| الاخيــرة
عندما انتشرت اللغة العربية في إيران وأصبحت لغة العلم والأدب وسائر الفنون ظهر في تاريخ الثقافة الاسلامية علماء لقبوا بذوى اللسانين لأنهم كما كانوا من أئمة اللغة العربية كانوا من فصحاء اللغة الفارسية الحديثة، وكان أحد أعلام أولئك البلغاء الفصحاء رشيد الدين محمد بن محمد الملقب بالوطواط فقد قال عنه ياقوت الحموى في معجم الأدباء كان من نوادر الزمان وعجائبه,, أفضل أهل زمانه في النظم والنثر، وأعلم الناس بدقائق كلام العرب، وأسرار النحو والأدب,, وكان ينشئ في حالة واحدة بيتاً بالعربية من بحر وبالفارسية من آخر، ويمليهمامعا .
ومع أن الجاحظ يؤكد أنه ما اجتمعت لغتان في لسان واحد إلا أدخلت احداهما الضيم على الأخرى فقد كان الوطواط مقدماً في اللغتين العربية والفارسية لذلك ادعاه كل من الاثنين، وكل محق في دعواه.
فلرشيد الدين كتابان في اللغة العربية هما (عرائس الخواطر) وأبكار الأفكار وقد قام احد الفضلاء في مصر واسمه محمد فهمي بتحقيقهما وإضافة رسائل عربية أخرى من انشاء الوطوط في مجلدين ثم طبعهما في مصر.
لقد لعبت رسائل الوطواط العربية التي كان يرسلها باسم الخوارز شاه السلطان أتسز إلى ديوان الخلافة في بغداد أثرها العظيم في توطيد مكانة أتسز في عين الخلفاء العباسيين الذين كانوا لا يتورعون في تقوية السلاطين فيما وراء النهر إذا كان ذلك يخدم السياسة العليا في بغداد.
كان الوطواط أحد كبار البلغاء الفرس في اللغة العربية ويمكن مقارنته بما يليه من أمثال بديع الزمان وأبوبكر الخوارزمي في فن التراسل, فقد كان الوطواط قد عمل رئيسا لديوان الرسائل في الدولة الخوارزمشاهية وتلك وظيفة سامية جداً لا يصل إليها إلا أمراء البيان وسلاطين البلاغة بل قد كان الوطواط من كبار علماء البديع وله كتاب شهير جداً باسم حدائق السحر في دقائق الشعر الذي يعتبر الى جانب كتاب ترجمان البلاغة لعمر الرودياغي من اسس كتاب علم البيان والبديع في اللغة الفارسية.
لقد كان كثير من بلغاء الفرس يحرصون على ان تشيع اللغة العربية في إيران وتصبح لغة العامة إلى جانب الخاصة, وهذا الاتجاه في نشر العربية والثقافة الاسلامية في إيران يدحض الادعاءات التي صورت وتصور قيام الفرس بإحياء الفارسية بأنها مقاومة للغة العربية ومحاولة اخراجها من الميدان، فلم تكن الفارسية الوليدة بقادرة على طرد العربية من الساحة حتى لو أرادت ذلك.
فقد قسم الوطواط كتابه الشهير المعروف بعرائس الخواطر ونفائس النوادر إلى خمسين رسالة كتب خمساً وعشرين رسالة منها باللغة العربية تناول فيها كثيراً من المعاني والموضوعات المتنوعة، وأنشأ الخمس والعشرين رسالة الأخرى بالفارسية وحشاها بموضوعات كثيرة ومتنوعة وقد أهدى ذلك الكتاب النفيس إلى صدر خوارزم وخراسان أبو الفتح محمد بن علي الحجي.
يقول الوطواط في ديباجة الاهداء:
ولقد رأيت من لوازم خدمة ذلك المقام الكريم تأليف كتاب من إنشائي يشتمل على رسائل عربية وفارسية، وحتى يستفيد منه الملازمون لتلك الحضرة والعاملون في خدمة تلك السدة برجاء القبول والعذر فذلك جهد المقل.
ان ما يستوقف الانتباه حقاً هو رغم ان خوارزم من مناطق اللغة التركية ومن مراكز الاتراك الكبرى في وسط آسيا الا أن اللغة التركية لم تكن ذات قيمة علمية وثقافية تذكر فقد كانت لغة بدائية جداً لا يمكن مقارنتها باللغتين العربية والفارسية دعك من ادعاءات الاتراك العريضة التي يطلقونها عند الحديث عن لغتهم وآدابهم وعلومهم فتلك الادعاءات ناشئة في جمهرتها من غرورهم القومي المستعر.
حتى في عنفوان الحكومات المتحدرة من اصل تركي كالغزنوين والسلاجقة كانت اللغة العربية والفارسية هما اللغتان الاساسيتان في الحياة الفكرية والسياسية ولم تقدر اللغة التركية النهوض والازدهار إلا بعد قيام الامبراطورية العثمانية في القرن العاشر الهجري, وحتى خلال العصر العثماني فإن الفارسية كانت ذات سيادة طاغية حتى ان كثيرا من الاباطرة العثمانيين كانوا يفاخرون بالتضلع بالفارسية حتى ان لبعض السلاطين دواوين شعرية بالفارسية وربما تناولت هذا الموضوع في ورقة من الورقات.
|
|
|
|
|