أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th April,2000العدد:10073الطبعة الأولىالخميس 22 ,محرم 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
إعلام الثقافة,, وثقافة الإعلام,,!
ريمة مبارك
آخر ما كانت قد حققته جهود أجدادنا من منجزات في مجال تقنيات الاتصال رغبة في الانتصار على تضاريس الجغرافيا والوحشة في عزلة المكان والمقام هو القصيدة,,! كانت القصيدة وزارة كاملة للإعلام لدى القبيلة وكان الرواة هم أقمارها الفضائية التي تطيّر متنها مثل البيانات السياسية والعسكرية، وتنشر الأخبار فيها، وتحمل الوعيد والتهديد، أو تقدم الشروح او تؤكد على النصح والإرشاد,, وربما من هنا وجد اصحاب الدعوة الى وظيفة اجتماعية للأدب ضالتهم في الاستشهاد على مدى الدور وأهميته، وهو دور رأى هؤلاء أن أشكال النتاج الإبداعي قد أكدت عليه في أزمنة تالية، لعبت فيها الرواية دور المعلم والمرشد الاجتماعي، وقدمت القصة القصيرة خلاصة الموعظة والحكمة وفي ظل هذا الدور كانت للرواية مهمتها الإعلامية ايضاً التي جعلتها بمثابة الأفلام قبل ان تنشأ صناعة السينما، مثلما كانت القصة بمثابة التمثيلية الإذاعية أو التلفزيونية قبل انتشار هذا النوع من البث, وتأكيداً على هذا الدور الاجتماعي للأدب ترسمت لأشكال الإبداع الأدبي شروط ومواصفات عُد الخروج عليها، وعُدت محاولات التجريب لأشكال جديدة، أوتغليب الشكل والصياغة على الوظيفة والمهمة، ضرباً من المروق والخيانة, ودون الإيغال في الأزمنة القديمة، ففي نصف القرن الماضي قد نرى أن انتاج الخمسينات من الرواية كله بقي مخلصاً لهذا الدور، بدءاً من أحمد السباعي إلى محمد عبدالحليم عبد الله وامين يوسف غراب وجاذبية صدقي ويوسف السباعي ويحيى حقي ونجيب محفوظ وطه حسين وغيرهم، مع اختلافات نوعية شديدة بين كاتب وآخر، بل ان كاتباً مثل توفيق الحكيم قد تمثل فيه الولاء والمروق معاً، فيما انتج في بداياته وما أنتج في أواخره, ومن هؤلاء جميعاً عرفنا صوراً للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ودراسات متعمقة في السلوك والطبائع تشكل موسوعة لعلم النفس فإذا افترضنا ان النتاج الأدبي حتى ذلك الحين لم يكن قد تخلى عن دوره الإعلامي تبقى الحقيقة التي لا جدال فيها في ان المعطى الثقافي في ذلك النتاج بطغيانه، قد ابتلع في جوفه كل غاية إعلامية حتى ذوبها تماماً، وساعده بعد ذلك انتقال المهمة الإعلامية بشكل سافر وصريح الى أجهزة وأدوات متقدمة تواصل تقدمها للاتصال والبث ونشر المعلومات.
هل استراح الأدب والأدباء من عبء إعلامي رفع عن كاهلهم، أم أن الأدب بالتدريج فقد بعض مواقع الأهمية بانحسار المهمة؟ خاصة وان ادوات الإعلام من الصحافة الى البث تتميز بقوة الانتشار وسطوة الجذب وسهولة الوصول الى من لايعرفون القراءة قبل غيرهم، وانها في الوقت ذاته قد حرصت على رد الدين القديم برعاية الثقافة كجانب ثانوي من أدائها الوظيفي التقليدي.
لا بأس من هذه التحولات التي تمليها ظروف العصر وحركة الحياة، ولكن البأس كله فيما يمكن ان نلاحظه من نتائج لهذه التحولات في كثير من الأحيان تفلت من وعينا: أولها وليس اهمها ان المادة المعرفية قد تغيرت جذرياً مع ذلك التحول فالإعلام الثقافي الذي ينهض به الأدب قد كان ينطوي على مادة معرفية بالغة الأهمية ثقافياً بينما الثقافة الإعلامية التي يمكن ان تتراكم من متابعة فعاليات الترفيه وتمضية الأوقات ومعالجة الملل، وبما تتميز به من سرعة الايقاع وسرعة التغير، يأتي في مقدمتها نجوم الكرة العالمية ونجوم المسلسلات بدلاً من أعلام الفكر وأبطال الروايات، واحتلت الأغنية والمطرب مكانة القصيدة والشاعر إلى آخر تلك السلسلة من تبدل المواقع وبدخول أدوات الفضاء اتسع المدى امام هذا الهم الجديد، لتصبح الصرعات الشبابية العالمية هي البديل لتيارات الفن والأدب العالمية,,! وثانيها وأهمها ما حل باللغة التي كانت أداة وحيدة ظلت تتلقى فائق الرعاية في النحت والصقل حتى راقت وصفت، وتقلصت المسافة حد التلاشي بين لغة المعاجم ولغة المجاز، وفي كل هذه المراحل، وعند مداخلات مفردات جديدة تثريها كان دائماً الاحتكام الى ما قال به العرب لقد ضاع هذا الدور للغة المكتوبة وحل مكانها مفردات اخرى مما تراه العين او تسمعه الأذن وبين تمعن العين للمكتوب وتركيز الذهن وبين تلقيها للصور خارج الرأس ضاعت قدرة التأمل ورغبة التفكير,, الظاهرة عالمية بلا شك ولكن وعينا بها قد يكون قادرا على تجنيبنا بعضاً من الخوف.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved