أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th April,2000العدد:10066الطبعة الأولىالخميس 15 ,محرم 1421

الثقافية

أجنحة الكلام
وردة,, وحبة ضوء!
ريمة مبارك
بُحّت أصوات الكتاب في نداء إنساني نبيل يطالب بضرورة تكريم رموزنا الثقافية من الذين قدموا عطاء متميزاً وتقدم بهم العمر في حياتهم كشكل من التقدير والعرفان يملأهم ثقة وإيماناً بأن جهدهم لم يكن هباء، ذلك أننا كنا قد ألفنا اقتران التكريم بالرحيل، فما أن تنتهي مسيرة الحياة لأديب كبير حتى تدبج القصائد وتفرد الصفحات لكلمات الرثاء التي تذكر بالمآثر وتشيد بالمنجز وتتأسى على الرحيل والفراق، وتتسابق الاقلام في الدعوة الى الاهتمام بتراثه والعكوف على دراسته أو اطلاق اسمه على مؤسسة ثقافية أو زقاق في شارع إلى آخر ما تفيض به المشاعر الطيبة من اجتهادات تنتهي بانتهاء المناسبة حبراً على ورق!,, مسألة غريبة تدين فينا عدالتنا أكثر مما تنصف في الراحل مسعاه، إذ كأننا نعترف أننا كنا قد نسيناه حتى مات فتذكرناه,, ألم يكن من حقه أن يكون ضمن الشاهدين على طقوس التكريم وهو صاحب العرس وموضوعه الوحيد؟!
بل إن الدعوة الى تكريم الأحياء بدورها قد اصبحت ضمن شعائر تكريم الراحلين، فهي لا تتجدد إلا مع كل راحل جديد!
أليس غريباً ان نقرأ أو نسمع أن جائزة شرفية كبرى قد منحت لاسم المرحوم فلان، وتسلمها عنه نجله او حفيده فإذا كان الرجل جديراً بالجائزة فماذا لم تسلم له في حياته فهو بكل اليقين لم يضف لجهده شيئا بعد الممات؟!
منذ أيام في السابع والعشرين من مارس فاجأتنا دار سعاد الصباح للنشر ببادرة رائعة، حين اصدرت في ذلك اليوم سفراً تذكارياً مهيباً 800 صفحة من القطع الكبير، طباعة فاخرة بالالوان بعنوان وردة في عروة الفارس النبيل ، أسهم في تحريره كبار الأدباء والنقاد والفنانين، وتم توزيعه في حفل كبير ضم المشاهير من رجال الفن والادب والسياسة من العرب والاجانب، ممن وجهت إليهم الدعوة للمشاركة في تكريم الفارس وتسليمه جائزة تذكارية، الفارس الذي حط عليه الاختيار لاستهلال فعالية دائمة تبنتها الدار، تحت شعار تكريم الأحياء .
الفارس هو الدكتور ثروت عكاشة الذي أعطى اختياره لهذه الفعالية قيمتها وموضوعيتها اللانهائيتين، فثروت عكاشة بقوته وتأثيره عبر المناصب الرسمية والدولية التي شغلها، وبمعطياته ومنجزاته في مختلف المجالات الثقافية حين تفرغ للكتابة قد تجاوز مجرد ان يكون رمزاً هاما من رموز الثقافة العربية أو أن يكون مجرد باحث دؤوب، أو ناقد مبدع، أو فنان أصيل، تجاوز ذلك كله ليكون ملمح الاساس في واجهة الثقافة العربية المعاصرة.
ليست هذه الكلمات ضربا من المبالغة التي تمليها عادة المناسبة فمنذ عدة سنوات كتب تركي السديري رئيس تحرير الرياض يقول عن ثروت عكاشة: إن مصر لو أنصفت لأقامت لهذا الرجل مجسما في كل ميدان وكل شارع وكل حارة ونحن إذا سلمنا بفكرة ان ثقافة كل جيل من الاجيال يمكن ردها إلى مصادر ثقافية محددة هي التي تعطي لها ملامحها وتفردها، فقد نجد ان جيل الستينات في مصر، بشبابه وشيوخه، قد اصبحت معطياته هي المصادر الثقافية للاجيال التي تلته، وحتى الآن، فإذا تأملنا مرة اخرى ذلك الجيل الاساس وكيف تشكلت له ملامح ثقافية، اكتشفنا انه كان قد أقامها على توازن حكيم بين الولاء للجذور التي تؤصل ثقافته وتمنحها الهوية العربية، وبين الاستيعاب الواعي لمعطيات الفكر الانساني المعاصر، وتلك الموازنة ما كان لها ان تقوم إلا ان يسندها وعي ثاقب، يتجاوز النمطي والرسمي والمألوف، ويهيئ الظروف ويفتح المدى امام الطاقات الابداعية لتجرب حظها في التعبير,, وقد تمثل هذا الوعي في السلطة الثقافية آنذاك في وزير الثقافة الذي كان هو الدكتور ثروت عكاشة.
عرفت تلك الفترة عشرات المجلات الثقافية المتخصصة التي قدمت التراث كما قدمت مواكبة للثقافة الاجنبية، وعرفت عشرات فرق المسرح المتخصصة التي قدمت للناس روائع من التراث العالمي مثلما قدمت التجارب الاوروبية المعاصرة ليونسكو ، وبسيكت ، ودورينمات وغيرهم ومثلما قدمت توفيق الحكيم والشرقاوي ، والفريد فرج ، ونعمان عاشور ، وصلاح عبدالصبور وسعد وهبة وغيرهم، وفي ذلك الوقت تعددت معارض الفنون وعروض الباليه والمسرح وحفلات الموسيقى العالمية وأصدرت المطبوعات بمعدل كتاب كل ساعتين، وكلها لم تكن إلا تهيئة للظروف مكّنت ثقافة ذلك الجيل من ان تضع قدما ثابتة في التراث وأخرى واثقة في العصر,, تهيئةً صاحبها الاوحد وراعيها هو وعي وزير الثقافة الدكتور ثروت عكاشة.
هذا وحده يكفي ناهيك عن مؤلفات موسوعية استحدثت في الذائقة العربية الاحساس بالجمال، وترجمات امسكت بمعطيات كبرى للحضارات تجاوزت المائة كتاب، وعن فضلٍ في انقاذ الآثار وإنشاء المؤسسات الثقافية والمعاهد الفنية المتخصصة وفرق الفنون الشعبية والمتاحف والمسارح مما تضيق به كل مساحات الرصد والكتابة,تكريم الاحياء في شخص ثروت عكاشة وردة في عروة الفارس النبيل مثلما أن المبادرة بالفكرة تبقى حبة ضوء في واجهة تلك الدار ,.

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved