|
| الاخيــرة
دخلت تقنية الهاتف المحمول في حياتنا اليومية كواحدة من التقنيات الحديثة المتسارعة, وأخذ البعض يتعامل معه بمفهوم حضاري يتماشى مع الغرض الذي من أجله يتم اقتناؤه، غير أن البعض الآخر تجاوز ذلك المفهوم إلى مفهوم آخر أبعد بكثير عن الغاية والمدلول من الاقتناء, فأي مبرر يمكن قبوله ممن لا يقف هاتفه حتى ولو لبضع دقائق؟ وأي عمل إنتاجي يتطلب هذا السيل من الاتصالات؟ لقد أحصيت لأحد الأصدقاء عشر اتصالات في مدة لا تتجاوز نصف الساعة، واستمرت الحال على ما هي عليه مدة مكوثه معي، فرثيت لحاله، وعلمت أن الأمر تجاوز ما هو مقبول إلى مرض نفسي يحتاج إلى علاج.
إن من غير المقبول أن تسمع الهاتف المحمول يطلق أصواته داخل المسجد أثناء تأدية الصلاة، كما أنه من غير اللائق أن يدخل أحد المراجعين على الموظف، وبعد البدء في الحديث إذا بالمراجع يستقبل محادثة عبر الهاتف المحمول فيبقى الموظف صامتاً ينتظر انتهاء المحادثة قاطعا بذلك عملا يحقق المصلحة العامة, كما أنه من غير المقبول استقبال محادثة في مجلس اجتمع فيه بعض الضيوف لينقطع الانصات لمتحدث ما بسبب محادثة جانبية عبر الهاتف المحمول.
إن الكثير من المحادثات عبر الهاتف المحمول يمكن الاستغناء عنها، كما أن معظمها يمكن اختصارها، لكن المجتمع العربي في معظمه والمجتمع السعودي جزء منه جبل على نمط مميز من العلاقات الاجتماعية والترابط الوثيق، واتساع رقعة المعارف، وهو بهذا يختلف عن المجتمع الغربي مثلا الذي تقتصر معارف الفرد فيه على عدد محدود جدا من الأصدقاء، وفي توفر الهاتف المحمول وسيلة مثلى للاستمتاع بالوصل والاتصال بقريب وصديق وزميل، فإذا لم يضع المرء قيودا ذاتية على رغباته، فإنه سيكون أسير تلك الرغبات، وسيجري في إشباع ذاته من خلال التواصل الذي ألفه كجزء من حضارته وتراثه وعاداته, والتواصل في أصله محمود غير أنه قد يكون مذموماً إذا كان ضرره أكثر من نفعه، ولا سيما إن كان ذلك التواصل عبر الهاتف مانعاً للوصال الشخصي، إضافة إلى تحميل المرء تكاليف مادية تنوء بحملها محفظته.
إن تكاليف الهاتف المحمول اصبحت تمثل نسبة غير يسيرة من اجمالي مصروفات الاسرة وهي مصروفات دخيلة لم تكون مألوفة قبل خمسة أعوام، ولكونها تمثل نسبة غير يسيرة من إجمالي المصروفات فإن الامر يتطلب زيادة في الإيرادات مقابل تلك الزيادة في المصروفات، فإذا كان واقع الحال غير ذلك، فمن المؤكد أن تغطية تلك المصروفات الدخيلة يحتاج إلى مصدر تمويل إضافي أو نقص في المصروفات الأساسية، وإذا تعذر تحقيق أي منهما فإن الاستخدام غير الأمثل للهاتف الجوال سيفرز مشاكل اجتماعية ومالية لم تكن في الحسبان، ولا يدركها غير ذوي الفطنة والنهى.
إن مقتضيات المنطق أن نتعامل مع التقنية الحديثة بما فيها من إيجابيات، ولكن من الحكمة أن نحد من سلبياتها بقدر المستطاع، وبعد ذلك كله أن نكون قادرين على المساهمة في إنتاجها حتى يمكن تغطية تكاليف استخدامها.
|
|
|
|
|
