| تحقيقات
*تحقيق/ رياض العسافي
السرطان مرض قديم,, جاء وصفه في آثار قدماء المصريين,, وقد سماه بهذا الاسم ابو قراط ابو الطب في القرن الخامس الميلادي، وذلك لما يوجد من تشابه بينه وبين الحيوان البحري المعروف علميا باسم السرطان والذي يعرف باسم الكابوريا ,, فالمرض كهذا الحيوان يطبق على فريسته في اي موضع من جسمها ثم يمد اطرافه المتعددة في جميع الاتجاهات,, ورغم قدم المرض فإن درجة انتشاره لم تتضح الا خلال القرن الماضي، ولذلك ارتبط بالاذهان انه مرض من امراض المدنية الحديثة، وانه يتزايد مع زيادة تقدم الدولة,, والحقيقة ان هناك عوامل تؤدي الى زيادة انتشاره مع التقدم الحضاري في اي دولة، واولى هذه العوامل زيادة متوسط العمر مع تقدم الحضارة,, ومن المعروف ان الاصابة بالسرطان تزداد بنسبة كبيرة بعد سن الاربعين وتزداد مع زيادة السن,, ويؤكد الاطباء انه يمكن وقف هذا المرض في اكثر الحالات والسيطرة على العوامل المسببة له وازالتها,, لو اكتشفت الاصابة في وقت مبكر.
ما هو السرطان
والسرطان مرض خبيث ينشأ من نمو احد خلايا الجسم نموا غير عادي وهو غير خاضع لقوانين التغذية والنمو العادي في جسم الإنسان,, وليس لهذا النمو نهاية.
والسرطان لا يدقق في اختياره,, انه يهاجم كل عضو او نسيج في الجسم تقريبا,, وفي الاجزاء السطحية من الجسم يمكن معرفته واستئصاله قبل ان يحدث ضررا كبيرا,, لكن في الاجزاء الداخلية يصعب تشخيص مرض السرطان في الادوار الاولى من نموه حتى تكون هناك فرصة للتغلب عليه مثل سرطان الجهاز الهضمي والرئتين,, وفي الحالات المتأخرة للسرطان تغزو الخلايا السرطانية الانسجة المجاورة بطريقة مباشرة ثم تغزو الاعضاء البعيدة بواسطة الاوعية الليمفاوية والاوعية الدموية ويسمي الاطباء هذه المضاعفات بالثانوية,, فمثلا سرطان الثدي في السيدات يبدأ في الثدي ثم تظهر الثانويات في الابط المقابل لهذا الثدي، ثم في الرئتين والكبد والعظام، كما يقول اطباء الاورام.
وصعوبة اكتشاف السرطان في مراحله الاولى لاستئصاله قبل ان ينتشر ويستشري ضرره مرجعها ان المريض لا يشعر به في بدايته لأنه لا يحدث أي آلام في اول أمره، إلا ان التقدم العلمي في طريقة التشخيص وخاصة الطرق المعملية يسّرت الى حد كبير اكتشاف السرطان في مراحله الاولى بصرف النظر عن موضعه داخليا كان او خارجيا,, وتوصل الطرق المعملية الى الكشف عن مواد معينة تكونها الاورام السرطانية وتوجد في دم المصاب دون المريض.
والنذير الذي تحذر من الاصابة بالسرطان والذي يتطلب استشارة الطبيب فورا,, قرحة مزمنة في أي مكان في الجسم,, اي ورم في اي مكان في الجسم,, الافرازات الغريبة مثل النزيف من اي فتحة من فتحات الجسم,, اي تغيير في العادات الهضمية العادية في المسنين مثل الامساك او الاسهال او الاثنين معا بطريقة غير منتظمة,, اي ضعف مستمر خاصة عند المسنين,, اي وحمة في الجسم تتغير او تكبر,, وعند السيدات ظهور اي ورم في الثدي في اي سن، او نزيف او افراز مهبلي في سن اليأس وبعد 45 سنة الذي تنقطع بعدها الدورة الشهرية العادية.
وقد التقت الجزيرة مع الدكتور شوقي بازار رئيس قسم الاورام بمستشفى الملك فيصل التخصصي والدكتور عبدالكريم المؤمن استشاري امراض الدم بمستشفى الملك خالد الجامعي لتقديم مزيد من الايضاح حول هذا الموضوع,.
نحن أقل من غيرنا
* هل فعلا لدينا أعلى نسبة للاصابة بالسرطان؟
اذا كان المقصود اعلى نسبة مقارنة بالبلاد الغربية فالجواب بالطبع لا، ففي الواقع ان نسبة حدوث السرطانات في المملكة بالسنوات ما بين 1994 1996 هي 72 حالة لكل مائة الف نسمة من السكان وهذه النسبة تعادل حوالي خمس من نسبة حدوث السرطانات في الدول المتقدمة حيث وصلت النسبة في الولايات المتحدة الامريكية الى 3390 لكل مائة الف نسمة,.
والنسبة تقريبا مقارنة في الدول الاوروبية مثل بريطانيا وفرنسا وغيرهما,, لذا تعتبر المملكة العربية السعودية والحمد لله من الدول التي تتمتع بنسبة غير عالية لحالات حدوث السرطانات.
أما اذا كان المقصود بالمقارنة مع الدول العربية الشقيقة فالجواب غير معروف حيث ان اغلب الدول العربية لا تسجل حالات السرطان فيها لذا يصعب معرفة نسبة حدوث هذا المرض لديهم,, وتسعى المملكة العربية السعودية على الدوام بدور قيادي ومن خلال مجلس التعاون لدول الخليج العربية لإنشاء سجلات مركزية لتسجيل الاورام في كل دولة من دول المجلس، وقد جاء قرار المقام السامي بالموافقة على انشاء مكتب للسجل الوطني للاورام في المملكة ويقع في مستشفى الملك فيصل التخصصي ويقوم بجمع معلومات سجلات الاورام في دول مجلس التعاون وتحليلها ودراستها.
وأيّد الدكتور عبدالكريم المؤمن زميله في الاجابة مضيفا ان الاحصائيات الحديثة تدل على ان نسبة الاصابة بالسرطان تماثل او اقل من النسب المنشورة في العالم حسب احصائيات منظمة الصحة العالمية.
واجمع د, شوقي ود, المؤمن على أنه ليس هناك اسباب واضحة للاصابة بالسرطان.
دور التغذية وتلوث الجو
* هل التغذية او الادوية او الاجواء لها علاقة بالاصابة بهذا المرض الخبيث؟
نعم لكن من الصعب تحديد مدى هذه العلاقة، فعلى سبيل المثال اظهرت بعض الدراسات البيئية وجود علاقة بين حدوث سرطان الثدي وكمية الدهون المستهلكة من الاصابة بهذا المرض حيث ان نسبة حدوث سرطان الثدي تزداد عند النساء اللاتي يتناولن وجبات غنية بالدهون خاصة الدهون الحيوانية ولكن ما هو غامض وغير معروف الطريقة التي تعمل بها الدهون في زيادة نسبة حدوث الاصابة بهذا المرض، وهناك عدة نظريات لم تتأكد إلى الآن لذا تبقى مسألة زيادة نسبة الاصابة بسرطان الثدي عند تلك النسوة هي علاقة وليست سببا او نتيجة.
وكذلك هناك علاقة بين كمية الالياف المأكولة ونسبة حدوث سرطان القولون الامعاء الغليظة ، وقد لوحظت هذه العلاقة من بعض الدراسات البيئية وعلى عكس حالة سرطان الثدي فإن الالياف المأكولة تعطي عاملا مانعا لحدوث سرطان القولون وتقلل من نسبة حدوثه، ولكن كما هو الحال في الدهون فإن الطريقة التي تعمل بها الالياف الوجبات الغنية بالالياف لتقلل من نسبة حدوث سرطان القولون غير معروفة مع وجود عدة نظريات لم تثبت حتى الآن.
اما بالنسبة للاجواء فبالطبع لها علاقة واضحة في حدوث مرض السرطان، حيث اثبتت الدراسات في الولايات المتحدة ان نسبة حدوث الاورام الخبيثة في المدن الكبيرة والتي ينتشر فيها تلوث البيئة تفوق المدن الصغيرة والقرى الريفية كثيرا.
اضف الى ذلك ان نسبة حدوث سرطان الرئة للاشخاص المتعايشين مع المدخنين في منازلهم اكثر منها للاشخاص المتعايشين مع غير المدخنين، وقد ثبت ذلك فعليا في دراسات بيئية.
أما بالنسبة للأدوية فالمسألة اكثر تعقيدا ولكن باختصار هناك بعض العقاقير الكيمائية التي تستخدم في علاج حالات السرطان تسبب حدوث سرطان آخر ولكن هذه النسبة ضئيلة جدا حوالي 2 3% من المرضى المتعالجين .
وعلى عكس من ذلك فهناك من الادوية التي اثبتت قدرتها على خفض نسبة حدوث السرطان وعلى سبيل المثال: اثبتت الدراسات ان اخذ ستة اقراص من الاسبيرين اسبوعيا يخفض نسبة حدوث سرطان القولون، كما اثبتت دراسات اخرى ان كل من عقار التاموكسفين والرولاكسوفين يخفض نسبة حدوث سرطان الثدي عند النسوة ذوات الاحتمالات العالية كوجود حالات مشخصة في الاقارب مثل الاخت او الأم.
ولكن لماذا لا ينصح الاطباء بأخذ هذه الادوية للناس كلها؟ وجواب ذلك ان اي عقار يستخدم يجب ان يكون ايجابياته اكثر من سلبياته، وان هذه الأدوية المذكورة اعلاه وان كان بعضها موجودا في الاسواق لسنوات عديدة ولكنها لاتزال تخضع لدراسات مكثفة لمعرفة ما اذا كان خاصية خفض نسبة حدوث السرطان اكثر ايجابية من الاعراض الجانبية التي يمكن ان تحدثها هذه العقاقير.
د, المؤمن: معظم انواع السرطانات لا يوجد لها سبب معروف إلا انه بعض الانواع يوجد لها سبب مثل تليف الكبد الذي قد يؤدي الى سرطان الكبد والتدخين قد يؤدي الى سرطان الرئة.
النسبة في النقصان
* كم عدد المصابين بالسرطان في المملكة؟
د, شوقي: بلغ عدد المصابين بالسرطان في المملكة خلال عام 1994 5703 حالة سرطان و5452 حالة في عام 1995 و5139 حالة عام 1996, وكما ذكرت آنفا ان هذا العدد يعتبر منخفضاً مقارنة بالدول المتقدمة مثل امريكا واوروبا حيث تساوي 72 حالة سرطان لكل مائة الف نسمة من سكان المملكة.
* كم عدد الذين توفوا بهذا المرض؟
د, شوقي: الجواب غير معروف، حيث يسجل السجل الوطني للأورام الحالات التي تشخص فقط انما هناك خطة مستقبلية للسجل وهو معرفة عدد حالات الوفيات من هذا المرض وهذا يتطلب ان يسجل سبب الوفاة بشكل دقيق على كل شهادة وفاة لكي يتمكن السجل الوطني للاورام من معرفة عدد الحالات وما هي الانواع التي تسبب الوفاة اكثر من غيرها، وبإذن الله تعالى ستكون هذه المعلومات متوفرة في السنوات المقبلة.
التوعية ضرورية
* وبعد,, هل هناك علاج لهذا المرض الخبيث؟
د, شوقي: نحن نعمل جاهدين لمعرفة أي عامل مسبب لحدوث هذا المرض وعليه بمشيئة الله تعالى نمنع حدوث المرض وهذه مرحلة طويلة نتوقع لها ان تستمر سنوات طويلة ولكن هناك شيء آخر يمكن عمله وهو اكتشاف هذه الاورام مبكرا ويمكن بعد ذلك خفض نسبة الوفيات، وهذا يتطلب التوعية الدائمة للمواطنين والتي لم تصل الى الحد المطلوب الى الآن.
فعلى سبيل المثال فإن نسبة حدوث سرطان الثدي المتقدمة أي التي يصعب علاجها تصل الى 30% في الدول الغربية بينما تصل الى 70% في المملكة وسبب ذلك ان المريضة تطلب نصيحة الطبيب متأخرا كما انها لا تمارس الاكتشاف المبكر عن طريق الاشعة السينية للثديين ماموغرام سنوياً لكل امرأة تخطت الاربعين والفحص الدوري المنتظم لكل فتاة تتخطى سن الثامنة عشرة، لذا يجب ان نكثف جهودنا في هذا المسار اضافة الى التوعية اللازمة للجيل الصاعد عن التدخين ومضاره وما قد يتسبب من زيادة نسبة حدوث اكثر من عشرة انواع من السرطانات اهمها سرطان الرئة.
واعتقد ان اهم خطوات العلاج هو التوعية الصحية عن طريق جميع اجهزة الإعلام والوحدات الصحية الاولية.
د, المؤمن: كما يقال الوقاية خير من العلاج ويجب ان نحرص على الوقاية من العدوى بفيروسات الكبد والاقلال من تلوث البيئة.
السرطان يظهر في سن متقدمة
وبعد ذلك توجهت الجزيرة الى الدكتور ناصر بن عبدالرحمن الحمدان رئيس السجل الوطني للأورام القابع وسط مستشفى الملك فيصل التخصصي الذي اكد ان المملكة من بين الدول المنخفضة في معدل الاصابة بالسرطان مقارنة بدول العالم الاخرى بما فيها دول المنطقة المحيطة بها، وعزا ذلك الى التركيبة السكانية في المملكة تركيبة شابة يغلب على سكانها صغار السن والمعروف ان السرطان من الامراض المزمنة التي لا تظهر الا في سن متقدمة، واضاف ان سكان المملكة لم يبدأ فيهم تغيير بعض العادات السلوكية السليمة الى عادات غير صحيحة في الاكل والشرب والعمل والتعرض للتغييرات البيئية الا في السنوات القليلة الماضية، لذلك ما زال الوقت مبكرا للتصدي لهذا المرض والاستفادة من تجارب الدول الاخرى في الحد من ارتفاعه وانتشاره وهذا ما يخطط له في الوقت الحاضر القائمون على القطاعات الصحية في المملكة.
وعن عدد حالات السرطان المشخصة بين السعوديين في المملكة اجاب د, الحمدان: بلغ عدد الحالات للاعوام 1994 الى 1996 16294 حالة وفقا لاحصائيات السجل الوطني للاورام، بلغ عدد الذكور 8791 حالة بنسبة 54% وعدد الاناث 7503 حالة بنسبة 46% اي نسبة الذكور الى الاناث هي 1,2:1 وبلغ المعدل الخام لظهور السرطان بين السعوديين 39 حالة لكل مائة الف مواطن.
ومتوسط عمر مريض السرطان عند تشخيصه هو 52,6 عاما للرجال و47 عاما للنساء وقد حدثت 60% من حالات السرطان بين 15 و64 سنة.
سرطان الكبد الأعلى انتشاراً
وعن أنواع السرطانات المنتشرة في المملكة بين الرجال والنساء اجاب د, الحمدان: يعد سرطان الكبد الأعلى انتشارا بين الرجال في المملكة بنسبة 10,3% يليه سرطان الغدد الليمفاوية بنسبة 8,5%، بينما يعد سرطان الثدي هو الأعلى انتشارا بين السعوديات بنسبة 19,1% يليه سرطان الغدة الدرقية بنسبة 8,8%.
السرطان ليس معدياً ولا وراثياً
والسرطان ثبت علميا بأن نشاطه يختلف من بيئة من البيئات الجغرافية لاخرى ففي شرق اوروبا وروسيا ينتشر سرطان المعدة بين الرجال، بينما يندر انتشاره في مصر التي ينتشر فيها سرطان المثانة البولية بين الرجال بسبب وجود مرض البلهارسيا في الريف,, وفي وسط افريقيا ينتشر سرطان الكبد والمريء الذي يقل الاصابة به في مصر واوروبا وامريكا.
والسرطان مرض غير معد لا ينتقل من المريض الى السليم بالتلامس وقد فشلت جميع التجارب التي اجريت لاصابة السليم عن طريق التلامس المباشر بينه وبين المصاب، بالاضافة الى انه قد مضت آلاف السنين منذ عرف الطب هذا المرض دون ان يسجل اي شيء عن وباء سرطان كان لابد ان يحدث لو كان السرطان مرضا معديا.
ولم يثبت ايضا ان السرطان مرض وراثي سواء في الانسان او الحيوان وكل ما هناك انه مع سعة انتشاره يندر ان توجد اسرة لم يصب احد افرادها به خلال عدة اجيال ولكن من المؤكد انه اكثر انتشارا في بعض الاسر ويفسر ذلك بأن أفراد الاسرة الواحدة لهم من العادات والعوامل الخارجية والداخلية المتشابهة الخاصة بهم والتي تنتقل الى افراد تلك الاسرة عبر الاجيال ما يؤدي الى ظهور السرطان في عدد من افراد تلك الاسرة.
المعدل المقارن لحدوث السرطان للرجال لكل مائة ألف
المملكة العربية السعودية
72,2
الكويت
106,7
الجزائر
111
شانغهاي الصين
230,5
النرويج
266,4
لوس أنجلوس
374,5
|
|
|
|
|