| الاخيــرة
لم يترك الأطباء وعلماء الغذاء، محفلاً أو ندوة أو وسيلة إعلام، إلا وأبانوا وأوضحوا أهمية الغذاء ووجوب تقنينه، وحرصوا على الايضاح بأن الإفراط فيه مضر بمقدار ضرر نقصه، ورحم الله المتنبي حيث يقول رغم فارق المناسبة والمعنى.
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى |
ولن يكون الحديث عن البروتينات والفيتامينات والحديد والبوتاسيوم والمنجنيز وغيرها من المعادن، كما لن يكون عن مقدار الكربوهيدرات اللازمة، والدهون, وتأثيرها على الانزيمات والهرمونات أو تأثير تلك الأنزيمات عليها، فذلك شأن آخر.
ففي هذه العجالة شيء مما حوته كتب الأدب عن الشبع والسمنة، فقد رأى اعرابي رجلاً سميناً فقال له: أرى عليك قطيفة من نسج اضراسك, ورأى أبو الأسود الدؤلي رجلاً يلقم لقماً منكراً، فقال له: كيف اسمك؟ فقال: لقمان، قال: صدق الذي سماك!
وقال اعرابي: كنت اشتهي ثريدة دكناء من الفلفل، رقطاء من الحمّص، لها جناحان من اللحم، فأضرب فيها كما يضرب ولي السوء في مال اليتيم.
وازدراء الأكول ظاهرة معروفة لدى العرب، ونهمه مدعاة للسخرية، وليس لنا أن نؤول هذه الصفة إلى نيل الطعام بعد الفاقة وشغف العيش، بل كانت مألوفة عند من تمتلئ موائده بالكثير من صنوف المأكولات.
قال الشاعر يصف أكل ضيفه:
ما بين لقمته الأولى اذا انحدرت وبين أخرى تليها قيد أظفور |
وقال آخر:
ألفت ذبيحتنا شطرين بينهم كأن أظافرهم فيها السكاكين |
وهكذا كانت العرب ترى رأيها في الأكول وبعض من الحكماء يرون في الإفراط في الأكل مضرة فقال أحدهم: إنني إنما آكل لأحيا، وغيري يحيا ليأكل.
وقيل لآخر: ما أفضل الدواء؟ قال: أن ترفع يدك عن الطعام وأنت تشتهيه.
هذه النظرة من العرب في العصور الخوالي إلى الأكل والأكول توثقت بعدما أثبتت التجارب العلمية ان الافراط في الغذاء سبب الكثير من الأمراض والمواجع، وكأني أنظر إلى تلك الوصفات المتعددة والمتنوعة من أنواع الرجيم التي يتداولها الناس وقد نسوا أو تناسوا ان العلاج الناجح وحده يكمن في أن يأكل المرء بقدر حاجته وليس بقدر شهيته.
|
|
|
|
|