| مقـالات
هل سبق لك أن وجدت نفسك عضواً في هيئة استشارية، أو لجنة، أو حتى اجتماع (عائلي)، وأحسست أنك قد أدليت بصوتك لصالح قرار تعلم حينها (في قرارة نفسك) بأنه ليس بالقرار الصائب؟ بمعنى آخر: هل تتذكر تصويتك لصالح قرار (مصيري) على الرغم من أن قناعاتك وحدسك وغرائزك,, تصرخ عليك (بهمس) وتحذرك من خطأ قرارك هذا؟,, وبعد اتخاذك قرارا مثل هذا، هل اعتراك العجب والتبرم والضيق لعدم قدرتك على تبرير ما فعلت، بل لعدم اصغائك إلى تلك الأصوات (الداخلية) في كيانك والتي حثتك وحثتك على عدم اتخاذ قرارك الخاطئ، مما جعلك (بعد فوات الأوان بالطبع)! تستعرض عبارات من قبيل أنا داري من الأساس ولكن,,! ,, كان عندي احساس أن المسألة خطأ بخطأ ولكن! ,, تصدق أن قلبي موجعني ولكن,,! ,, ما قدرت أقول شيء ولكن,,! ,, الجماعة صوتوا وقلت لنفسي، الموت مع الجماعة رحمة، وسويتها ولكن! .
حسنا، لست بوحدك يا عزيزي، فتلك ظاهرة انسانية/ تاريخية لا يزال العلم يحاول سبر أغوارها ومسبباتها الحقيقية، ومما توصل إليه علماء الانسانيات (ومن ضمنهم علماء الادارة) أن السبب الذي يجعل مجموعة من الناس تتخذ قراراً خاطئا على الرغم من تبين خطئه من الأساس يكمن فيما يسمى علميا Groupthink، والذي يعني اتخاذ مجموعة من الناس قرارات حاسمة ومصيرية على الرغم من يقينهم القاطع بخطأ نتائجها، أو ما نستطيع ترجمته بالتفكير الجماعي ,, جدير بالذكر ان بعض التفسيرات العلمية لتلك (المتلازمة) أو الظاهرة ترجعها إلى كون متخذو القرار قد (اتخذوا القرار) لأسباب آنية قاهرة قد يكون من ضمنها إرضاء (قائد المجموعة)، خصوصا عندما يكون هذا الشخص رجلا مهيبا ذا شخصية قوية، وليكن الوزير، أو المدير، أو حتى والدك في حال اتخاذك قراراً يخص العائلة, إن هذا الأمر يتعدى لحظتها حدود طاقة الانسان نتيجة (لضغط) ما يسمى ب(الايحاء Suggestibility)، والذي هو عملية عقلية ينتج عنها القبول والتسليم بما اتخذ من قرارات دون تمحيص او تثبت، ولأسباب وتأثيرات لا تستطيع، بالطبع فهمها لحظة اتخاذك القرار, بالمناسبة، المصطلح الآنف ذكره، هو السبب الرئيس (تاريخيا) لنشوء الكثير من الأحداث التاريخية, مثلا: هل تتذكر قرار أمريكا شن الحرب الكورية على الرغم من التأكد من حتمية فشلها منذ البداية، وقرار تصعيد الحرب مع فيتنام رغم ارهاصات ودلائل استحالة الانتصار بتلك الحرب؟!,,, بل هل تتذكر عملية (خليج الخنازير؟!),, دعنا نغوص قليلا في ثنايا تلك الحادثة التاريخية لنرى الآثار السلبية التي من الممكن أن تنجم من جراء ما يسمى ب(التفكير الجماعي):
باختصار ، عملية (خليج الحنازير The Bay of Pigs) تشير إلى الواقعة التي حدثت على اثر قيام المخابرات الأمريكية، عام 1961 الميلادية، بتجنيد عدد من معارضي الرئيس الكوبي، فيدل كاسترو، وتدريبهم ومن ثم انزالهم في منطقة نائية في دولة (كوبا)، وذلك لغرض قلب الحكم هناك وإقامة حكومة كوبية موالية لأمريكا,,, وكما هو معلوم، فلقد منيت تلك الحادثة بفشل ذريع تمخض عنه قضاء الزعيم الكوبي (كاسترو) على المهاجمين، برمتهم, والسؤال: لماذا فشل مستشارو الرئيس الأمريكي (كنيدي) المشهود لهم بالكفاءة باستقراء امكانية الفشل هذا مسبقا، خصوصا ان كل الدلائل كانت تشير إلى حتمية (فشل العملية؟),, في الحقيقة (يقولون) علميا إن أولئك المستشارين قد وقعوا ضحية لتأثير شخصية كنيدي الساحرة والذي كان يسعى بكل ما أوتي من قوة وجهد للقضاء على كاسترو، وهكذا وجد هؤلاء المستشارون أنفسهم في حالة (اغتراب ذاتي وآني ومؤقت) فانصهرت شخصياتهم وآراؤهم المتباينة في شخصية واحدة استحوذ عليها تنفيذ رغبة رئيسهم العارمة في التخلص من الزعيم الكوبي فأصابتهم آفة التفكير الجماعي، مما أفقدهم القدرة على استقراء الأحداث بواقعية وموضوعية,, فحصل ما حصل، الأمر الذي علق عليه كنيدي فيما بعد قائلا: يا إلهي ما الخطب,, ما الذي جعلني أعتمد على (الخبراء) هكذا,, كيف لي أن أكون غبيا إلى درجة السماح لمثل هذا الأمر أن يحدث؟! ,.
انتبه لنفسك عندما تشارك في اتخاذ قرار جماعي!
للتواصل: ص,ب 4206 رمز: 11491 الرياض.
الهوامش :
Janis, I.)1982(. Groupthink: Psychological Studies of Policy Decisions and Fiascoes. Boston: Houghton Miffin.
Ambros, S. )1980(. Rise to Globalism: American foreign policy since 1923. New York: Penguin Books. P.194
|
|
|
|
|