ابراهيم عبدالمجيد وبهاء طاهر ويوسف ابو رية أحس كثيرا بألفة مع نصوصهم, أما في المغرب فهناك ادموند عمران المليح الذي صدرت له روايته الأولى وعمره ستون عاما، وكذلك د, محمد برادة في روايته الرائعة لعبة النسيان التي أحدثت تغيرا في مسار الرواية المغربية التي جاءت بعدها، وبالطبع هناك روائيون جيدون مثل يوسف فاضل ، ومحمد عز الدين تازي , لكني أكرر أن تأثري الأول كان بإبراهيم اصلان .
* هل تضع لنفسك أهدافا مسبقة تتحكم في طاقتك الابداعية؟
- لا أكتب لأغير العالم كما قال بعض الكتّاب، لكن لأغير نفسي بشكل اولي وربما لأغير أصدقائي, وبعد كتابة الرواية لا اهتم بمصيرها,, ففعل الكتابة نفسه هو الأهم عندي، فأنا اكتب لأنني لم أعرف في حياتي مهنة سوى الكتابة، فرغم انني أعمل مدرسا، إلا انني اضع مهنة كاتب روائي في خانة الوظيفة في جواز سفري، فالكتابة هي الأهم عندي.
* وماذا عن أبناء جيلك في المغرب وهل تشكلون تيارا واحدا أم تيارات مختلفة؟
- هناك حسن رياض وشعيب حليفي ولكن لا اميل الى التقسيم الجيلي للكتّاب، فلكل واحد منا طريقته وحساسيته ونبرته الخاصة ولغته وعوالمه, وبالطبع هناك مجهود كبير يقوم به اتحاد كتاب المغرب من عقد لقاءات وندوات, لكن بصراحة شديدة الوضع الثقافي العام في المغرب ضعيف سواء على مستوى اللقاءات أو التناول الاعلامي, فعلى سبيل المثال مدينتي بني ملال لا يوجد بها قاعة عرض واحدة.
الحركة النقدية والفرنسية
* هل هناك تناول نقدي جيد لأعمالك؟
- بصراحة شديدة كان هناك تناول نقدي جيد للرواية الأولى,, فبعد صدور روايتي الأولى التي حصلت بها على جائزة اتحاد الكتّاب، صدرت عشرات المقالات النقدية، لكن في الروايتين التاليتين زغاريد الموت ورمان المجانين لم يكن التناول النقدي على نفس المستوى، وعلى كل حال هي حالة عامة يعيشها النقد الأدبي في المغرب لا تخصني بمفردي، حيث تصدر نصوص جيدة، وأحيانا لا تجد لها حتى ولو اشارة,, والسبب في رأيي هو ان النقاد المغاربة ينشغلون بالدراسات النقدية التنظيرية أكثر مما ينشغلون بالاصدارات الجديدة، ويتناولونها بالنقد التطبيقي، أو فيما يسمي النقد الصحفي.
* ما هي الاختلافات التي تم رصدها بين كل من أعمالك الثلاثة؟
- رغم انني اتحدث في رواياتي الثلاث عن نفس المدينة، الا انه يوجد اختلافات في التناول في كل مرة والكتابة من منظور جديد,, فأنا كما قلت اكتب نصا كل خمس سنوات, وفي هذه الفترة يطرأ بالطبع تغير كبير، سواء على مستوى الواقع المحيط أو المستوى الذاتي الداخلي فقد طالت جملتي الروائية الى حد ما كما اختفت الرؤية الرومانسية المشوبة بحنين الى الماضي، وأصبحت أرى ذلك الحنين هو مجرد انغلاق في الاسطورة، أي نضفي على الماضي سمات الاسطورة وبالتالي لا ننظر اليه بموضوعية.
* هل ما زالت اللغة الفرنسية لها نفس موقعها من التأثير على الثقافة المغاربية ومن ثم على الأدب المغربي؟
- بالطبع ما زالت اللغة الفرنسية حاضرة وبقوة، خاصة لأن المغاربة الآن ينظرون الى الفرنسية كأداة للانفتاح والتواصل مع العالم, ليس كأداة من أدوات الاستعمار كما كان ينظر لها في الماضي.
وبالنسبة للأدب، ما زال لدينا ابداع بالفرنسية خاصة على المستوى الفكري، فالمفكرون المغاربة ما زالوا يكتبون باللغة الفرنسية, وهناك أيضا ازدواجية لغوية فعلى سبيل المثال عبدالله العروي يكتب رواياته بالعربية وكتبه النقدية بالفرنسية، وكذلك سالم حبيش ، حتى في الاعلام توجد هذه الازدواجية,, فهناك نشرات أخبار بالفرنسية وأخرى بالعربية وفي سائر نواحي الحياة أيضا.
تحديات الرواية
* اذا كان ذلك عصر الرواية,, فما هي أهم التحديات التي تواجهها من وجهة نظرك؟
- رغم انني لا أميل لهذه التصنيفات,, الا ان الواقع يقول انه بالفعل عصر الرواية سواء على مستوى الاصدارات أو القراء, وتنبع القيمة الكبرى للرواية من انها تلتهم داخلها كل الاجناس الأدبية الأخرى أو كما يقول باختين هي جنس يحطم نفسه باستمرار على سبيل المثال في رواية عصافير النيل لابراهيم اصلان وجدت بعض المقطوعات الشعرية الرائعة.
وفي رأيي الرواية أخذت مكانتها المتميزة في الثقافة المعاصرة لأنها وكما يقول عنها أحد المفكرين الأسبان هي امبراطورية الشك في مواجهة كل القوالب الفكرية الجاهزة واليقينيات، فالرواية هي الطريق للتغلب على الزيف الذي يعيش فيه الناس, وكما قال هيجل الرواية هي مرحلة تجمع بين شعرية القلب ونثرية الواقع فالرواية هي المؤهلة لاستيعاب المفارقات والالتباسات الموجودة في الواقع، من خلال ميزة من أهم المميزات الموجودة في الرواية وهي السخرية التي تتميز بها عن سائر الاجناس الأدبية الأخرى، أما أهم التحديات التي يواجهها الأدب بشكل عام والرواية بشكل خاص فهي سيطرة وسائل الاعلام والتكنولوجيا على اهتمامات الناس والقراء, فلم يعد الوقت متاحا للقراءة كما كان من قبل.
* وأخيرا ماذا يشغلك الآن؟
- انجزت بالفعل نص الموديلا الصفراء وسيصدر بإذن الله خلال الفترة القادمة، وهو عن منطقة تبعد عن مدينتي بني ملال ب45 كيلو متر تقريبا ، وهي عاصمة الهجرة لايطاليا في المغرب، وتسمى الفقي بن صالح فقد تحولت من الفقر المدقع الى الثراء الفاحش لدرجة انك ترى المرأة عائدة من الحقل الى المنزل وهي تمسك بهاتف جوال في يدها فبالفعل هو عالم غريب تحول تحولا فجائيا لم يستوعبه أهالي المنطقة بعد.
|
|
|
|
|