| شرفات
قال أبو الطيب المتنبي في قصيدة يرثي بها والدة سيف الدولة:
فإن تَفُقِ الأَنامَ وأنتَ مِنهُم فإنَّ المِسكَ بَعضُ دَمِ الغَزَالِ |
يقول العكبري في شرح هذا البيت: المعني: يقول: إن فضلت الناس وأنت من جملتهم، فقد يفضل بعض الشيء الكل جملة، كالمسك وهو بعض دم الغزال، يفضله فضلاً كثيراً, والمقصود: إن فاق الأنام (سيف الدولة) وهو منهم وفَضَلَهم مع مشاركته في الجنس لهم، فالمسك من دم الغزلان في أصله، وسائر دم الحيوان يقصر عنه، وربّ واحد بدّ أمة، وبعض قد فات جملة, وقال الواحدي (من شراح ديون المتنبي): قال أبو الحسن محمد بن أحمد الشاعر: كان سيف الدولة يُسر بمن يحفظ شعر أبي الطيب، فأنشدته يوماً
رَأيتُكَ في الذين أرى مُلوكاً كأنك مُستَقِيمٌ في مُحَالِ |
(هذا البيت يسبق البيت السابق), فقلت، وكان أبو الطيب حاضراً: هذا البيت والذي يتلوه لم يسبق إليه، فقال سيف الدولة: كذا حدثني الثقة أن أبا الفضل محمد بن الحسين قال كما قلت، فأعجب المتنبي واهتز، فأردت أن احركه، فقلت: إلا أن فيه عيباً في الصنعة فالتفت المتنبي التفات حنق، وقال ما هو؟ قلت قولك مستقيم في محال والمحال ليس من ضد الاستقامة، بل ضدها الاعوجاج، فقال الأمير: هب هذه القصيدة جيمية، فكيف تعمل في تغيير قافية البيت الثاني؟ فقلت عجلاً كرد الطرف:
فإنَّ البَيضَ بَعضُ دم الدَّجاج
فضحك، ثم ضرب بيده الأرض، وقال حسن، مع هذه السرعة إلا أنه يصلح أن يباع في سوق الطير، لا مما يمدح به أمثالنا يا أبا الحسن.
لقد تطرق أبو الطيب في بيته السابق بصورة مباشرة إلى حقيقة علمية معروفة، واستطاع أن يستثمرها في إضفاء صفة محمودة لممدوحه، فالمعروف علمياً أن هناك نوعاً من الغزلان هو المصدر الأساسي لطيب المسك.
ورد في مجلة العربي الكويتية العدد: 86، 1385ه 1966م، بأن المسك هي كلمة عربية،وهي اسم لطيب من الأطياب القليلة التي مصدرها حيواني, وجاء المسك في القرآن الكريم في وصف الابرار,, والمتنبي يصف سيف الدولة فيقول :( البيت السابق), وهذا يشير إلى مصدر المسك أنه الغزال,وليس كل غزال مما عني المتنبي،ولا كل ظبي، ينتج المسك، وإنما الذي ينتجه أَيل يعرف بأيل المسك MUSK DEER، واسمه العلمي:
MOSCHUS MOSCHI FERUS، وهو حيوان له شكل الغزال عامة, طوله يبلغ نحو المتر إلا قليلاً، وارتفاعه عند الأكتاف يبلغ نحو نصف المتر, وشعره بني رمادي، وهو طويل وخشن، وسهل المكسر, وايل المسك خواف، يسعى يطلب طعامه ليلاً, وهو سريع الهرب لهذا لايجد الصيادون إلا نصب المصائد سبيلاً إليه, وهو يقطن غابات الهملايا، ويفضل أعاليها، وتمتد مساكنه إلى التبت وإلى سيبيريا، والشمال الغربي من الصين،واواسط آسيا عامة.
أما المسك فيوجد من هذا الأيل في كيس يبلغ حجم البرتقاله، في بطنه عند الفتحة القلفية للذكور دون الإناث طبعاً، ففي هذا الكيس يفرز الايل مسكه, فالذكور من ايل المسك، هي وحدها مصدر المسك, ولابد من قتل الأيل الذكر أولاً ثم فصل هذا الكيس، أو الغدة فصلاً كاملاً، ثم تجفيفها في الشمس، أو على حجر، أو تغطس في زيت ساخن, والمسك يظهر في الاسواق إما علىصورة الغدة كاملة أومستخلصاً علىشكل محبب.
وأحسن أنواع المسك هو الوارد من الصين أو التبت، ويليه الوارد من آسام ونيبال، وأقلها جودة الوارد من سيبيريا، والمسك الجيد، مادة جافة قاتمة اللون، أرجوانية ملساء مرة المذاق, ومن الغريب ان المركّز منه له رائحة لاتحمد، ولكنه إذا خفف طاب وامتع, وهو يستخدم في الروائح العطرية، وأكثر اصولها النبات، وهو يعطيها نفاذاً ودواماً,
ورائحته أبقى من كل الروائح جميعاً.
إضافة لما تقدم فالمعروف علمياً أن جميع افراز الغدد في الإنسان والحيوان يلعب الدم الدور الرئيسي فيها، وعلى هذا الأساس فقد صدق الشاعر بقوله:
فإن المسك بعض دم الغزال.
* المراجع:
العكبري، أبو البقاء، التبيان في شرح الديوان, دار الفكر.
|
|
|
|
|