| مقـالات
الدكتور عبدالقادر واصل رئيس قسم المصران الأعور في كلية الطب في جامعة أم الفحم , وهو بالطبع أستاذ محاضر، ويشرف على عدد من طلبة الماجستير، ويشارك في الاشراف على آخرين من طلبة الدكتوراه, وكممارس طبي، له في مستشفى أم الفحم الجامعي عدة عيادات في الاسبوع، وهي عيادات مزدحمة ولائحة الانتظار فيها تصل الى بضعة أشهر.
وهو في نفس الوقت عضو مجلس الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، كما انه نائب رئيس المجلس السعودي للمصران الأعور, وهو عضو هيئة تحرير مجلة مصارين ميد ورئيس تحرير مجلة المصران الأعور السعودية الطبية الشهيرة, وللدكتور عبدالقادر عيادة خاصة يتواجد فيها اسبوعيا بمعدل ثلاث مرات أطراف الليل، ومرتين او ثلاثة آناء النهار, كما انه مستشار غير متفرغ لمعالي وزير شؤون البيئة والأمعاء, وهو عضو في عدة لجان بسيطة ومركبة، سعودية وعربية واسلامية ودولية، بالاضافة الى كونه عضوا في ادارات عدد من جمعيات خيرية وطبية, وأخيرا هو أحد محرري معجم المعاجم، في تخليص الأعارب من الأعاجم، من المصران الأعور الى البراجم ، وله عدة كتب مؤلفة ومترجمة, نسيت أن أقول ان له مقالات وأبحاث علمية منشورة في دوريات محكمة، ويحضر عدة مؤتمرات دولية كل عام, أما على المستوى الاجتماعي فهو أحد نجوم المجتمع، ورب أسرة مثالي بالرغم من انه متزوج باثنتين، وثالثة مسيار، وهو لاعب بلوت من الطراز الأول, فمن هو؟
أما الجائزة فهي مائة ألف ريال عدا ونقدا, وللفائزين مائة ريال لكل فائز, والسبب ان لدينا والحمد لله من قبل ومن بعد، في ربوع المملكة الحبيبة ما لا يقل عن ألف عبدالقادر واصل ويقول البعض ان عددهم يصل الى عشرة آلاف واذا صح هذا الكلام فستنخفض الجائزة الى عشرة ريالات فقط.
بالطبع، لعل القارىء الكريم يعرف -وان لم يكن يعرف- أؤكد له اني لم أعن شخصا بعينه، واختياري لأن يكون عبدالقادر في السؤال أعلاه طبيبا مجرد اختيار اعتباطي لئلا تنفجر البارانويا المغروسة في أعماقنا فيحتج أبناء المهنة التي اخترت عبدالقادر المثال لها، فيتهمونني بالتجني والانحياز، والتأثر بالغرب، والتحسس من الشرق, أما الأطباء فأنا منهم وهم مني وأمون عليهم, ومهما يكن، فان عبدالقادر واصل موجود في كل كلية، وجامعة، وادارة، ووزارة, وقد يكون مهندسا، أو طبيبا، أو معلما، وحامل أي شهادة بدءا من محو الأمية حتى الدكتوراه.
بيد ان هناك سؤال بسيط يفرض نفسه بقوة، مفاده: اذا كان لدينا على ألف رجل وامرأة من عبيد القادر الواصلين، يتميز كل منهم بهذه العبقرية الفذة التي تجعله عكوز بكوز مركوزا في كل لجنة وجمعية، وخلف كل شجرة، وتحت كل حصاة, وقد حباه الله بجهاز عصبي قوي، وبجسد ذي وظائف متكاملة، بحيث يتمكن من المشاركة والانجاز في كل هذه الأنشطة دون ان يموت مقصوف العمر، فلماذا نحن فيما نحن فيه؟ ولماذا تتأخر القوانين والأنظمة عن مواكبة العصر؟ واذا ظهرت، لم تكون معقدة متكلسة صعبة الفهم والتنفيذ؟ ولماذا نجد عظما في كرشة كل مشروع؟ ولماذا تتعثر الخدمات العامة؟ ولماذا تتأخر المعاملات؟ ولماذا يتدنى مستوى خريجي الجامعات؟ ولماذا يتحول اطفالنا التلاميذ الى ببغاوات تردد ما تلقن فنهلل لهذا الانجاز؟ ولماذا نخشى المحطات الفضائية؟ و,, و,.
لعل هناك جوابا لا أعرفه، الا اني أزعم ان الجواب بسيط أيضا فكل لجنة فيها عدد من عبيد القادر الواصلين ولأنهم مشغولون بعدد كبير من المهام الجسام، والأنشطة الجليلة ولأنهم مشغولون بكل شيء فان اسهاماتهم تكون مسلوقة مبتورة, فان اللجان تعمر طويلا، ويكون سيرها وئيدا، ويكون نتاجها مسلوقا مبتورا.
وبحكم خبرتي المتواضعة، كنا نجد صعوبة في تحديد موعد لاجتماع ثلاثة أو أربعة اشخاص من العاملين في ذات القسم: هذا لديه عيادة، والثاني عنده مرور، والثالث لديه محاضرة، اما الرابع فان ذلك الوقت يناسبه, فاذا بحثنا عن موعد آخر في ذات اليوم أو يوم غيره تغير ترتيب المشاغل فيما بيننا, وعلى ذلك لا اعلم كيف يتمكن عبيد القادر من ايجاد موعد مناسب لهم جميعا دون أن يكون ذلك على حساب اعمال أخرى.
وانشغال عبيد القادر الواصلين الدائم يجعل من المشروع أن نشكك في انتاجهم، وان نتوقع ان هناك من يكتب لهم ابحاثهم، ومن يترجم لهم كتبهم من الباطن، ومن يؤلفها لهم بالنيابة، وهذا متوقع طالما ان لدينا عدد من الرسامين المبدعين يوظفون من يرسم لهم، ويكتفون بالاشراف والتوجيه، ويمسكون بالفرشاة لتوقيع اسمائهم وفي السنة 8760 ساعة، وعدد ساعات أيام العمل أي مع حذف الاجازات والجمع تبلغ 4080 ساعة واذا افترضنا ان الواحد منهم يكتفي بست ساعات نوم في اليوم فان ساعات يقظته في تلك الأيام تبلغ 1020 ساعة ويتبقى لدينا 3060 ساعة في ايام العمل في السنة الواحدة أي بواقع 18 ساعة يوميا فاذا حسبنا ساعات الطعام والوظائف البيولوجية والأسرية والاجتماعية بانها تستقطع اربع ساعات يوميا على أفضل الأحوال، لوجدنا عبدالقادر يقوم بعمل متواصل يبلغ 12 ساعة في اليوم, فهل هذا معقول؟ قد يحدث هذا بعض الوقت، أما اذا حدث طوال الوقت فان في المسألة خطأ ما؟ ومن المؤكد ان انجاز شيء يتم على حساب عدة أشياء, ويقول المصريون صاحب صنعتين كذاب، والثالثة حرامي ! ولا اتفق معهم في هذا القول فيمكن للمرء ان يوزع وقت يومه لثلاثة اهتمامات أو أربعة، ولكن ان يكون عبدالقادر واصل السوبرمان فهذا ما لا طاقة لبشر به، وربما يصدق عليه المثل السابق مع بعض التحوير فنقول والثالثة واصل .
حقا، قد يكون البعض بالفعل ذوي قدرات جبارة، ومهارات خارقة، ولكن هذا هو الاستثناء وليس القاعدة, ولو نخلنا ألفا من عبيد الله الواصلين لوجدنا ان من تطبق عليهم هذه الصفات لا يتعدون عشرة أنفار.
وسؤال مشروع آخر يفرضه واقع الحال: ألا يوجد في البلد الا هالولد ؟ هل نضبت مواردنا العقلية لتقتصر على هؤلاء؟ أليس هناك رجال ونساء رشيدون غيرهم؟ بالتأكيد الاجابة بالنفي، وهذا ما يزيد الطين بلة لأن في ما يحدث هدر للامكانات الكامنة، وحرق للكفاءات النامية، وغرس للاحباط واللامبالاة، فهل نحن منتهون؟!
fahads @ suhuf. net.sa
|
|
|
|
|