أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 27th April,2000العدد:10073الطبعة الأولىالخميس 22 ,محرم 1421

الثقافية

الأندية الأدبية: موقعية,, تقتنص الجاهز,,!
محمد الحرز
هل حقا تعيش الاندية الادبية في ساحتنا ازمة حقيقية!؟ وهل هي مجرد مقولات وهمية ام ان لها سنداً مرجعياً في الواقع تمتاح منه!؟ وعلى افتراض واقعيتها ففي اي اتجاه تنحو هذه الازمة؟ وعلى اي مستوى تكون!؟ والاهم من ذلك هل هي تشكل مأزقا يدرك مدى خطورته كل من المثقف والمبدع والفرد المسئول على حد سواء!؟
يبدو لي انها نماذج جزئية من اسئلة ضاغطة على مشهدنا الثقافي بوصفها:
اولا: اسئلة تشكل هاجسا يأتي من عمق الهامش المكبوت.
وثانيا: بوصفها اسئلة تنتمي الى واقع ازمة المؤسسات الثقافية في وطننا العربي بوجه عام, وهنا تكمن حالة من الفوضوية، تطال مسألة في غاية الحساسية الا وهي مسألة الانتاج الثقافي المعرفي داخل المجتمع وداخل انساقه الثقافية التي تتحكم بمجمل العلاقات الاجتماعية سواء على الصعيد الفردي او الجماعي، بحيث يصعب معها فرز الاشكاليات، وتصنيفها حسبما تقتضيه آليات الوعي للفكر النقدي، وحسبما تفرضه المتغيرات الاجتماعية على الوعي الجمعي، وذلك في تشكيل رؤيته وموقفه تجاه كل القضايا والازمات التي هي وثيقة الصلة بانتاجه الفكري والثقافي داخل حركية المجتمع نفسه, وهذه الصعوبة ليست وليدة لحظتها الراهنة وانما تاريخها، يمتد الى الجذور، الامر الذي يبدو وكأننا في مشهدنا نكرس تاريخية النمط الفوضوي، ذلك النمط الذي هيمن وما زال على كيفية تشكل الادراك المتصل بالمعرفة والمعنى والثقافة والاجتماع وانساقهم المختلفة والمتنوعة، وما ينتجونه من مفاهيم وقيم، ترسخت وتقعدت بصورة او بأخرى في الوعي الفردي من حيث ادراكه لذاته، وفي الوعي الجمعي من حيث اشتماله على الهوية والذات والانتماء.
اذن لا تبدو المسألة في غاية البساطة والسطحية، فالاشكاليات المعرفية في ساحتنا تتسم بالازدواجية، والتكوين المركب ذات الابعاد المتداخلة والمتعاكسة في اغلب مظاهرها المتجلية على ارض الواقع، فعندما مثلا نناقش او نقارب ازمة الاندية الادبية، فنحن وبالأحرى نقارب في العمق ازمة: فكر وتفكير، ثقافة، ابداع، جمال، يضاف اليها ازمة الوسائط العلمية التي تتحكم في توجهات الفكر الحديث في ظل الاختراق العولمي او مثلما يسميها ريجيس دوبريه (الميديولوجيا)، فنحن في واقع يؤول الى التفكك والانحلال والتشظي، يصعب معه عزل الاشكاليات عن بعضها البعض او فصل الواحدة عن الاخرى، لذلك تظل رؤيتنا تجزيئية، وذات أفق مسدود اذا لم نعمل على تفكيك هذا الانموذج من النمطية المهيمنة، وعلى تفكيك اشكال تمظهراتها داخل العلاقات الانسانية، والاجتماعية، وداخل الوعي الفردي الجمعي ذاته، فالارتهان الحقيقي للانفتاح على الافق المعرفي المؤثر، وللتجاوز الفعلي لأعتى صروح العوائق والأزمات، يتم انطلاقا من تكسير هذه النمطية، ومن ثم تجاوزها الى واقع حركي، له القدرة على تنظيم وتنسيق واقع الاختلاف الموجود بين فئات المجتمع في حياتهم اليومية، واستغلال اكبر قدر من الطاقة الممكنة، التي يمكن ان ينتجها هذا الواقع ضمن استشرافه لافق معرفي ثقافي متميز ومختلف في ذات الوقت لكن ضمن هذا السياق، نحن لا نريد ان نظل حبيسي الأفق النظري، وحبيسي تعالياته، لذا سوف نتناول جانبا مهما - في تصورنا - عن ازمة الاندية الادبية، الا وهي: تلك العلاقة (الغائبة او المضمرة) بين المؤسسة التعليمية وبين النادي الادبي بوصفهما يلتقيان في جذر مشترك وهو التربية بمختلف سياقاتها: الفكرية، الاجتماعية، الاخلاقية، الابداعية الجمالية.
