أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Thursday 20th April,2000العدد:10066الطبعة الأولىالخميس 15 ,محرم 1421

مقـالات

ضحى الغد
العلة الباطنية ,,,!
عبدالكريم بن صالح الطويان
من أسباب ذهاب ريحنا قديما وحديثا تلك العلة الباطنية المزمنة، ألا وهي الخلاف والتنازع بيننا في العالم العربي، ولا تجد لذلك مبرراً سوى حب الشرف والرئاسة، وهي مشكلة الإنسان العربي منذ أن كان أعرابياً في جزيرة العرب، ثم وهو حضري في بغداد ودمشق والقيروان وقرطبة، حب الرئاسة، والجلوس في الوسط، والتنازع على الإمارة، وقيادة الناس، هي العلة الباطنية، والداء الدوي، والمرض المزمن، الذي يفتك بالإنسان العربي على مستوى الأسرة والعشيرة والقبيلة والقرية والمدينة والدولة!
وكانت هذه العلة الباطنية سبب تشتت القبائل العربية في الجزيرة العربية، وعدم اجتماع كلمتهم، وتنازعهم على المراعي والموارد، وعدم خضوعهم لبعضهم، مما جعلهم تحت سيطرة الممالك غير العربية المحيطة بهم، وحين اجتمعت كلمتهم في معركة (ذي قار) انتصروا على الفرس وانتصفوا لحقوقهم، لكنهم مالبثوا أن عادوا لشقاقهم ونزاعهم بدافع من حب الرئاسة والتنازع على السلطة! ولما جاء الإسلام وحّد كلمتهم وعالج بالتدرج هذا المرض المزمن، وأنزل الله قرآنا يتلى: وأطيعوا الله ورسوله ولاتنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين 46: الأنفال.
لقد بيّن الله سبحانه وتعالى أن الفشل وذهاب الريح هما نتيجة طبيعية للنزاع، كما عالج الرسول صلى الله عليه وسلم هذه العلة، في حديثه المشهور: ما ذئبان جائعان أرسلا في غنم بأفسد لها من حرص المرء على المال والشرف لدينه !
قال عنه الإمام الترمذي: (حسن صحيح), إن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم يعالج في هذا الحديث جانبا نفسيا في الإنسان عموماً وفي الخاصية العربية بالذات، تلك التي أجاد الأعرابي تمثيلها في قوله الذي ذهب مثلاً: حبذا الإمارة ولو على الحجارة !
وحين تنازعنا القيادة في سقيفة بني ساعدة ، فقال قائلنا: منا أمير ومنكم أمير ! عدنا بحمد الله في نفس الموقف إلى الصف الواحد، فكانت الخلافة الراشدة، صفحة مضيئة من تاريخنا الأول!
وحين تنازعنا بعد فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه، كادت أن تذهب ريحنا، لكن إيماننا بالله كان قوياً إذ ما لبثنا أن عدنا إلى عام الجماعة ووحدة الكلمة، ففتح الله لنا الأمصار! وكلما عدنا إلى الصف والاجتماع ونبذ الخلاف والنزاع عاد بنا الله الى النصر وأمثلة ذلك كثيرة في مفاصل تاريخية هامة من حياتنا!
وإذا كان الأطباء يقولون ان بعض الأمراض الفيروسية الكامنة في جسم الإنسان تظهر أحياناً إذا ضعف جهاز المناعة لسبب من الأسباب، فإن هذه (العلة الباطنية) علة الخلاف والتنازع (حب الشرف والرئاسة) لا تظهر إلا إذا ضعف الإيمان بالله عند الإنسان العربي، أما إذا قوي إيمانه بالله، فما أسرع ان يتوحد هدفه، وتجتمع كلمته ويستوي صفه، ويرخص حب الرئاسة عنده ، ويبيع نفسه في سبيل الله، هنا يصبح الإنسان العربي كما أراده الله: إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص الصف: 4.
وما التنازع على الحكم والانقلابات العسكرية، والثورات المتتابعة، واختلاف وجهات النظر، وتصدع وحدة الكلمة، واختلاف الصف التي شهدتها أقطارنا العربية في السبعين عاماً الماضية إلا نتيجة للرئاسة وحب الشرف والإمارة، كل دولة عربية ترى انها العظمى وأنها الأجدر بالقيادة، وأنها الأحق بالشرف والرئاسة، وكل حزب يرى انه الأحق منهجا والأصوب فكراً والأجدر قيادة وحكماً!، وبالتالي هاجم هذا الفيروس المزمن جسم الأمة العربية فضعف مجموعها وتشتتت دولها (قبائلها)! وسيطرت على مقدرات وأقدار الأمة قوى خارجية ظلت على مدى التاريخ البعيد والوسيط والحديث تتربص بها الدوائر وتنتظر فترات ضعف الجسم العربي لتسيطر على أطرافه وتمتص دمه وتعبث بشرفه وكرامته!
لا أمل للإنسان العربي إلا أن يقاوم هذا الفيروس المدمر، فيغلّب مصلحة الأمة على مصلحة الذات التي يسكن في وجدانها حب الشرف والرئاسة! على الإنسان العربي أن يكون اساسا عميقا غائراً في تراب الوطن العربي، ليكون قاعدة صلدة صامدة مجهولة لا تُرى يتأسس عليها البنيان العربي الكبير ويشمخ عاليا وتتكون شرفاته العالية من أعماق أولئك الجنود المجهولين الذين أرادوا عزة أمتهم ونصرها.
لولا العروق المطمئنة في الثرى
ماكانت الأغصان ترفع رأسها !
نحن اليوم بحاجة إلى تلك العروق المطمئنة في الثرى، لتنهض الشجرة العربية عالية، دون أن تظن ذوائب الشجرة بأن الشرف والعلو لها! فلو العروق المطمئنة ما كان للأغصان ان ترفع رأسها إلى السماء!
الوطن العربي يقاوم اليوم جسما أجنبياً يراد أن يزرع فيه بالقوة، ولن يتآلف هذا الجسم الغريب معه أبداً! ولا بكل أدوية مثبطات المناعة! ولن يُشفى منه الجسم العربي إلا إذا قاوم حمى ذلك الفيروس الذي ظل يُضعفه ويصيبه بالحمى والوهن: حب الرئاسة والشرف !
لقد آن لنا بعد تاريخ طويل من تضخم الذات العربية وانتفاشها على مصلحة الأمة وتنازعها أطراف مجدها لأمجاد فردية شتى فرقت الرأي وشقت الصف، وشتتت القوى! لقد آن لنا بعد هذه التجربة المؤلمة في تاريخ الأمة ان نشهد جيلاً يُنكر ذاته ومطامعه وأمجاده الشخصية ليهبها لأمة ظلت مفتقرة لقوى متعاضدة لهدف واحد تسعى إليه الجموع لتنتصر على نفسها قبل أن تنتصر على ضعفها وتخلفها وتحولها إلى حمى مستباح لكل عدو طامع وقوي طامح! إن العرب هم حصن الإسلام، ومأزر الإيمان قوتهم قوة للإسلام، وضعهفم ضعف له، وإن تأسيس وحدتهم ذات الهدف الواحد المشترك، وثبات الموقف، وتغليب المصلحة العامة على الخاصة، واجتماع السياسة العامة على الهدف الواحد المراد لا تتم إلا بعلاج تلك (العلة الباطنية) والتضحية بوجدانيات حب الشرف والرئاسة تلك النزعات والنزغات التي أخرجتنا من الأندلس، وفلسطين,, و,, وماذا بعد!!

أعلـىالصفحةرجوع

















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved