| عزيزتـي الجزيرة
عزيزتي الجزيرة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته,, وبعد
في مثل هذا الشهر من العام الماضي 1420ه وتحديدا في صبيحة يوم الخميس 27/1/1420ه فجعت الأمة الاسلامية جمعاء بوفاة علم من اعلامها الفضلاء، وجهبذ من جهابذتها النبلاء، عالم ملأ ذكره الآفاق وتغلغلت محبته في الأعماق، عالم تحلى بأطيب الصفات والأخلاق، واجتمع على وده الأخيار والفساق، انه العالم والمرشد المتفاني سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رحمه الله تعالى.
لقد رحل جبل الدعوة كما وصفته جريدة الجزيرة عن هذه الدنيا مخلفا وراءه ارثا عظيما لا يحد بحد، ولا يحصى بعد، فقد اسر القلوب بمحبته ولذيذ خطابه، وروض النفوس بتواضعه وارشاداته، ونذر وقته وماله وجهده للتوجيه والاصلاح، وكفكفة دموع اليتامى وتضميد الجراح، فلله درك يا ابن باز كم من قتيل لابليس قد احييته؟ وكم من جائع قد اطعمته وسقيته؟ وكم من يتيم قد كفلته وآويته؟ وكم من مستغيث قد ارشدته وأفتيته؟ فسبحان من خص فريقا من عباده بخصائص شرفوا بها على أبناء جنسهم، وسبحان من فضل العلماء على الخلق انسهم وجنهم.
عزيزتي الجزيرة: مر عام كامل على وفاة جبل الدعوة ومفارقته لهذه الدنيا ومع ذلك لم تنطفىء مصابيحه، ولم تندرس آثاره أو تنقطع أحاديثه، وكيف يكون ذلك وقد خلف علما عظيما وارثا طيبا شريفا حيث ما زالت فتاواه وكلماته وتوجيهاته تتردد في الآذان، وذلك من خلال الاذاعة والصحف والكتب وغيرها من وسائل الاعلام، لقد رحل عن دنيانا في العام المنصرم أقوام وأقوام، وسيتبعهم الكثيرون في القادم من الأيام والسواد الأعظم من أولئك يندرس ذكرهم فينسون، والقليل منهم ترحل اجسادهم فقط، أما ذكرهم فيبقى، فيا ترى من هؤلاء القلة الذين ماتت أجسادهم ولم يمت ذكرهم؟ حتى كأنهم لم يموتوا وان فارقت الأرواح أجسادهم، انهم العلماء ورثة الأنبياء، انهم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، المحيون لما مات من سنته تمر السنون وتنصرم القرون ولا يموت ذكرهم أو يندرس علمهم فهذا مالك وهذا ابن حنبل وهذا الشافعي وذاك ابن تيمية وبعده ابن القيم ومحمد بن عبدالوهاب ومحمد بن ابراهيم وغيرهم كثير وكثير انها سلسلة الأموات الأحياء، أموات الأبدان أحياء الذكر والبيان وسماحة شيخنا عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى درة في هذا العقد الفريد من العلماء عليهم جميعا رحمة الله ومغفرته.
عزيزتي الجزيرة: ان مصابنا في سماحته جلل لأنه نجم لا كالنجوم وعلم لا كالاعلام ولله در البحر حينما قال في سماحته:
لا تقولوا غاب نجم بل نجوم الكون أجمع لا تساوي من فقدنا كيف لا والكل يدمع |
لقد اهتز العالم الاسلامي كله لوفاته رحمه الله كيف لا وهو العالم والمعلم المتفاني بمحاضرات وندوات، وفتاوى ومؤتمرات وتوجيهات وارشادات، شؤون الدعوة هي اكبر همه، وحب العلم ونشر الخير يجري في دمه وصدق الله تعالى اذ قال في محكم التنزيل: قل هل يستوى الذين يعلمون والذين لا يعلمون وكذلك حينما قال: يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات وصدق المصطفى صلى الله عليه وسلم حينما قال: فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب وحينما قال: من تواضع لله رفعه الله أو كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
عزيزتي الجزيرة: أجدني مضطرا للتوقف عن الكتابة عند هذا الحد، وذلك ان الأنامل بدأت ترتعد، ولوعة القلب صارت تتقد، ولساني عن الكلام ينعقد، كيف لا والحديث عن جبل الدعوة وامام الأمة أسأل الله تعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العليا ان يسبغ عليه الرحمة وان يعلي درجته وان يبلغه منازل الشهداء وان يجزيه عنا أفضل الجزاء انه سميع مجيب وآخر دعونا ان الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أحمد بن محمد البدر الزلفي
|
|
|
|
|