| تراث الجزيرة
ان مفارقة الاصدقاء والبعد عن الوطن من الامور التي اشتكى منها الشعراء في قديم الزمن وحديثه، والحنين الى الوطن فيه معنى الوفاء للوطن والولاء له، وكثيرا ما يعيش الإنسان في موطن ارتحل اليه واصاب فيه سعة من العيش ومتعة في الحياة ومع ذلك فهو يتشوق الى بلده الاول ويعاوده حنينه اليه بين حين وآخر.
والشاعر الشعبي سعد بن حمد بن ضويان عاش في بلدته الشعراء منذ نشأته في رغد من العيش، وكان كريما وفارسا مغوارا وصاحب قنص يقنص الوعل في جبل ثهلان وله شعر في القنص,, وقعت بينه وبين جماعته اهل الشعراء في إحدى السنوات جفوة فغاضبهم وارتحل الى القرين الذي يبعد عن الشعراء شمالا ثمانين كيلا تقريبا فحفر فيه بئرا زراعية وزرعها وبنى قصرا واستقر فيه بأسرته غير انه كثيرا ما يعاوده الحنين الى بلده الاول وينازعه الشوق اليه وقد خلف فيه قصرا كبيرا ومزارع,, وفي قصره يقول:
يا دار ليت الزمل يقوى يشيلك واشد بك عن ديرةٍ جزت منها القض بالمسحات,, ما يستوي لك والبيع ماكلٍ,, بيقوى ثمنها |
هكذا كان يحن الى داره في الشعراء، داره التي تركها عامرة,, فلا الجمال تقوى على حملها فيرتحل بها معه، وليس كل يقدر على دفع ثمنها لغلائها وارتفاع ثمنها فيبيعها.
مرت عليه سنوات وهو يعاني من آثار هذه الجفوة ويحن الى العودة وقد اعتاض عن القنص في جبل ثهلان المحبب اليه بالقنص في جبل جبله القريب من القرين، ومما يزيد في حنينه الى الشعراء ويستثير كوامن شوقه انه اذا صعد في جبلة للقنص بدت له قمم ثهلان الفارعة التي ألفها في شبابه وعاش بين اكنافها ومارس هواية القنص في رعانها فيتذكر قصره القديم ولذة حياته في افيائه فلا يتمالك ان يقول:
عديت في ضلع كثير الحجارة في مرقبٍ مدهال دغم الخشومِ يا قصر ياللي شفت حليا سماره في ظل ملموم,, برأسه رجوم يا زين فيه الصيد تلعب جفاره ومربضات دونهن,, القحوم يا زين صوت الملح عجل مثاره واقفن عجلات تقل حصن روم اطرب لزعج الدم زين انتثاره جاله على خطر الصفايح رشوم طرده ولع وإلا ان ما به تجاره الله يلوم اللي,, لحالي يلوم |
طرد الصيد في رأيه ولع هواية متمكنة وليس فيه تجارة تزجى او بلوغ ثراء اعتذار للائميه في قضاء كثير من وقته في القنص ومثله يقول الشاعر رماح ابو قنية العتيبي الذي كان يقنص في ثهلان:
الصيد ولعة لا تجاره ولا فيد ومن ذاق شيء بأول العمر عادِ |
عاش هذا الشاعر سعد بن حمد بن ضويان في القرن الثالث عشر الهجري وغزا مع الإمام عبدالله بن فيصل بن تركي عدة غزوات.
وبعد ان سئم المقام في القرين وطال شوقه الى بلده ولم يعد يملك نفسه في منأى عن اخلائه ورفقائه ذهب لجبله للقنص وكان يصحبه في قنصه رجل اسمه حسين من العوازم اهل بلدة نفي التي تبعد عن القرين شمالا خمسة وعشرين كيلا كان هذا الرجل يلازمه ويخدمه في بعض شأنه,, وبينما كانا معا في جبله قال يخاطبه:
يا حسين لاكني على الجمر مجضوع من فقد خلاني وفقدي ربوعي علمي بهم يوم اول الجيش ممنوع عيّت ذلولي,, تنثني للمنوعِ خليتها تأخذ مع الحزم,, قرطوع واسجها لعيون,, غزو فروعٍ جانا حصان كن راعيه,, مصروع خيّال حرد,, وللركايب طموعٍ وركبت حبتها على منشب,, الكوع وخليتها تضرب مثاني الضلوعِ |
إبراهيم محمد الجبر ثرمداء
|
|
|
|
|