| مقـالات
كتب الأخ العفيف الأخضر من تونس كلمة في جريدة (الحياة) العدد 13499 في 19/11/1420ه عن المرأة متسائلاً عن مصدر التفاوت بين الجنسين الذكر والأنثى، وهو مقال تراكمي، لا يضيف شيئاً، وإنما هو استرجاع للغط كثير يقال في غياب المرأة، ومخادعة يمارسها الرجال فيما بينهم، ومقال الأخضر طابعه الابتسار لمستخلصات مخبرية ونفسية على حد قوله، ومتكأه فرضيات غربية قال بها علماء النفس والاجتماع وممارسات خاطئة ليست على شيء من الحق، ولو أنه اكتفى بالتساؤل فقط لكان من حقه التعليم، أما وقد ضرب أمثلة بأقوال وممارسات لمفكرين إسلاميين ودعاة إصلاحيين، وجعل من رأيهم القول الفصل لموقف الإسلام من المرأة، فإن الأمر يحتاج الى إرشاد، وفرق بين التعليم والإرشاد؛ وموقف الاسلام من المرأة لا يمكن أخذه من ممارسة الطوائف الإسلامية، إذ هي عرضة للفتنة والفهم الخاطىء وإعطاء الدنية في الدين، ثم إن هناك خلطاً بين العادة والمقتضى الإسلامي لا يعرفه إلا العالمون، وهو الثنية التي ينفذ منها المستشرقون ومن شايعهم من المستغربين، كما أن هناك قواعد شرعية، كالمقاصد ودرء المفاسد، يركن إليها البعض، وقد لا يحسنون ذلك، فيبالغون في استغلالها ويضيقون ما وسع الله به على المسلمين.
والإسلام له نصوصه الواضحة وتوجيهاته السديدة ورؤيته الحضارية وموقفه المنصف للرجل والمرأة، ولا يجوز الاعتماد على فرضيات علماء النفس المضحكة ولا على مواقف الغرب ولا على قول (البناء)، أو (الخميني) أو (أحد مؤسسي الحركة الإسلامية بتونس)، وإن عولوا في مواقفهم من المرأة على الإسلام، وكيف يحمَّل الاسلام فتوى جاهل يُبيح اغتصاب المرأة المتبرجة نكالاً لتبرجها أو متشدد يحجر على المرأة ويلغي إنسانيتها، وهل يسوغ لكاتب يملك أدنى حد من الوعي تداول مثل هذه الأقوال المخمورة فضلاً عن أن يعدها من مقتضيات الإسلام؟ الإسلام بريء من خطأ الفهم وخطأ التطبيق، الإسلام له نصه القرآني العربي المبين، وله قول الرسول صلى الله عليه وسلم وفعله وإقراره، وله الفهم السليم من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وعلماء المسلمين المتفق على صدقهم ونزاهتهم وغزارة علمهم ونصحهم لله والرسول ولعامة المسلمين وخاصتهم، والإسلام له رأيه السديد في الرجل والمرأة، وله أحكامه العادلة في كل منهما، ولكل منهما، وعلى الكاتب (العفيف الأخضر) الرجوع الى كتب السلف وإلى آراء المفكرين الإسلاميين الواعين لمقاصد الإسلام وغاياته النبيلة، ليرى عدل الإسلام وإنصافه وتوفير الكرامة الإنسانية للانسان بجنسيه الذكر والأنثى, ألم يقل الله تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف), ألم يقل: (وللنساء نصيب مما اكتسبن) ألم يضرب بها المثل للذين آمنوا والذين كفروا، ألم ينقذها من جور الرجل وحكم العادة؟ ألم يحدد التعدد والطلاق والظهار ويحذر من التعليق؟ ألم يوص الرسول بالنساء خيراً ويصف مغلوبهن بالكرم؟ ألم ينه القرآن عن العضل؟ ألم ينه المرأة عن التبرج والزينة والخضوع في القول لكيلا تتحول إلى سلعة يتاجر الرجل بعرضها وجمالها؟ حتى إذا ذهب شبابها نبذها وراح يبحث عن غيرها، والمرأة المتبرجة المختلطة المخلوُّ بها لا تتمكن من العفة ولا من الظفر بالزوج العفيف، ومن ثم تحرم من الإنجاب والاكرام حين لا يشتهيها الرجال، إن صيانة الإسلام للمرأة في شبابها ومطالبتها بالقرار في البيت إنما هو لصالحها، فهي مطلوبة في شبابها منبوذة في كهولتها، فإذا لم تكن زوجة عفيفة في شبابها وأماً كريمة في شيخوختها ذاقت الذل والهوان، فالرجل شهواني وعلاقته بالمرأة تمر بفتور، وعندها تدخل المرأة في بر الأولاد والأحفاد، وهذا ما تفقده المرأة المتبذلة المتبرجة المترجلة، والمرأة حين تكون جنساً ثالثا تفقد فرصة الأمومة، وهي ما سعى الإسلام لتوفيرها، لكي تنتقل من جاذبية الشباب والجمال إلى كرامة الجلال والاحترام، لقد جعل الإسلام الجنة تحت أقدام الأم لتظفر بالمحبة والتقدير والاكرام حين لا تكون مغرية مثيرة جذابة، وقد كرمها في سياق تكريمه لبني آدم, ومع كل الضوابط والتحفظات أباح لها العمل مثلما أباحه للرجل بشروط تقتضيها طبيعتها ووظيفتها في الحياة، والتفاوت قائم في التكوين والنفس والعاطفة وهو المقتضى الطبيعي للثنائية التي قام عليها الكون المخلوق، وكيف تتأتى المثلية والله تعالى اراد لهذا الكون أن يقوم على الثنائية، وهل هناك ثنائية مثلية كالتي سعى الكاتب لتقريرها غير متفاوتة؟ ولو أن المساواة في الوظائف واحدة لما احتاجت الحياة إلى التفاوت الثنائي، ولو لم يكن هناك تفاوت بين الرجل والمرأة لكان خلق المرأة عبثاً، إذ يكفي أن يخلق الله نوعاً واحداً، وحين اقتضت الحكمة الإلهية خلق الرجل والمرأة أصبح من الحق أن يتفاوت الاثنان في التكوين وفي الوظائف وفي المسؤوليات، وان يكون لأحد الجنسين مزيد فضل لتتوفر متطلبات القوامة والرئاسة، وإذ لا تستقيم الحياة بدون توزيع المسؤوليات، فقد وزعها الله وعزز قيامها في التكوين الجسمي والنفسي، وجبل الناس عليها، وصرف المرأة فطرياً وجسمياً الى مسؤولياتها وصرف الرجل فطرياً وجسمياً الى مسؤولياته، ومع كل هذا التفاوت وضع الضوابط الرادعة لكيلا يتسلط الآمر على المؤمور (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) وإذا أخطأت حضارة أو أمة أو مجتمع في تمثل الحقوق والواجبات فليست هذه الأخطاء مسؤولية التشريع السماوي.
نعم لقد فضل الله الرجل على المرأة ليس من أجل الانفاق وحسب، وأودع في الرجل متطلبات التفضيل، والتفضيل هو عين التفاوت الذي اجتهد الكاتب لنفيه، وجعل الله للرجال الإمارة عليها، ووفر لهذه الإمارة متطلباتها الجسمية والعقلية، ولكنه تفضيل لا يمس كرامة المرأة، ولا ينال من إنسانيتها، وكيف يكون ذلك، وهي البنت والأخت والزوجة والأم والعمة والخالة، ولكل واحدة حقوقها التي تكفل لها الكرامة والحرية، حتى لقد أصبح النظر الى وجه الأم عبادة، مثلما أن النظر إلى وجه المومس عذاب وإهانة، والإمارة مطلب حضاري يفرضه الاجتماع وبدونها تفسد الحياة، وانعدامها بين الرجل والمرأة يفسد البيت، ولأن الإمارة حتم يكون التفاوت حتماً، والتفاوت والتأمير لا يحرمان من الحقوق ولا يعطلان الطاقات الممكنة في التعلم والعمل.
أما من حيث العمل فقد ضمنه الإسلام للمرأة وأباحه لها، سواء كان بالأجر أو بالاتجار بالزراعة أو بالرعي بالطب أو التعليم، ولكن بشرطين اثنين جاءا في سياق القصص القرآني هما:
قيام الحاجة للعمل خارج المنزل.
عدم الاختلاط بالرجال.
قال تعالى في قصة موسى عليه السلام: (لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير).
فعدم الاختلاط جاء في قوله: (حتى يصدر الرعاء) وقيام الحاجة جاء في قوله (وأبونا شيخ كبير).
ولما كانت الحياة الدنيا تقوم على مجالين هامين: بيت تأوي إليه الأسرة, وسوق أو مصنع أو مزرعة تعمل فيها للكسب, قسم الله المهمات بين الجنسين قسمة فطرية جسمية طبيعية، فجعل البيت مملكة المرأة، وجعل السوق أو المصنع أو المزرعة مجال الرجل، وقد أشار إلى ذلك حين قصر الشقاء على الرجل في قوله:
(فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) فكان الاخراج من الجنة لهما معاً, وكان الشقاء للرجل وحده، لأنه هو المطالب بالعمل والانفاق، فخروج المرأة للعمل كقرار الرجل في البيت لا يكون أحدهما إلا حيث تقوم الدواعي الاستثنائية، وخروج المرأة أو قرارها في البيت يرتبطان بالحاجة الآنية وليس لأحدهما ملمح حضاري كما يتوهم البعض، على أن القرار فاضل والخروج مفضول عندما لا تقوم الحاجة للخروج.
وإذا قامت الحاجة لخروج المرأة للعمل أو الكسب فإن الإسلام لم يحرم ذلك عليها, وإنما أباحه، بل ندب إليه، وفرض وسائله ومتمماته بشروط، وجعل عمل المرأة خارج المنزل من الأمور المفضولة، وإذا خرجت المرأة من المنزل دون ضرورة، تركت فراغاً في مملكتها، لتدخله امرأة أجنبية على الزوج وعلى الأولاد باسم الخادمة أو المربية، ثم هي بخروجها ترفع رصيد البطالة عند الرجال، لأنها تزاحم الرجل في مجاله دون حاجة ملحة، وهي في ذات الوقت تركت الأولاد تحت رعاية امرأة أجنبية مما ضاعف الخلل، وهذا الخروج حين لا يكون ضرورياً لا يضمن لكل النساء الخروج، فالداخلة بصفتها خادمة هي امرأة محرومة من العمل خارج البيت، إذ لم تكن خلقاً آخر فلماذا نخرج الأصيل لنحل البديل؟ أليس في ذلك معاكسة للطبيعة؟ ولأن الرجل هو العامل وهو الكاسب جُعل القائم والمنفق والخاطب والدافع للمهر والآمر، ومن ثم جُعل الطلاق بيده، ومع هذا فمن حق المرأة أن تطلب الطلاق حين لا تستطيع القيام بحقوق الزوجية، وعلى القاضي أن يوقعه شاء الزوج أم لم يشأ، متى ردت على الرجل ما دفعه من مهر بعد تعذر الصلح بينهما، وهنا لا يملك الرجل حق الرجعة لأنه لم يوقع الطلاق بل فرضته المرأة برد الحديقة, إن الإسلام وضع الضوابط، وقسم الحقوق والواجبات، وأنصف في ذلك، ولم يغمط أحداً حقه، ولم يخلط بين الحقوق والواجبات، ولو أنه فعل غير ذلك لحلت الفوضى محل النظام، وقامت العداوة مقام الوئام، وعلى ضوء ذلك فالتفاوت مقتضى حضاري، وليس عادة اجتماعية يمكن الاستغناء عنه, وعلماء النفس يضللون بفرضيات مضحكة وإذا وفقوا في الكثير فليس من الحتم القطع بدوام التوفيق، على أن النظريات الفرضية قابلة للمساءلة، ولو أن الكاتب اعتمد على حقائق العلم والتجريب لتبدت موافقة العلم والتجريب للمقتضى الاسلامي، فخالق الخلق أدرى بمصالحهم، والمؤسف أن المسلمين نسوا ما ذكروا به واجتالتهم البدائل التي أوقعتهم في الفوضى والترقيع والتجريب، الأمر الذي حملهم على سن أنظمة وقوانين خلقت العداوة والبغضاء بين طوائف المسلمين، وأذهبت هيبة السلطان واحترام العلماء، ولو أنهم ردوا أمرهم إلى الله وإلى الرسول لكان خيراً لهم, لد سنت أنظمة مادية وضعية تعيد صياغة العلاقة الأسرية على غير هدي من الكتاب والسنة وسيكون لذلك نتائج مفجعة.
إن اجتماع الرجل مع المرأة يتطلب توزيع المسؤوليات وترتيب المواقع، وذلك يقتضي التفاوت الذي لا يمس الكرامة ولا يخل بالإنسانية، إذ لا يمكن أن يعيش مجتمع بدون رئيس ومرؤوس وآمر ومأمور وحاكم ومحكوم, الاجتماع يتطلب عقداً اجتماعياً تعرف فيه الحقوق والواجبات, والشريكان في المال الواحد يوزعان بينهما المسؤولية، يكون أحدهما رئيساً والآخر مرؤوساً باختيارهما وبمحض إرادتهما، فكيف لا يقتسم الرجل والمرأة الحقوق والواجبات؟ وكثرة التجريب لصياغة نظام دستوري أفضى ببعض المفكرين إلى (الفوضوية) حتى لقد أصبحت (الفوضوية) رؤية سياسية ألفت فيها الكتب ووضعت لها التصورات وذلك إيغال في العبثية.
إن التفلت على السلطة ومنازعتها سنة كونية، والناس الذين لا يصلحون بالعدل لا يمكن أن يصلحوا بالفوضى ومن ثم يسأمون من السلطة ويدخلون دوامة الفتن والفتنة أشد من القتل، ولأهمية السلطة حث الإسلام عليها وألزم الناس بالطاعة، وجعل الميت بدون بيعة ميتاً على الجاهلية.
إن قوامة الرجل وتفضيله على المرأة تحقيق للسلطة المستتبعة للعدل والحرية والمساواة، وبدون التفاوت لا تستقيم أمور الناس.
|
|
|
|
|