وقبل ان نحدد بعض الملاحظات في هذا الجانب، ينبغي ان نشير الى نقطة مهمة هي: يجب الاخذ بعين الاعتبار تلك الفروقات والتمايزات بين الاندية الادبية حسب موقعها الجغرافي، وحسب تأثيرها المكاني وفق مجمل مواقفها وقناعاتها من الأدب والثقافة بشكل عام، وان كانت توجد داخل هذه المواقف ايضا تمايزات وفروقات متبعثرة من هنا وهناك، غير ان الوعي التصنيفي، يفرض علينا هذا الاجراء الاختزالي، الا اننا نجد من جهة اخرى، ان مسوغاتنا في طرح هذا الجانب من الأزمة، هي قناعتنا التامة، بأنه جانب (علاقة التعليم بالاندية الادبية) تشترك في تهميشه واقصائه جميع الاندية الادبية دون استثناء، من هنا يكمن السؤال المحوري في القضية هو: لماذا هذا التغييب!!؟ وهو سؤال يصدمك منذ الوهلة الاولى اذ يفضي بك الى اجتراح مناطق مرعبة في الذاكرة، لا تزال تسكن في هامش الوعي الثقافي عندنا، وهذه ال (لماذا) لا تشكل حالة اضمار متعمدة للتغييب بحيث يجري استبعادها عن دائرة الوعي النقدي بطريقة مغرضة، وإنما هذا التغييب ينتمي بدرجة كبيرة الى بنية لاواعية، تضم في داخلها النسق الفكري العام لمجمل تصوراتنا ومفاهيمنا عن الثقافة والفكر والادب والاخلاق والتربية,,, الخ، وهي مفاهيم ينبغي اخضاع تاريخيتها للوعي النقدي جملة وتفصيلا، اذن نحن امام مجموعة مفاهيم ذات علاقة تجادلية مع بعضها البعض بحيث تتغذى عليها مجمل اشكالياتنا المعرفية ومن ضمنها مسألة التغييب التي نناقشها ها هنا, ويمكن هنا ان نتلمس بعض التجليات والآثار بخصوص هذه المسألة في واقعنا الراهن، اذ يبدو للوهلة الاولى ان موقعية النادي الادبي في ذهنية الفرد المثقف المبدع وكذلك المجتمع وحتى ذهنية الفرد المسؤول هي في تكوينها موقعية يمكن ان نسميها (موقعية اقتناص الجاهز) بمعنى: ان الاندية الادبية لا تشكل حالة سيرورية تضايفية لمسيرة المبدع والمثقف عندنا، وانما هي تشكل نتيجة لمعطى سابق عليها، بعبارة اخرى: ان اغلب المثقفين او المبدعين الذين ينفتحون على الاندية الادبية، ويمارسون نشاطاتهم الثقافية والابداعية من داخلها او بالاحرى عبر رؤيتها ومواقفها، لم يتشكل وعيهم الثقافي والابداعي في تفتحه المبدئي داخل اسوار الاندية ذاتها، وانما تشكل خارجها، وهو خارج اكثر ما ينتمي الى السائد والمهيمن في تعالقاته، الامر الذي يكشف في العمق من المسألة عن ان الاندية تبدو وكأنها ليست سوى قنوات لا تملك القدرة الكافية على التغيير او على ابتكار مفاهيم ثقافية، تتجاوز بها حدود المعطى بحيث يمكنها ان تؤدي دور الفاعل المؤثر من داخل وخارج الاندية على حد سواء وان وجد نوع من التغير، فانه يكون بنسب قليلة، تنحصر في فئة قليلة من المثقفين، لا يؤهلها ذلك لأن تكون رائدة في مسألة التجاوز والتغيير، وهنا نتساءل: هل ثمة خلل ما وراء تشكل الوعي بآلياته المفاهيمية خارج اسوار الاندية!؟ وهل يبدو هذا الوضع طبيعياً أم لا!؟ من غير شك في اننا لا نحكم على هذه العلاقة من جميع جوانبها، ولكن ما يهمنا بالدرجة الاولى آثار هذه الوضعية لانديتنا الادبية، فهي في نهاية الامر تفضي الى نتيجة مهمة وواضحة للعيان وهي: عدم قدرة الاندية على استقطاب اهتمامات الفرد، النشء، الطفل في مراحله التعليمية الثلاث (ابتدائي، متوسط، ثانوي) هذا الاستقطاب اشبه ما يكون معدوما قياسا لاهمية هذه المسألة وليس له وجود في اي مستوى من مستوياته الثلاثة، فهل يبدو ذلك امرا هينا!؟ لا اظن ذلك خصوصا اذا كانت هناك مفاهيم من مثل: الجميل، الفن، التذوق، الاخلاق التي تشكل اهم المعطيات الاساسية لتفتح اي وعي على افق الابداع والثقافة، والفرد في هذه المراحل بطبيعة الحال، ارض خصبة لاستقبال مثل تلك المفاهيم فيما هي مشحونة بقيم تحفز على النهوض والتفكير الحر غير المسيج على الاطلاق ولذلك لا يمكن ان تنهض بهذه المهمة مؤسسة تعليمية مفردة، بل ينبغي ان يكون هناك تعاضد في تجذير هذا الوعي، وتعزيز حضوره ليس بتكريس الحضور المنبري الشفهي فقط - وهذه حالة طاغية على انديتنا الادبية - وانما الاهم بتأسيس ورش عمل تنهض بوصفها محيطا وسطيا فاعلا تمسك بخيوط اللعبة الثقافية والابداعية بطريقة تجعل النشء يصوغ ذاته متكئا على ذاته نفسها، وتجعله من جهة اخرى اكثر اقترابا وتفهما للحظته الراهنة واقل ابتعادا عن مفاعيل واقعه الاجتماعي، وكما ترون فهذه مهمة لا تتأسس وحال الاندية كما هي عليه الآن, وكم كنت اتمنى ان تستفيد الاندية الادبية من تجربة الاندية الرياضية في كيفية الاهتمام بالنشء بالخصوص نادي الهلال فهي تجربة ينبغي تسليط الاضواء عليها باعتبارها تجربة حققت نجاحات لا يمكن تغافلها فالرياضة في واقعنا الحالي جزء لا يتجزأ من ذاكرتنا الثقافية شئنا ذلك ام ابينا! ولكن,, يا للاسف فان (فاقد الشيء لا يعطيه)!
واذا كان الحديث يصب في مجرى العلاقة الملتبسة بين المثقف والاندية الادبية فثمة علاقة اخرى ملتبسة توجد بين الثقافة والاندية نفسها، هذه العلاقة لا تبدو مفصولة تماما عن العلاقة الاخرى، ولكن المسألة تفتح بابا واسعا باتجاه الاشكاليات التي تمس بالضرورة هذه العلاقة من جميع جوانبها، ولعل هذا ما يؤكد على ان الفعل الثقافي الذي تنتجه الاندية يظل حبيس الوعي المأزوم للمثقف، وليس يرجع هذا الفعل الى الثقافة نفسها بمعنى آخر: ان المنظور الثقافي الذي تبني فوقه الاندية مجمل نشاطاتها وبرامجها الثقافية، لا يشكل سياقا مكتمل النمو، بحيث يبدو الفعل الثقافي لجميع الاندية عملا تكامليا متساوقا يفضي بالنهاية الى رؤيا تتجاوز فيها الحدود التجزيئية للفعل الثقافي نفسه، الذي يفرضه في الساحة، التباين الاثنوغرافي بين الاندية ذاتها, لذلك يأتي الفعل الثقافي للاندية بوصفه فعلا يخضع بالضرورة الى عاملين مهمين: الاول: خضوعه للرؤيا المزاجية للمثقف، وهي رؤيا تستند في اغلب الاحيان على عوامل ذاتية وليست موضوعية تمس السياق الثقافي بشكل عام.
الثاني: خضوعه لمفاهيم ثقافية هي من الهشاشة بمكان، بحيث يمكن تأويلها وفق مقتضى الحاجة والملزومية، دون ان يؤدي ذلك الى ثغرات مكشوفة للعيان في الخطاب الثقافي اجمالا,وهما عاملان يقبعان خلف كل فعل ثقافي ينتمي بصورة او بأخرى الى مجمل الاندية، والى تمظهراتها داخل مشهدنا الثقافي,قد تكون مقاربتنا فيما سبق صادمة نوعا ما، ولكنها بالتأكيد لا تدعي لنفسها انها اصابت عين الحقيقة ولكنها على الاقل لا تذهب اكثر من تحليل ما هو واقع، والذي يؤكد كلامنا تجليات هذا الواقع عبر المنظور الذي تفرضه الاندية فهو واقع يعيشه المبدع والمثقف كتجربة يومية لا تنفك تضيف على وعيه تراكمات معرفية دائما تجعله يعيد او يحاول ذلك صياغة واقعه كلما مسه هاجس من هواجس الفعل الثقافي للاندية.

أعلـىالصفحةرجوع


















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved