داخل العدد

رئيس التحرير : خالد بن حمد المالك

أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Tuesday 18th April,2000العدد:10064الطبعة الأولىالثلاثاء 13 ,محرم 1421

مقـالات

رحلة استكشافية في وسط الجزيرة العربية
فيليب ليبنز 2.2
حمد الجاسر
ثم يأتي الحديث عن (الحوية) وعن مدينة (الطائف) وما فيها من ثكنة عسكرية كبيرة، يشرف على التدريب فيها جنود بريطانيون.
وتأتي الإشارة الى أن سكان البلاد القدماء يحسنون طرق الاستفادة من السدود، ولهم معرفتهم بتربية النحل.
وحلّت البعثة في ضيافة الأمير ناصر بن معمر.
ومن (الطائف) كان الانتقال الى (بيشة) التي تبعد نحو ثلاثة وعشرين وثلاث مائة كيل، مع مقابلة بعض القوافل الصغيرة المحملة بأكياس من البر والتمر وأغراض اخرى، وهي تسير ليلا في الصيف وذالك بسبب الحر.
وبعد وصف وادي (رنية)سيكون المرور بإحدى الآبار التي توجد بها نقوش قديمة، والبئر المقصودة هي ما سمي باسم (بئر الدهثمي) في (شعيب الدهثمي) في منطقة (بيشة) على ما حدَّد محقق أسماء المواضع الدكتور السماري.
ويحسن الاكتفاء باستعراض موجز لأبرز موضوعات الرحلة، فبعد وصف قاعدة (بيشة) التي هي (الروشن) كان التوجه الى قصر الامير، وكان محمد بن هديان مع ذكر ما قوبلت به البعثة من إكرام، ووصف الأمير بأنه (1) : (رجل طويل القامة، معقوف الأنف وذو لحية سوداء، كان يستقبل كل واحد منا بالقبلات الثلاث العادية من بينها واحدة على الجبين ويقال: ان هذه الطريقة في التحية تكون خاصة بالملك او بمن يمثله) ثم تقديم ما يلزم للضيف، وكانت وجبة الاكل خروفا، وبعد الاكل قدم قدح من اللبن الرائب، وكان الاكل باليدين ولم يشاركهم الامير، تقليدا للعادة الصحراوية العريقة، وتوهموا ان التقاليد تقضي بأن يمكث عند كل امير ثلاثة أيام ليأكلوا ما يقدمة لهم من موائد الاكرام.
واثناء السير تَوَقُّفٌ أمام سيارة (كاديلاك) تتبعها سيارة أخرى، انه أمير عسير تركي بن احمد السديري الذي كان قاصدا مكة.
وجاء وصف بيشة بأنها (2) : (تلتقي فيها الكثير من الطرق، كما ان واحاتها تُعَدّ سوقاً مهمة تنعقد على المساحات الكبيرة المحاذية للقصر، وكان هناك غبار خفيف يسبح في الفضاء حول جموع الناس، يأتي البدو الى هذه السوق التي تبعد عنهم على مسافة خمسة أيام من اجل تبادل او بيع القماش، والحيوانات والاسلحة، وفي جميع الجهات كنا نرى الناس يلتفون حول بعضهم وهم يتبادلون العناق حسب تقاليدهم القبلية، يمتلىء هذا السوق كذالك بالنساء المحتجبات اللواتي قد غسلن شعرهن ببول النوق، وهو الاسلوب المتبع في قتل الحشرات وتقوية جلد الشعر، وهن كذالك يمارسن تجارة العطور والحناء لتخضيب الاطراف باللونين الأسود والأحمر، وهن يتبادلن بالأيدي الأسورة والتمائم والتمور والتوابل في جو اخوي حار وذلاقة لسان، جل النساء كن محصنات ضد الارواح الشريرة، وهن يحملن نجمة من الذهب او من الفضة مغروسة في الجهة اليمنى من الانف).
ثم كان الاتجاه الى (أبها) والطريق يقارب ستين كيلاً غير معبد، وفي المساء كان الوصول الى بئر ابن سَرّار في وادي هرجاب من بلاد بني منبه في منطقة (بيشة) ثم مرت البعثة بوادي (ابن هَشيَل) وفيه قرية صغيرة، كان رجال البعثة معنيين بدراسة الصحراء من حيث الحيوانات والآثار وغيرها، ولهذا فهم لا يسيرون مع الطرق المستقيمة قصداً الى المدن.
ومع حرصهم الشديد لذكر المواضع أيّاً كانت فإنهم لا يتوسعون الا بوصف ما يستغربونه فيما يشاهدونه في هذه الرحلة او يستمتعون برؤيته من الجبال الشاهقة والمنحنيات الزرقاء التي تتأثر في عين الرائي بالسراب.
وفي (أبها) كان الوصف لتلاميذ عائدين من مدرسة فيها اساتذة سوريون وفلسطينيون ومصريون، وبعد الظهر استقبلهم الامير فهد بن تركي تحت الخيمة في موقع رائع من ضواحي المدينة، وبعد وصف مكان الاستقبال وتقديم الاكل والشرب لهم اتجه (فلبي) و(ريكمان) لزيارة جبل قريب، توقعاً ان فيه آثارا.
ويأتي الحديث عن (خميس مشيط) وكان مضيفهم فيه عبدالوهاب بن محمد ابو ملحة، الذي عيّنه الملك عبدالعزيز رحمه الله سنة 1342ه رئيسا لمالية أبها، وفي عام 1359ه جمع له رئاسة ماليات المنطقة الجنوبية وبقي في منصبه حتى وفاته عام 1374ه وعبَرت البعثة (وادي بيشة) لرؤية صخرة مغطاة بالنقوش والرسوم، وبعد ذالك ذهبت للسلام على الشيخ سعيد بن عبدالعزيز بن مشيط، رئيس قبيلة (شَهران).
لم يفت مدون الرحلة القول (3) : بأن هذه الزيارة كلفته احتساء اثني عشر فنجانا من القهوة والشاي، كما شاهد صورة رجل ذي بنية رياضية وذي انف غليظ وشفتين مزمومتين تحيط بهما لحية سوداء داكنة .
لا أدري ما هو مصدر مدون الرحلة حين قال في وصف الحالة المالية لمنطقة عسير بأنها كما وصف ابن خلدون في القرن الخامس عشر الميلادي قائلا (4) : عندما غادرتها لم أجن إلا على نفسي نأمل ان تستمر عسير في استحقاق هذا الوصف وفي سير هذا الشعب المتواضع الذي لا تربكه اهتمامات الحضارة المعاصرة لكن الأوهام مقلقة في هذا المجال.
كانت نظرة مدون الرحلة الى الدين الإسلامي ليست بعمق الإدراك والمعرفة، فقد تحدث قائلا (5) : أما الشعوب المتنقلة (الرحل) فقد اصبحت مدعوة للتحضر ولتقبل هذه العدوى في جميع الحالات، لقد اصبحت الوطنية هي المعوض عن ذالك، لكن في أية شروط؟ ان الإسلام دين موحَى، وغير محرف، وتكفي ثغرة واحدة لينهار البناء بأكمله ؟!.
وما علم بأن الدين الإسلامي دين أتى بصلاح البشرية في دينها ودنياها والتأثر بالحضارة التي لا تتناقض مع تعاليم الإسلام الحنيف، وهي تعاليم أباحت لمعتنقيه التمتع بجميع ما في الارض من خيرات ما لم يكن في ذالك ضرر لأبدانهم او عقولهم وهذا هو المحرم وهذا لا أثر له في التحضر، وسلوك الطرق القويمة التي يحافظ بها على كيان الامة الإسلامية.
لم يفت مدوني الرحلة الاشارة الى تأثر الحالة الاقتصادية في هذه المنطقة، فعند الكلام على (تندحة) ذكر انها تشتمل على نحو 150 مزرعة مسيجة وقد سبق ل(فلبي) ان مر بها قبل خمس عشرة سنة ليس فيها سوى مسكنين مأهولين، وهذا دليل جديد على عدم استقرار الحياة في هذه البلاد بين القبائل، ويمثل رغبة كل بدوي من الرحل ان يصبح حضريا عندما تتوفر له الظروف.
كان وصف الرحلة متأنيا ودقيقا وذا إمتاع ووضوح من حيث الاسلوب، ما يحسن القارئ ان يمتع فكره بقراءة الرحلة قراءةً مُتأنية.
من هنا سأكتفي بما ورد فيها من الحديث عن نجران منذ سنة 1370ه وامير المنطقة في ذلك الوقت تركي بن ماضي الذي ورد وصفه في الرحلة بأنه شاب عليه علامات العربي القح، هادىء ومبتسم وكانت نجران تُعَدّ مركزا اقتصاديا وإداريا لقبلية يام وعرضها حوالي اربعين كيلاً، وواحتها يسكنها نحو ثمانية آلاف نسمة من الحضر، وهي تشمل حزاما طويلا من النخل يمتد في الوسط على طول وادي نجران من الشرق الى الغرب، وشُغِل احد اعضاء البعثة بالبحث عن نقش قد اشار الى وجوده على جنبات بئر الخضراء الرحالة الفرنسي (هاليفي) الذي دخل نجران سنة 1870م وكان يهوديا ويتكلم اللغة العبرية، وبرر حضوره لهذه المنطقة لسكنى عدد من اليهود كانوا يعيشون في نجران في الماضي، يشاركهم في نمط العيش وبذالك نجح في القيام برحلة استكشافية ممتازة، جعلت منه رجلا شجاعا لأنه كان وحيدا معرضا حياته لأخطار متعددة كان اول من أثار انتباه المستكشفين لوجود كثير من النقوش التي ترجع الى ما قبل الإسلام في هذه المناطق ومن بعده جاء فلبي سنة 1937م 1356ه وهو يُعَدّ ثاني رحالة مستكشف اوروبي يزور نجران (6) .
توقفت القافلة في مدخل قصر الامير الذي كان غائبا فاستقبلها ولده الذي يبلغ من العمر خمس عشرة سنة وقد شرع مباشرة في تطبيق مبادئ الكرم العربي، ثم كان استقرار البعثة قرب أطلال مدينة سبئية تسمى (الأخدود) وتشاهد الجبال الغربية الجنوبية على بعد عدة اكيال تمتد على قمة بارزة هو موقع خيام البعثة في منتصف الطريق بين المستنقع الوحيد، الذي شاهدته في المملكة، وبين اطلال مدينة (الاخدود) وجاء في وصف الاخدود ما نصه (7) : كانت هذه المدينة الميتة تسمى في الاصل نجران، لكن اسمها تغير في سنة 524م عندما احرق الملك السبئي اليهودي وهو نواس مائتي نفر من سكانها المحليين الذين كانوا مسيحيين، لقد احرقهم احياء ورمى بهم في أخدود، وهي الكلمة التي جاء منها اسم المدينة كما تعرف اليوم، وقد عبر الملك الحبشي الذي كان قبطيا (أي مسيحياً) البحر الاحمر شانّاً حملة انتقامية لاخوته في الدين الذين قتلوا وفي سنة 525م انهزم ذو نواس وغرق هو وحصانه في البحر حسب ما تردده الاسطورة وقد خلفه في منصبه هناك حاكم مسيحي عيّنه ملك اثيوبيا، ولئن كان هذا الحاكم مخلصا لملكه الذي عينه فإن الذي جاء بعده قد اعلن نفسه ملكا على حضرموت,, الخ، كان هذا الحاكم العاصي هو أبرهة الذي تعرفنا عليه من خلال قراءتنا لأحد النقوش التاريخية التي عثرنا عليها في بئر مريغان .
وفي الرحلة وصف مفصل للمدينة التي سبق ان درسها (هاليفي) ثم (فالبي) ثم اكملت البعثة بقية الدراسة بما هو مسجل بتفصيل في هذه الرحلة وقد سبق (لفلبي) ان جمع عددا من النقوش الحميرية.
سارت البعثة مع وادي (نهوقة) حتى بلغت سفوح الجبال وبدأ بعض افرادها في التسلق بحثا عن الآثار ولاقوا من ذلك جهدا مضنيا، بحيث تأثرت صحة بعضهم ومنهم (فلبي) الذي اتهم بأنه مريض بالجذام الى حد عدم الاشتراك معه في شرب الشاهي في إناء واحد.
بعد العودة الى مخيم البعثة في (الاخدود) وكان في يوم الاثنين وهو يوم السوق في (نجران) فخرج افرادها لقضاء يوم في الواحة ومشاركة الاهالي حياتهم الاجتماعية، وكان البدء بزيارة الامير تركي بن ماضي، الذي قد رجع من رحلة صيد في الصحراء بصحبة احد ابناء الملك وكان مبتسما وشابا ومتميزا، وخلال الجلسة في الديوان التي كانت تقاطع بدخول الاهالي ويسرون بكلامهم في اذن الامير، مشتكين ضيق حالهم، كان بعض افراد البعثة يقرأ في كتاب في علم الأنساب رسمت فيه شجرة نسب رؤساء قبيلة يام، في السوق نحو اربع مائة شخص رجالا ونساءً قدموا من مختلف الجهات لبيع منتجاتهم واستبدالها ببعض حاجاتهم وكانت العملة الرائجة اذ ذاك الريال الفرنساوي وهو نمساوي رسمت فوقه صورة امبراطور النمسا فرانسو جوزيف فعرف في الجزيرة بهذا الاسم.
كان الشيخ يحيى بن نصيب وليس نسيب كما ورد في الرحلة، وهو رئيس احد فروع قبيلة يام، مريضا فقامت البعثة بزيارته في بيته، وفي ديوان الشيخ يحيى الذي لم يجد حرجاً في خلع ثيابه لفحص صدره، وكانت حالته موضع نقاش بيننا، ووصف مسكنه الذي يبلغ علوه عشرين مترا، ورسمت صورته، ثم كان عودة البعثة الى مخيمها استعدادا لاقتحام صحراء الربع الخالي، ثم كان الاتجاه من (الأخدود) الى (بئر الخضراء) والمسافة نحو اربعين كيلاً بطريق عميقة وليست وعرة، ثم المرور بالبئر والاستعانة بمرشد من فرع فاطمة من قبيلة يام المشهورة، بالتنقل في تخوم الصحراء، فكان الانزلاق باجتياز مصب (وادي نجران) وهو عبارة عن مضيق يقع في المجرى الذي اصبح عرضه لا يتجاوز سبعين ومائتي متر، محاط بهضاب، ثم كان المرور في الطريق سريعا حتى كان المرور بوادي (سَلَى) فهضبة (خباش) وبعد اجتياز نحو اثنين وستين ومائة كيل من الأخدود نصبت البعثة مخيمها قرب التلال على بصيص النور المنبعث من غروب الشمس الازرق.
لم يفت البعثة وصف هذه المنطقة التي يوشك ان تكون مجهولة بأنها تعيش في امان واستقرار لأن قوانين الصحراء في نجران مطلقة المرأة، وانها في أمان أينما وجدت منعزلة ومهما كانت قبيلتها وخرق هذا القانون يعني إعدام المتهم.
ثم كان الاستمرار في اجتياز ما امكن اجتيازه من الربع الخالي مع الدقة في وصف ما يعترضها من اودية وتلال وغيرها.
وكان لما أصاب بعض افراد البعثة من ارهاق ومرض أثراً في توخيهم نجاحا اكبر لهذه الرحلة لو كانت اكثر راحة مع نجاحها، كما يتوخون.
كان الرجوع من نجران الى اللدام ووصف الطريق بين المدينتين واتجاه افراد البعثة لمهماتهم التي هي دراسة ما يشاهدونه من آثار وحشرات واشياء لافتة لنظرهم مع توسع في ذلك.
ولم يفت البعثة المرور بقرية الأثرية التي اشار الهمداني الحسن بن احمد بن يعقوب من اهل القرن الرابع الهجري في صفة الجزيرة الى ما فيها من آثار وكانت البعثة الامريكية قد جمعت بعض الالواح من النقوش.
اللدام كانت قاعدة وادي الدواسر، واستمرت البعثة الى قصر الأمير وهو حمد بن مقبل الذي امر بإسكانها بمنزل نظيف وكان الطعام في بيته وبعد وصف الوادي بتفصيل كان الرجوع الى مدينة (الرياض) مع التعريج على بعض الأمكنة والآبار الأثرية.
ثم كان الوصول الى مدينة (الرياض) بسلوك طريق غير مستقيم ثم وصف القصر الملكي والديوان، وكان من المواضع الخارجة عن المدينة اذ ذاك حسب ما ورد في الرحلة جبل (ابو مخروق) (8) ومحطة القطار وميدان سباق الخيل والمقبرة الملكية ( العود) وكلها اصبحت الآن داخل المدينة.
اما ما ورد في الرحلة من وصف هذه المدينة فهو ذو فائدة لدراسة مراحل تطورها.
ولا يقف إمتاع الرحلة على اسلوبها السهل الممتع في الحديث عن كل ما يتعلق بسير الرحلة، بل يحوي صورا جميلة وبعضها ملون يوضح ما يعترض القارئ، ما هو بحاجة الى إيضاحه.
وأكتفي بما تقدم مشيرا الى الجهد الذي بذله الدكتور فهد بن عبدالله السماري، الأمين العام لدارة الملك عبدالعزيز، والى ما تقوم به هذه الدارة من إتحاف المعنيين بتاريخ هذه البلاد في جميع فروعه بالطريف المفيد، بتوجيه من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبدالعزيز .
والله يتولى الجميع بتوفيقه وتسديده لمواصلة الجهود النافعة العامة في خدمة الأمة الكريمة.
والله الموفق.
الحواشي:
(1) ص 48.
(2) ص51.
(3) ص75.
(4) ص75.
(5) ص76.
(6) ص130.
(7) ص132/133.
(8) انظر عن الخرافة التي وصف بها، وعن الوزير الذي راهنه الملك كتاب فلبي اليوبيل العربي .

أعلـىالصفحةرجوع





















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][البحث][الجزيرة][موقعنا]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved