إيه يا بدور,,.
تُذكِّرينني في حزنكِ,,, بحزني,,.
ألا تعلمين أن طلباً ذات يوم جاءني وكنتُ في شارفة الدرب أتردد، مقبلةً كفرس امرىء القيس، مكرةً,,,، مفرةً,,, يقول لي: احزني,,, تَطهَري!، ومذ ذاك عقدتُ، وأبرمتُ، وتعاهدتُ مع الحزن في ميثاق ما انحل له ولا فيه شيء,,.
لكن,,.
حزنكِ في فقدكِ,,, ُيماثل حزني في فقدي,,.
والحزن ليس ألواناً، ولا أشكالاً,,, فالإحساس يعرف بوتقةً واحدةً يُصهر فيها، وعنها يخرج، ومنها يَعبُر إلى الآخر,,.
شكل الحزن، سلوك الحزن,,,، ذلك ما نُميزه به، لا ما يميِّزنا به,,.
أنتِ فقدتِه،
وإني فقدتُها،
وكلاهما لم يتكررا,,,، ولايتكرران,,.
أما أنتِ، وأما أنا,,, فتعالي أحدثكِ,,.
وهَيت لكِ مقالتي:
حين استويتِ أمامي بوفائكِ,,, أدركتُ أنني ما أخطأت إليكِ الأمومة ولا البنوة، ولا الإحساس بهما,,.
كنتِ في هدوئكِ، وصدقكِ، خير من يعبِّر عن الصدق وعن الوفاء,,.
أتدرين يا بدور، أن الفقد يصيبنا في اللحظة الواحدة، بقدر اللحظة الواحدة؟
نفقد من تنبضُ بهم الحياة,,.
ولا أشك أنكِ تدركين فقد الأحياء من حولكِ,,.
لكن من فقدناهما,,, لايزالان باقيين، لا يغادران,,.
ويقيني أضمه إلى يقينكِ,,, في أنهما معنا,,, يتحركان في اللقمة، والهمسة، والنظرة، والصوت، والرؤية، و,,, حتى الكلمة تخرج في زفير التعبير والبوح، وتستقر في عبور الشهيق,,, والآهة,,.
لكن؟
لأنني إليكِ,,,، ولأنها إليكِ,,, ولأنكِ لنا وقدة الشوق إلى فسحة الفرح وبهجة الأمل,,, فإني لا أريدكِ أن تمارسي الحزن في ثوب داكن,, أنتِ من يحيكُ أنسجته كيفما يريد,,.
أعهدكِ ذات إرادة قوية، وهو يعهدكِ كذلك؟ فكيف بالله عليكِ تغلِّفين إرادتكِ في لفائف الصمت، وتخبئينها في صندوق العزلة، وتقذفين بها مع القوافل الرائحة لا الغادية؟!
وأنتِ الغدوُّ لي، ولها، ولكِ منا يقظة الإحساس بكِ,,.
حزنكِ وحزني,,.
دعيهما لايفترقان إلا عند حدود موقع القافلة تلك التي تقلُّ الصندوق أو تلك التي تأتي به,.
وعندما تتسلمينه من الحادي الحزين,,.
أفرجي عنه نافذة الانطلاق، أو حتى ثقب التنفس,,, ودعيني يا بدور أتلقاه عنكِ
أتدرين بأنني سأحتفي بحزنكِ، بمثل ما أحتفي بحزني؟
لا تتوقعي أنني سأطهر وحدي,,.
لأنكِ تعلمين يقيناً أنني مغموسة في نهر الحزن ولا أخرج منه أبداً,,.
لكنني أعلم منه ما لا تعلمين؟
أنتِ فقط تدرين أن ماء النهر حلو المذاق، و,,.
وأنتِ فقط تعلمين أن ماءه يشدُّ إلى عمقه شداً؟
وهناك رابطة بين المذاق الحلو، والقدرة على الجذب؟
النهر يا بدور قادر على احتوائكِ,,, بمثل ماهو صادق في تطهيركِ,,.
لكن دعيني أمنحكِ من صفات النهر,,, ما يجعلكِ تسلمينني صندوق حزنكِ، وتغادرين إلى حيث زمنكِ الواقف على مشارف الشباب، والحياة، وانطلاق الشمس، وزهو القمر.
النهر يحفظ ولا ينسى، والنهر يدفىء ولا يبرد، والنهر يمنح ولا يأخذ، والنهر يجري ولا يتوقف، والنهر ما دمتِ ترفدينه فلا ينضب,,, هو قائم لكِ ولاينتهي إلا بكِ,,, وهو,,, صديق الآهة، ومستودع الأمل، وهو، حافظ الصورة، مكنون الطعم، وهو,,, صدق كبير تدرينه أو لا تدرينه,,, لكنه لايغدر إلا؟ إذا حسبتِ أن ما فيه حصى، أو أعشابٌ!!
يا بدور: أنتِ لي ضوءٌ,,.
فلا تحرميني أن أتلمس عليه بريق الوفاء في الحزن بمثل ما أتلمس عليه شارفة الطريق الذي أعبر,,.
فهلّا كان حزنكِ لي، ومعي، وتحفظين من فُقد ولم يُفقد، مع من لم تفقدكِ ولن يكون؟!,, وهلَّا تقبلتِ مني مسحة الطهر كي تتعطري بها وأنت تحملين النهر إلى مشارف القوافل؟
*** لكِ وحدكِ:
أنتِ في كل الذي أقول، وعند كلّ الذي أنطق,.
أنتِ نقطة البدء,,.
وأنتِ نقطة الانتهاء,,.
فوق كفيّ، عند معصمي، تنبضين بمثل ماتنبض ساعة الوقت الذي يتجلَّى عند وقع قدومكِ، أو إشراقة حضوركِ ويسري في العروق وجودُكِ,,.
ولكِ وحدكِ,,.
حيث لاتغادرين مهما حملت القوافل في غدوِّها ورواحها الفاقدين أو المفقودين.
|