| عزيزتـي الجزيرة
رغم الوعود الكثيرة والمتكررة من قبل المسؤولين في التعليم العام للتغلب على بعض المشاكل او العوائق التي تعوق العملية التربوية والتعليمية وخاصة في بدء كل عام من نقص حاد في المعلمين والوكلاء والمديرين اضافة الى ما يحدث من نقص في الكتب والأدوات والوسائل التعليمية وخلافه، الا ان شيئا من ذلك لم يحدث وخاصة على مستوى الكادر البشري وكأن العملية ترحل من عام الى عام دونما تغيير في كل عام تكرر نفس المشاكل وتستمر الى منتصف العام او نهايته وقد لا تحل ثم تدخل عليها مشاكل أخرى في السنة التالية وتستمر العملية هكذا تدور في حلقة مفرغة .
ان ترشيد الانفاق الحكومي على التعليم لا يهدف مطلقاً الى حدوث مثل هذه المعوقات والمشاكل والتي لاشك ان نتائجها سلبية بكل ما تعنيه هذه الكلمة وعلى كافة المستويات والأصعدة، بل ان الانفاق التعليمي يعد استثماراً في رأس المال البشري على المدى الطويل وله عوائده الاقتصادية والاجتماعية على المستويين الفردي والاجتماعي, وما ينتج عن ذلك من مساهمة فعالة ودور كبير للتعليم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والنمو الاقتصادي، اضافة الى جانبه الاستهلاكي والذي يحقق اشباع رغبات وحاجات الأفراد الحالية والمستقبلية، وهذا يعني ان زيادة الانفاق على التعليم ليس خللاً او عبئاً على الاقتصاد القومي والمجتمع بشكل عام اذا ما صب في القنوات الصحيحة وحسب الحاجة، ومثل هذا التوجه معلوم لدى المسؤولين عن التعليم في المملكة.
ومن ناحية اخرى فان عملية تأخير تعيين المعلمين الجدد أو اصدار حركات النقل او الترشيح من قبل الادارات المدرسية للوكلاء والمديرين، أي عملية اتخاذ القرار يجب ان يكون قد تم الانتهاء منها قبل بدء الدراسة بشكل كاف او على الأقل مع بدء الدراسة، على ان يباشر كلٌّ في موقعه خلال الاسبوع الأول من الدراسة، اما ما عدا ذلك التأخير فانه يساهم بشكل كبير جداً في اعاقة سير العملية التربوية والتعليمية, وقد يكون مرد مثل هذه الاختناقات التي تحدث في بدء كل عام الى التأخير في صنع واتخاذ القرار فيما يتعلق بالتعيين والنقل والترشيح وخلافه، كما وان استمرار مثل هذه العملية ردحا من الزمن أمر غير معقول, ومن ناحية اخرى لانجد هناك مبررات مقنعة لحدوث واستمرار مثل هذه المشاكل سوى البيروقراطية وتعقيد الاجراءات او انخفاض مستوى الانتاجية لدى العاملين التنفيذيين في الأقسام والوحدات والشعب المختلفة ذات العلاقة واخيراً ضعف أو انعدام التنسيق بين الأجهزة ذات العلاقة في هذا الشأن.
ثم أين التخطيط؟ أين المتابعة؟ وفوق كل ذلك أين الادارة بشكل عام أقصد بالادارة هنا الجهة أو الجهاز المسؤول عن القسم أو الوحدة بما تحويه من عناصر ، وماذا فعلوا تجاه هذه المشاكل ولماذا تستمر كل عام، الا يوجد حلول؟ ألم تدرس؟ ألم يتم التوصل الى نتائج وتوصيات وحلول من الدراسات والاجتماعات التي لا تعد ولا تحصى ؟ وأين هي من الواقع؟
ثم ما هو الذنب الذي اقترفه العاملون في الميدان التربوي حتى يتحملوا المزيد والمزيد من الاعباء الناتجة عن اخطاء وقصور الآخرين في جهازي الادارة التعليمية والمراكز التابعة لها والوزارة.
انني أرى مثلما يرى الكثير ولا استطيع التعميم قد يخالفني البعض ان العامل في الميدان التربوي سواء كان معلما أو وكيلا أو مديرا يعامل وكأنه أداة أو آلة يتم تحريكها كيفما يشاء الآخرون وذلك لمجرد ان المشرف التربوي، أو مسؤول القسم، الوحدة، أو الشعبة أو خلافه، يرغب في ذلك مستغلاً موقعه الوظيفي دونما مبررات مقنعة وحاجة ملحة، وفوق كل ذلك دونما تقدير لذات الانسان ومشاعره وآرائه ومقترحاته وتخصصه وميوله هل يستطيع مثلاً فرد أو فردان أو حتى ثلاثة أفراد ادارة مدرسة يفوق موظفوها الخمسين وعدد طلابها الألف طالب أو أكثر والاشراف الدقيق والمتابعة لمختلف الأنشطة من شؤون طلاب وشؤون ادارية واختبارات ونتائج وحضور اجتماعات وووو,, إلخ,, من الأعمال والمهام التي لا تنتهي ؟
ان هناك من يعارض وجود وكيل ثالث للشؤون الادارية في المدارس الكبيرة مثلا لأسباب غير منطقية رغم ضرورة تواجده في المدارس في ظل عدم وجود الكاتب أو الموظف المتخصص في الأعمال الادارية فالكتبة والموظفون العاملون في مدارسنا اليوم لا تتوافر لديهم المؤهلات والخبرات والتخصصات التي تؤهلهم للقيام بمثل هذه الأعمال الدقيقة، اضافة الى ان هناك أعمالا تتطلب تركيزا وجهدا ذهنيا وبدنيا كبيرا خاصة في بداية العام الدراسي ونهايته هم لا يستطيعون القيام بها مثل متابعة التسجيل والملفات وادخال البيانات واظهار النتائج وتدقيقها وتعبئة الاحصائيات الدقيقة والتي تساعد في اتخاذ القرار على مستوى القطاع أو المجتمع بأكمله وعندما يصدرون هذه الآراء هم في الحقيقة بعيدون عن واقع ودينامية الميدان التربوي التعليمي اليوم.
والسؤال الآن: من يقوم بهذه الأعمال إذاً في هذه المدارس الكبيرة؟
كما ان المدير لا يستطيع ان يشرف الاشراف الدقيق على كل ما يحدث في المدرسة لمفرده نظرا لكثرة المهام والأعباء اليومية والمتكررة التي يقوم بها فيما يتعلق بشؤون المعلمين والطلاب والادارة، اضافة الى البرامج الأخرى من زيارات وحضور اجتماعات داخلية وخارجية واستقبال أولياء الأمور والمراجعين وما شابه ذلك, كما ان الوكيل المسؤول عن شؤون الطلاب لا يستطيع ان يمارس أية أعمال ادارية بجانب شؤون الطلاب لازدواجية العمل وما قد يترتب على ذلك من قصور في أي منهما, اضافة الى ان المدير بحاجة ماسة الى ان يكون لديه وكيل مساعد ينوب عنه في حالة عدم وجوده لأي سبب كان وللإشراف على الموظفين والطلاب ومتابعتهم بشكل عام في ظل أعبائه الكثيرة جدا, كما ان التجربة في هذا المجال وفي المدارس الكبيرة أثبتت اهمية وجدوى تقسيم العمل وفقا للتخصص، أفلا يكفي ذلك لتعميم هذه التجربة على المدارس الكبيرة وتحقيق العدالة والمساواة بين المدارس والا فما هو الفرق بين المدارس الكبيرة والمتوسطة, وهل تطبق المعايير في هذا الشأن، أقصد توجيه الوكلاء والمرشدين وفقا للمعايير التربوية بناءً على أعداد الفصول او الطلاب عدد الطلاب/ وكيل او الأمور الأخرى وهل المعايير لا تزال كما هي ولم تستجب للتطورات والتغيرات التي حدثت في الآونة الأخيرة فيما يتعلق بالنظام التعليمي أو فيما يتعلق بالوضع الاجتماعي العام؟ لا أعتقد وان طبق بعض منها فان ذلك لا يدوم أكثر من فصل دراسي او فصلين وتعود الأمور الى السابق عشوائية ونقص ومشاكل.
ان مخرجات التعليم العالي كفيلة بسد الاحتياج من التخصصات المختلفة التعليمية والادارية والفنية فلماذا لا يتم الاستفادة منها وبشكل سريع من قبل الوزارة, وأين التنسيق فيما بين الوزارات ذات العلاقة بتحديد الاحتياج والتوظيف والتعيين؟
ان سر تقدم المنظمات الاقتصادية والادارية والسياسية والثقافية في العصر الحديث في الدول المتقدمة يعود بالدرجة الاولى الى الايمان بمبدأ التخصص وتقسيم العمل ومبدأ وضع الرجل المناسب في المكان المناسب, ليس ذلك فحسب، بل والعمل على تنفيذها بشكل دقيق.
ان سد الحاجة أو درء الخطأ بخطأ آخر لن يثمر ولن تحل المشكلة وقد يتفاقم الأمر ويحدث العكس من المتوقع.
ان رجل الادارة او المخطط يجب ان يكون لديه وبعد نظر وتقدير للأمور والتخطيط لها والتنبؤ بكل الاحتمالات الممكنة والعمل على توفير البدائل الممكنة مرتبة تنازليا حسب الأهمية مع الأخذ في الاعتبار الفترة الزمنية وهذا عامل مهم جدا بل انه حاسم، اما ان تدمج كل الخطوات السابقة في خطوة واحدة وتنفذ في الوقت الضائع وقت حدوث المشكلة ودونما مراعاة للاعتبارات الشخصية والنفسية وخلافها للأفراد فهذا لا شك خطأ فادح لا يقع فيه الا المتهربون من المساءلة والمسؤولية ولكي يتحرر هو من كل ذلك.
ثم ان الميدان بكل سلبياته المتعددة في وقتنا الراهن الضغوط النفسية والاجتماعية والمادية، ضغوط العمل والبيئة المحيطة به،,, إلخ والتي تعد عبئاً ثقيلاً جداً لا يطاق، كفيل بالعاملين في الميدان، فهل هو بحاجة للمزيد من المتاعب والاعباء! لا أعتقد وفي المقابل فان فقده أي الميدان لكل المغريات وعوامل الجذب والتشجيع والتي تدفع بالأداء أو الانتاج الى الامام يمثل عامل تثبيط وسلبية أخرى تضاف الى السلبيات السابقة.
انه ومن باب أولى حل هذه المشاكل والمعوقات من جذورها وبطرق علمية ومدروسة وبعيدة كل البعد عن العشوائية والارتجال والمحسوبية والتي تعد من ألد أعداء الاجهزة الادارية في كل مكان وزمان.
كما ان محاولة الاستفادة القصوى من العامل في الميدان التربوي بهذه الطريقة تكليفه بأكثر مما يطيق أو اجباره على اعمال لا يرغب مزاولتها وتنحيته عن الأعمال التي يرغب القيام بها وفقا لتخصصه او ميوله وغير ذلك لن تثمر ايجابيا بأي حال من الأحوال، بل ان العكس هو الذي يحدث في الغالب.
اننا عندما نرغب ان نصل الى مستويات عالية في المجال التربوي التعليمي فانه يجب مراعاة بعض الأمور والتي من أهمها توفر كل المقومات والامكانات المادية والمعنوية لكل العاملين في الميدان التربوي والمستفيدين منه على السواء دونما مبالغة لطرف على حساب آخر، والبعد قدر الامكان عن العشوائية والارتجال والمحسوبية والحكم الشخصي وتجاهل النظام والمعايير والعدالة عند اتخاذ القرارات.
اننا ونحن على أبواب القرن الحادي والعشرين والعالم من حولنا قد وصل الى مستويات عليا في مجالات كثيرة وفي مقدمتها التعليم بمختلف انواعه ومستوياته وخاصة التعليم العام بصفته اساس نهضة وتقدم الأمم والشعوب، ونحن لا نزال نتخبط بين سد العجز والنقص الحاد في ركن او اكثر من اركان العملية التعليمية وفي ادواتها ووسائلها من ناحية وبين اللوائح الجديد وبرامج الحاسب الملائمة من ناحية أخرى ولم نصل الى حلول مقنعة.
كم هي خسارة الدولة المحتملة من مثل هذه التغيرات والتي لا تزال في طور التجربة بمعنى ان احتمال الفشل وارد ؟ مثلما فشل النظام المطور علماً انه من حيث المبدأ نظام سليم ومتطور، ومع ذلك لم يستمر لأنه قد يكون تجاهل الاعتبارات الاجتماعية والثقافية الى حد ما والأهم من ذلك وعي المجتمع لمثل هذا النظام بشكل عام والمجتمع الطلابي بشكل خاص.
أين الحوافز بأنواعها من التعليم العام والتي من شأنها رفع الروح المعنوية وزيادة الأداء والتي بدورها تدفع العملية التربوية التعليمية بشكل عام الى الامام، وان وجدت فهي بشكل قليل وتفتقد لأهم اركانها وهي أولا المعايير التي تقيس الأداء والتي تبنى عليها انها ليست دقيقة وواضحة والأهم من ذلك انها غير معلومة من العاملين الحوافز والبعثات التدريبية والانتدابات الخارجية والترقيات المعنوية وما شابهها، وثانيا العدالة في الاختيار، وثالثا تطبيق مبدأ الجدارة الكفاءة والعمل بموجبه.
ومن ناحية أخرى، فان وجود نقص في بعض التخصصات ان لم يكن معظمها غير مبرر من قبل الجمهور بشكل عام والعاملين في الميدان التربوي بشكل خاص، فمثلاً هل يعقل ان يكون هناك عجز في شعبة التربية الاسلامية أو اللغة العربية، كيف والمملكة بها ثلاث جامعات متخصصة بكلياتها وأقسامها وذلك خلاف الأقسام المتخصصة في الكليات في الجامعات الاخرى وفي كليات المعلمين والتي تقدم مخرجاتها بالآلاف سنويا للمجتمع وعلى رأسه قطاع التعليم وزارة المعارف بالأخص ، بل ان هذه التخصصات الفرعية من التخصص الأم التربية الاسلامية أو اللغة العربية وعن طريق الكليات والأقسام تعد وتهيىء الدارس بها لكي يكون معلما قبل ان يكون أي شيء آخر.
ان معظم ان لم يكن كل العاملين في الميدان التعليمي قد أصابهم الملل والاحباط بل قد يكون اصاب الأغلبية الشلل في الأداء وذلك من طوق الأعباء والضغوط اليومية والتغيرات المفاجئة والأهم من ذلك كونهم الملاذ الأخير لتحمل كل اخطاء وقصور الآخرين العاملين في مراكز الاشراف أو الادارات التعليمية او الوزارة.
وأخيرا، ألم ينظر الى الخسارة التي يتكبدها المجتمع والأفراد من تأخير صدور مثل هذه القرارات سنويا، ولعل المسؤولين عن التخطيط والمتابعة وشؤون المعلمين والحركة مشكورين سيتداركون ذلك من الآن للمستقبل القريب العام القادم ان شاء الله.
اننا لا ننكر الجهود التي يبذلها العاملون في جهاز الوزارة والادارات التعليمية والمراكز التابعة لها، الا انها بحاجة الى ان تضاعف وتوحد وان يكون الهدف العام والسياسة العليا هي نصب أعين الجميع، وان يتم تفادي المعوقات التي من شأنها تعطيل وابطاء سير العملية التربوية والتعليمية في بلادنا.
وأخيراً، أريد ان أوضح ان الهدف من هذه المقالة هو المشاركة الفعالة لتطوير العملية التعليمية والنقد الهادف، ولعلها تعم الفائدة.
والله من وراء القصد.
عبدالله محمد المالكي وكيل ثانوية الملك عبدالعزيز الرياض
|
|
|
|
|