| وطن ومواطن
نحن الآن نقف على باب القرن الجديد، القرن الحادي والعشرين، وما هي الا اشهر معدودة حتى يفتح القرن بابه، ولاشك ان هذا يعني الكثير بالنسبة لنا، وفي مقدمة ما يعنيه وجوب محاسبتنا لأنفسنا محاسبة جادة، ومعرفة ما وصلنا إليه من مستوى في الوعي الحضاري وفيما إذا كان يتساوى مع ما وصلنا إليه فيما يتعلق بالحضارة المادية لأننا نتفق جميعاً على أننا ولله الحمد، قد بلغنا قدراً من الحضارة المادية عظيماً، مقياساً بالعمر الزمني لدولتنا, ومنظرو علم الاجتماع يؤكدون ان التقدم الحضاري المادي أسرع واسبق من التقدم الحضاري الفكري والثقافي, ولاشك ان هذا ينطبق على حالنا في هذا المجتمع، فالزائر الذي يزور بلادنا لأول مرة، يرى في مدننا ما يضاهي ارقى مدن العالم من حيث الطرق والجسور والأنفاق والمطارات والعمران في أبهى مظاهره، ثم ينزل الى السوق فيرى ما يجعله يشهد اننا اصبحنا لا نقل عن كثير من الدول الغربية التي سبقتنا في الحضارة بمئات السنين, ثم يقلب الصفحة فيفاجأ بما في جانبها الآخر، ذلك عندما يبدأ بالتعمق في غور حياتنا ومعاملاتنا اليومية، سواء على مستوى الأفراد او المؤسسات، وربما تكون أول حاجاته في بلادنا الذهاب إلى احد البنوك الوطنية، عندما يدخل يجد صفاً من المراجعين لا يعرف اوله من آخره ويجد حراس البنك يقفون على جوانب الصف لمنع الخارجين على القانون الذين لا يلتزمون بنظام الصف، وانتظار دورهم للوصول إلى موظف البنك, يتفاجأ هذا الزائر لبلادنا بهذا المظهر الذي لم يعهده في بلده، فقد تعوّد في بلده أن يدخل ويأخذ رقماً من تلك المكينة الصغيرة، ثم يجلس على كرسي يرتاح، ولا يلزمه إلا أن يراقب تلك الشاشة الصغيرة، التي تظهر له تسلسل ارقام المراجعين، إلى ان يظهر رقمه ثم يتقدم للموظف المختص ليقوم بقضاء لازمه, ويجد نفسه مضطراً لأن يقف في الصف, وهنا يأخذ درساً من الدروس عن نمط حياتنا, فأثناء وقوفه يرى تفاصيل أخرى عن هذا الواقع، فيرى مثلاً عدداً من المراجعين الذين يصرون على ان لهم حقاً خاصاً بهم للوصول إلى موظف البنك دون الانتظار أسوة ببقية المراجعين، ولا يهمهم ان يصل الأمر إلى أن يشمّروا عن سواعدهم ويدفعوا من يعترض طريقهم محاولاً إيقافهم.
ثم لا يلبث هذا الزائر ان يرى جانباً آخر من هذه التفاصيل، عندما يحلظ ان موظف البنك ورغم ما يراه من تزاحم وتدافع المراجعين امام شباكه، بكل تهاون وتجاهل لذلك يلقى بعمله جانباً، ويقضي وقتاً طويلاً في التحادث والممازحة وتبادل النكات إما مع موظف آخر من زملائه، أو مع أحد المراجعين المعارف له, ولن ينتهي المظهر عند كل ذلك، بل إن طال به الوقوف فسيرى أحد موظفي البنك يعطي إشارة ذكية لأحد الواقفين في الصف، لمحه ذلك الموظف فعرفه ولأنه عزيز عليه فلا بد ان يعطيه أولوية خاصة، ويعطيه الحق في التقدم على كل الواقفين قبله, فما يلبث ذلك المراجع الحظيظ، ان يخرج من الصف الطويل، ويتخطى كل من كان لهم الحق في الوصول قبله, وبكل استخفاف بهم جميعاً يستقبله ذلك الموظف بالترحيب وقضاء لازمه رغم ما يصدر من احتجاجات من المراجعين الذين يرون في ذلك تعدياً من الموظف عليهم, ثم يستمر ذلك الزائر في الإطلاع على كتاب حياتنا صفحة صفحة, ففي اليوم الآخر ربما يذهب الى قسم رخص القيادة والى مكاتب الجوازات, ثم يرى ما هو أكبر من ذلك كله لو حدث ودعته الحاجة الى السفر بالطائرة من مطار الرياض مثلاً إلى مدينة سعودية أخرى, سيكتبون له على كرت الصعود رقم البوابة، فإن هو صدق ما كتب له، فسيفقد رحلته أو يركب طائرة أخرى متجهة إلى مدينة أخرى، لأنهم وبكل استخفاف بمشاعر الركاب، يكتبون للراكب رقم بوابة بينما ركوب الطائرة من بوابة أخرى، ولا ينجو من هذا المقلب إلا من قد أكله، وأخيراً يجب أن نعرف الإجابة على السؤال التالي: هل هذه السلبيات في حياتنا سببها فوضوية المواطن وعدم قابليته لمسايرة العالم في تطور أسلوب حياته أم أنه يرجع إلى تقصير مؤسساتنا الوطنية في تطوير أساليبها وإعطاء النظام قدراً أكبر من الأهمية والاحترام فيكون ذلك مساهمة منها في تثقيف ذلك المواطن؟
حسن عايض الأسمري
|
|
|
|
|