| منوعـات
قريباً سيبدأ موسم الامتحانات وتستبعد قضايا كثيرة عن صفحات الجرائد ومجالس الناس حتى تفسح المجال لهذا الحدث العظيم الذي ننتظره عاماً بعد عام بكل الاستعدادات الممكنة وتهيىء له كل فروع المجتمع باختلاف اهتماماتهم (الآباء والمدرسين والمربين وضباط الشرطة والأطباء والسائقين والخدّامات), كأننا نستعد لموسم هام وخطير كموسم الحج، مفتوح على كل الاحتمالات, وعندما تعايش هذا الحدث عشرة أعوام وعشرين وأكثر تشعر أنك لست أمام موسم حقيقي، بل كأنك تتفرج على فيلم سينمائي يعاد ويعاد كل عام في نفس الموعد, فالأطباء يتكلمون عن السهر والمذاكرة والعيون والإضاءة، والمربون يتكلمون عن المدرسين الخصوصيين وتهيئة الأجواء، والشرطة تتكلم عن التزاحم والسيارات,, وهكذا كل فريق يستدني ملفات العام الماضي والأعوام التي قبله ويعيد بثها على الناس.
ولولا المباني الحديثة وأقساط التعليم والسائقين والخدامات المتجمهرين عند أبواب المدارس لقلت إنه لم يتغير من الأمر شيء منذ بدأ التعليم في المملكة وحتى الآن وخصوصاً انه ما زال هناك من يتحدث عن شيء اسمه لجنة الرحمة, كل شيء يمكن أن تفهمه وتناقش حوله إلا لجنة الرحمة.
أتذكر قبل سنوات طويلة كان الامتحان قضية حقيقية وخطيرة, وهذا طبيعي، لأن التعليم في ذلك الوقت كان حالة طارئة, فلم يكن الناس يعرفون أن التعليم حالة مستمرة وجزء من الحياة نفسها, فالقضية كانت هي النجاح والحصول على شهادة بغضّ النظر عما جرى طوال العام, وكانت السنة الدراسية في واقع الأمر محشورة في الشهر أو الشهرين الأخيرين, والنجاح له دافعان أساسيان بالنسبة للطلبة: الأول هو التوظف والحصول على مصدر الرزق كما هو الحال الآن, والثاني وهو أكثر أهمية من الأول,, هو الخلاص من المدرسة.
فكلمة الرحمة في ذلك الزمان كانت لها دلالتها الحقيقية والتي تعبر عن الحال بدقة.
فالمدرسة كانت أشد عذاباً من السجن, فكل طالب يبتكر أسلوبه الخاص به للتغيب عن المدرسة, حتى أصبح مصطلح (المفاخت) أهمَّ المصطلحات المدرسية دورانا في تلك الأيام, لأنه يمثل الواجهة المعبرة عن حال التعليم, فهو من جهة يعبر عن هروب الطالب من العذاب اللانهائي، ومن جهة أخرى يمنح المدرس والمدير حق إنزال العذاب.
لا يمكن أن أتصور المدرسة أبدا بدون أسوار عالية وبواب قوي ومراقب شرس وعدواني ومدير ينخلع لسماع اسمه القلب, فمن كراهية الطلبة للمدرسة أتذكر أن أحد الطلبة اختار أن يفاخت عن المدرسة يوميا بالاختباء في برميل الزبالة خمس ساعات متواصلة مفضلا ذلك على مجرد الذهاب للمدرسة, كان الضرب والفتك والإهانات المتواصلة وأشياء لا يمكن ذكرها الآن هي الأساس الذي يقوم عليه التعليم, والامتحان كان جزءاً هاماً من هذه العذابات التي يواجهها الطلبة في تلك الأيام, لذا لا أفهم أن يستمر المجتمع يعالج قضية الامتحان بنفس القوة والحرص القديمين, فالامتحان في الوقت الراهن تمت تجزئته على مدار العام ولم يعد محشورا في وقت واحد، ولم يعد يؤدي إلى ذلك القلق الكبير الذي كان عليه في الماضي ولكني أظن أن سبب الاهتمام بالامتحان وقضايا روتينية أخرى تتكرر في مواعيد ثابتة، يعود في الأساس لقلة المواضيع العامة التي يسمح المجتمع بمناقشتها على مستوى الرأي العام.
لمراسلة الكاتب: Yara4me@yahoo.com
|
|
|
|
|