أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 22nd April,2000العدد:10068الطبعة الأولىالسبت 17 ,محرم 1421

مقـالات

آفاق وأنفاق
طرائف حمارية
د, محمد العيد الخطراوي
الشيء الطريف: الطيب الغريب، قال خالد بن صفوان في تمييز الكلام، وتفضيل بعضه عن بعض: خير الكلام ما طرُفت معانيه، وشرُفت مبانيه، والتذَّته آذان سامعيه.
وطرائف الحديث: مختاره، قال الشاعر:


أذكرُ من جارتي ومجلسها
طرائفا من حديثها الحسن
ومن حديث يزيدني مِقَّةً
ما لحديث الموموق من ثمن

قال الأزهري: سمعت أعرابياً يقول لآخر قدِم من سفر: هل وراءك طريفةُ خبرٍ تُطرِفُناه,؟ يعني خبرا جديدا.
فالطريفة على هذا النحو تتضمن الجدة والجودة والغرابة.
وأما الطُرفة فهي العطية والهدية, قال في اللسان: أطرفتُ فلاناً شيئاً، أي أعطيته شيئاً لم يملك مثله، فأعجبته، والاسم: الطُّرفة، قال بعض اللصوص بعد ان تاب:


قل للِّصوص بني اللخناء يحتسبوا
بُرَّ العراق، وينسُوا طُرفة اليمن

وهي مرادفة للتُّحفة، واللُّطفة أو اللَّطَفَة، قال ابو العتاهية:


ألا أين الأُلَى سلفوا
دُعُوا للموت، واختُطفوا
فوافَوا حيتُ لا تُحَفٌ
ولا طُرَفٌ، ولا لُطَفٌ
ترصُّ عليهمُ حُفَرٌ
وتُبنىَ ثم تَنخسف

وقد كانت بعض الصحف تستحدث مساحة فيها للطرائف العربية أو العالمية، واعتاد الناس أن يجدوا في تلك الطرائف الجدة والمتعة والفائدة، فإذا تحركت عصافير بطونهم تذكروا (القطائف)، فجمعوا بذلك بين ما ينفع الجسم، وما يغني العقل، ويحرك الوجدان، والطرائف التي نوردها لكم اليوم، تحمل لكم بين يديها، صكّ غرابتها، منذ لحظة وقوع العين على عنوان المقال، فهاؤمُ اقرأوا هذه الطرائف الحمارية، وتأملوها معي، فهي لاتخلو من عظة أو عبرة (فاعتبروا يا أولي الأبصار).
* من ذلك ما نقله ابن الجوزي في كتابه (الأذكياء) عن الجاحظ أنه قال: قال ثمامة بن أشرس: دخلت على صديق لي أعوده، وتركت حماري على الباب، ولم يكن معي غلام يحفظه، فلما خرجت وجدت فوقه صبيا يحفظه, فقلت له: أركبت حماري بغير إذني؟ فقال: خفت أن يذهب فحفظته لك، قلت: لو ذهب لكان أحبَّ إليّ من بقائه، فقال: إن كان هذا هو رأيك في الحمار، فقدِّر أنه ذهب، وهبه لي، واربح شكري, قال ثمامة: فلم أدرِ ما اقول!
* وفي تاريخ ابن خلكان في ترجمة الحاكم العبيدي المعروف بالحاكم بأمر الله، ذكر أنه كان يملك حماراً أشهب، اسمه بقمر يستعمله غالبا في تنقلاته الخاصة، ويركبه في حوائجه وزياراته، غير انه كان يحب الاعتزال والانفراد، والركوب وحده، فخرج راكبا حماره ليلة الاثنين، سابع عشر شوال، سنة (411ه) إلى ظاهر مصر (يعني مصر القديمة التي بها جامع عمرو بن العاص)، وطاف ليلته كلها، وأصبح متوجّها إلى شرقي (حُلوان)، ومعه راكبان، فأعادهما تباعا، وواصل التطواف منفردا، وبقي الناس ينتظرون رجوعه، ومعهم دواب الموكب إلى يوم الخميس سلخ الشهر المذكور، ثم خرج ثاني ذي القعدة جماعةُ من الموالي والأتراك، فأمعنوا في طلبه، ودخلوا الجبل فرأوا حماره الأشهب الذي كان راكبا عليه، وهو على قرنة الجبل، وقد ضربت يداه ورجلاه بسيف، وعليه بردعته ولجامه، فتبعوا الأثر، فإذا أثر حمارٍ وأثر راجل خلفه، وراجل قدّامه، فقصوا الأثر إلى البركة التي في شرقي (حلوان)، فنزل فيها رجل، فوجد فيها ثياب الحكم بأمر الله، وهي سبع جباب، وجدوها مزررة، وفيها آثار سكين، فحملت إلى القصر، ولم يشكوا في قتله، متهمين في ذلك أخته، وأنها دست له من قتله, غير أن جماعة من المغالين في حبه، الذين أفقدهم الغلو القدرة على التفكير السليم، يدّعون انه مايزال حياً، ولكنه غائب سيظهر آخر الزمان.
* والقصة رغم دخولها أو دخول بعض أجزائها على الأقل في إطار اللامعقول، فإنها ذات صلة وثيقة بالحمار، ويبدو أن التاريخ الإسلامي ابتُلي كثير من شخصياته بداء الغيبة، وابتُلي العامة بمزيد من الانتظار، رعى الله الغائبين والحاضرين، وماتزال الأمة الاسلامة منذ وقوعها في شراك الغلو، غائبة لا مغيبة عن قضاياها وعن ذاتها:


مغيبون ويقضي الناس أمرهم
وهم بغيب، وفي عمياء ما شعروا

* ويسرني ان تكون الطريفة الثالثة من أفواه الأطفال، تلكم هي حكاية الحمار والنملة, تعقد الحكاية صداقة بين الحمار والنملة، وتلغي فوارق الحجم والوزن والسلوكيات، وهكذا يسمح خيال الأطفال المرن جدا بتخيل الممكن واللاممكن، وتوحي لغة هذا الخيال للعالم بوجوب البحث عن لغة للتفاهم بين أطرافه، لا محاولة البحث عن عوامل الفرقة بين افراد المجتمع الواحد، واجواء النعرات الفاسدة، ولاحظوا معي ان الحمار والنملة مهيآن لإقامة اسرة، إذ هما ذكر وأنثى عاش هذان الصديقان كما تذكر الحكاية ردحا من الزمن، في سعادة غامرة، وعيش هادىء لايكدره شيء، وذات مرة خرجا من مقر سكناهما، ونسيا مفتاح الباب داخل الشقة، وتساءل الصديقان: من في استطاعته أن يدخل الشقة والباب مغلق، لاجتلاب المفتاح؟ ويوجه الطفل الحكواتي إلى زميله السؤال نفسه، فيجيب على الفور: النملة طبعا، وذلك لإمكانها الدخول من أي فتحة صغيرة , فيقول الطفل الحكواتي: وهكذا كان رأي الحمار، ثم تنطلق الضحكات,! وكم في الحياة من مضحكات مبكيات,! وكم من حمير يعيشون في ثبات ونبات، ولله في خلقه شؤون وآيات,!

أعلـىالصفحةرجوع













[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved