أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Monday 17th April,2000العدد:10063الطبعة الأولىالأثنين 12 ,محرم 1421

لقاءات

مدير عام سجون عسير العقيد سعد العارم للجزيرة
الأجهزة الأمنيّة ليست بمعزل عن المواطن,, والصحافة مدعوّة لتصحيح المفاهيم
السجون في المملكة متطورة ولا نخجل من توضيح ما يدور بداخلها من إصلاح لشريحة غالية من المجتمع
* أبها مكتب الجزيرة:
في واحد من أهم المجالات التي حظيت باهتمام ولاة الأمر وهو الأمن، نجد أن بلادنا قد حققت فيه أعلى معدلات النجاح والإنجاز، فإذا كان مفهوم الأمن في كثير من المجتمعات يرتبط بالجانب البوليسي المهيب، والمباني الأمنية المثيرة للخوف والشك والريبة بسبب انعزالها عن المجتع، فإن للأمن مفهوما آخر في التجربة السعودية يعتمد على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، هذه الشريعة السمحة علمتنا أن الدين المعاملة، وهي المحك الذي تقاس عليه الأعمال في الدنيا والآخرة لتمييز الصالح من الطالح، لذلك غدا الأمن في هذه البلاد إطارا شاملا لكل ما تستقر وتطمئن به نفس كل مواطن ومقيم على أرض الوطن السعودي,, من أمن اقتصادي واجتماعي ونفسي وبدني وفكري، إلى غير ذلك من الجوانب المرتبطة بالكليات أو الضرورات الخمس التي جاءت الشريعة الإسلامية لتحقيقها وحمايتها,.
وقد ساهمت سياسة الأبواب المفتوحة التي ينتهجها ولاة الأمر، ويتمثلهم في ذلك جميع المسئولين، في زيادة الشفافية بين الحاكم والمحكوم، الأمر الذي إلى وضوح الرؤية، وتحديد الأهداف والطرق الموصلة إليها وزيادة الثقة بين الشعب ومؤسساته الرسمية, سنأخذكم أيها القراء الأعزاء إلى داخل واحد من أهم وأكبر السجون في المملكة العربية السعودية، وعبر الكلمة والصورة سنفتح للجميع أبواب شعبة سجن أبها في منطقة عسير حيث تولدت فكرة هذا الاستطلاع إبان معرض المنتوجات الاستهلاكية الذي أقيم في مركز المعارض الدولي في مدينة أبها خلال شهر ذي القعدة من العام 1420 ه حيث شاهدت (الجزيرة) لوحة فريدة وغريبة كتب عليها جناح منتوجات سجون منطقة عسير,, لقد كانت هذه اللوحة مثيرة للدهشة والاستغراب,, بعض الزائرين للمعرض كان يطلق نكاتا تنبئ عن مدى فهمهم لدور السجون من قبيل: ماذا يعرض في هذا الجناح,, قيود وكلبشات وسياط,, إلى غير ذلك من النكات الساخرة، الأمر الذي أثار فضول محرري جريدة الجزيرة الموفدين إلى المعرض فتقدم مكتبنا في منطقة عسير بطلب إلى مدير إدارة سجون المنطقة لإجراء هذا الاستطلاع الصحفي، وقد كان جوابه أن ذلك يحتاج إلى شيء من التنسيق، وكم كانت دهشتنا عندما تبلغنا خلال ثمان وأربعين ساعة أن بإمكان جريدة الجزيرة الدخول إلى أي سجن في منطقة عسير والتقاط الصور وإجراء المقابلات الصحفية مع أي من العاملين والسجناء، وكان مبعث دهشتنا هو اعتقادنا بأن أشهرا ستمضي قبل وصول الرد بالرفض، هذا إن تلقينا ردا على طلبنا، فإذا بذلك التنسيق لا يستغرق سوى هذه المدة القياسية.
مدخل الحديث مع العقيد العارم:
كانت زيارتنا الأولى إلى مدير إدارة سجون منطقة عسير العقيد الدكتور سعد بن سعيد العارم حيث تحدث لنا من مكتبه ثم اخترنا شعبة سجن أبها العام وقسم سجن خميس مشيط كمكان لاستطلاعنا والتقاط الصور الفوتوغرافية من داخل الأقسام والوحدات بهذين الموقعين لإطلاع القراء الأعزاء على ما يدور داخل السجون وكيف يعيش السجناء وما هي طبيعة حياتهم والمعاملات التي يتلقونها حيث أشار العقيد سعد العارم إلى أن سجون منطقة عسير كغيرها من السجون في المملكة، مؤسسة رسمية تنفيذية مهمتها تنفيذ الأحكام الشرعية الصادرة ضد بعض الأشخاص، وقال أنتم الآن في إدارة سجون منطقة عسير وهي جهاز يعنى بالإشراف على سير العمل وتنظيمه، والتخطيط للارتقاء بمستوى العمل التنفيذي في هذا الجهاز والشعب والأقسام والوحدات التابعة له, وأضاف بأن الامن كان من أعظم الأهداف التي حرص عليها الموحد الباني جلالة الملك عبدالعزيز لذلك نستطيع القول إن السجون وجدت منذ أن نعمت منطقة عسير بالفتح السعودي وذلك من أجل تنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية، والتحفظ على مثيري الفوضى والمخلين بالأمن، أو من يسمون في العلم الحديث بأصحاب الخطورة الاجتماعية أو الإجرامية، فأنتم تعلمون أن انتقال أي مجتمع من مرحلة الخوف وانعدام الأمن إلى مرحلة الاستقرار والطمأنينة واستتباب الأمن يتطلب وجود هذه المؤسسات المهمة,,, ووجودها لازم في كل زمان ومكان للمحافظة على مقومات أي مجتمع إنساني منظم، وسواء كانت بداية السجون في هذه المنطقة على هيئة مستقلة أو ملحقة بمديريات الشرط فإن العمل والهدف الذي وجدت من أجله هو تنفيذ الأحكام القضائية.
وبين أن هذه الإدارة كانت تشغل جزءا من مقر شعبة سجن أبها حتى عام 1415ه ثم استطعنا بفضل الله ثم بفضل ولاة الأمر والمسئولين أن ننتقل بها إلى مبنى مستقل، الأمر الذي أتاح للعاملين فيها أن يركزوا على الجهود الإشرافية والتخطيطية وأتاح كذلك فرصة لاستغلال المكان الذي كانت تشغله في شعبة سجن أبها للتوسع في بعض المنشآت هنالك.
جهات التنسيق للقاء الجزيرة
* سعادة العقيد: كنا نعتقد أن طلبنا في إجراء هذا التحقيق الصحفي سيرفض، وبخاصة بعد أن أبلغتمونا أن الأمر يحتاج إلى شيء من التنسيق، فهل لنا أن نعرف الجهات التي نسقتم معها؟
أنتم تعلمون أن العمل العسكري يركز كثيرا على مسألة الانضباط ومعرفة الغاية من أي اجراء قبل البدء فيه، لذلك وبحكم عملنا هذا لابد ان نبلغ المسئولين عنا بأي إجراء من هذا القبيل لأخذ موافقتهم والاستئناس بتوجيهاتهم، ومن حيث اعتقادكم أن طلبكم سيرفض فهذه وجهة نظركم الشخصية أما من حيث سؤالكم عما يمكن أن نكون قد واجهناه من صعوبات عند التنسيق وعرض طلبكم على المسئولين فأسألكم هل واجهتم أي صعوبة في عرض طلبكم عليّ؟ ومن حيث رغبتكم في معرفة الجهات التي نسقنا معها فهي تنحصر في الإدارة العامة للسجون ممثلة في سعادة اللواء علي البار الذي رحب بالفكرة وأيّد تنفيذها على الفور.
* نحن لم نواجه أي صعوبة في عرض الموضوع على سعادتكم، ولكن أليست جدة هذا التحقيق الصحفي مبررا كافيا لتساؤلنا هذا؟
ليست جدة هذا الموضوع ناتجة عن انعزال الأجهزة الأمنية في مجتمعنا عن المواطن والصحافة، بل ناتجة عن عدم طرق هذا الباب من قبل صحافتنا، هذا جانب، ومن جانب أخر فربما أن الانطباع الذي ولدته الأفلام البوليسية، وكذلك ما تحاط به الأجهزة الأمنية في المجتمعات الأخرى من غموض وحواجز هو الذي أوحى إليكم بهذه الفكرة,,, أنظر كيف أن مولاي خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وسمو وزير الداخلية وأصحاب السمو أمراء المناطق وجميع المسؤولين، انظروا كيف يستقبلون المواطنين ويناقشون قضاياهم الأمنية على مرأى ومسمع من الصحافة المحلية والأمنية والزوار العرب والأجانب,, والسجون في المملكة متطورة ولا نخجل من اطلاع أحد على ما يدور بداخلها، فهي أماكن مزودة بكل الوسائل اللازمة لإصلاح شريحة من مجتمعات غالية علينا.
التزام بحرية التغطية الصحفية
* هل هذا التزام منكم بأن يكون لنا مطلق الحرية في زيارة أي موقع في سجون منطقة عسير والسؤال عما نريد، والتقاط الصور في أي مكان منها؟
هذا التزام ليس مني فقط,, انه التزام منحكم إياه، أيضا، مدير الإدارة العامة للسجون, فتفضلوا إلى أي مكان من سجون منطقة عسير,,, فقط هناك نطقة هامة وهي عدم التعدي على الحرية الشخصية للنزلاء فيما يتعلق برغبتهم في الظهور أمام كمرة التصوير من عدمه، لان ذلك من الحقوق الشخصية اللصيقة بهم ولا يستطيع أحد، وإن كانوا سجناء، أن يعتدي عليها، وما عدا ذلك فلكم مطلق الحرية.
رعاية شاملة منذ لحظة الاستقبال :
* على ذلك نسألكم عن كيفية استقبالكم للسجين؟
السجين له كرامة إنسانية لا تنقص عن كرامة أي واحد منا كإنسان والعاملون في السجون لديهم مشاعر وعواطف كغيرهم من البشر,,, صدقوني أننا نعاني من مواقف عاطفية مؤلمة عندما نستلم شخصا محكوما علية بالبقاء في السجون لمدة معينة، طالت أم قصرت، وأنا كواحد من العاملين في الدولة أؤكد لكم أن السلطة القضائية والسلطة التنفيذية لا يسرها تعرض أي شخص للعقاب ولكن تطبيق شرع الله في أرضه من الأسس التي قامت عليها هذه الدولة، فضلا عن أن هناك أشخاصاً لا يستقيم أمرهم إلا بالإصلاح العقابي وهنالك حقوق لله ولعباده لابد من اقتضائها,,, والسجون حين تستقبل السجين تسقبله على هذا الأساس,, وله حقوق لابد من حصوله عليها وعلية واجبات لابد أن يلتزم بها داخل هذه المؤسسات,,, وهي جميعا مكفولة، له وعلية، بموجب تعليمات وإجراءات السجون المدونة في نظام دقيق، وقد أشتمل على خطوات مهمة يجب اتباعها عند استقبال السجين ومنها:
1 التأكد من مسوغات وحيثيات إيقاف السجين.
2 إجراء الكشف الطبي للتأكد من خلو السجين من الأمراض السارية والمعدية قبل دمجه مع السجناء، بهدف علاجه ووقاية الآخرين من العدوى.
3 تهدئة انفعالات السجين من قبل الباحثين النفسيين والاجتماعيين وبحث حالته لمعرفة ظروفه النفسية ومعرفة حالة وظروف أسرته.
4 إذا كان السجين يعول أسرته تقوم السجون بمخاطبة الضمان الاجتماعي فورا لتأمين معيشتهم خلال مدة سجنه، إلى غير ذلك من الإجراءات الأولية التي يستقبل بها السجين.
هذا بالنسبة للإجراءات الأولية، ولكن ما هي الإجراءات التي يخضع لها السجين أثناء فترة عقوبته؟
لا أحبذ استخدام جملةيخضع لها السجين في هذا الجانب إذ من الأصح منطقيا أن تكون الرعاية التي يخضع لها السجين لأنها رعاية اجتماعية حقيقية لا تختلف عن الرعاية الاجتماعية التي أحظى بها أنا وأنتم في مجتمعنا إلا من حيث كونها تقدم لفئة خاصة من الناس، وعندما تزورون أحد سجون المنطقة ستجدون أن السجين يحظى بجميع أنواع الرعاية التي يحظى بها أي فرد خارج السجن، فهناك رعاية صحية داخل السجون يقدمها طاقم من الأطباء وجهاز التمريض على مدار الساعة، وإذا تطلب الأمر نقل السجين إلى أحد المستشفيات فان ذلك يتم بالسرعة نفسها التي يتم بها وصول أي شخص خارج السجن إلى المستشفى وربما أسرع في حالة المريض وهناك متابعة لحالة السجين من الناحية الصحية بهدف علاجه من أي مرض ووقايته من خلال الكشف الدوري والتطعيمات، وهناك تعليمات من ولاة الأمر بإعطاء الأولوية في المستشفيات لعلاج السجناء بالسرعة المناسبة إلى درجة أنه يتم نقل السجين المريض بواسطة الإخلاء الطبي إلى اي مستشفى في المملكة.
وهناك رعاية نفسية واجتماعية يقدمها باحثون متخصصون يتم من خلالها معرفة مايعانيه السجين من اضطرابات نفسية وهي في حالة وجودها على فئتين: الأولى اضطرابات نفسية قبل دخول السجن، والثانية اضطرابات نفسية أصيب بها بعد دخوله السجن بسبب الضغط الناتج عن انفعالاته وتغير صفة ومكان أقامته، وإذا كانت حالة السجين المريض نفسيا متقدمة أحيل إلى أحد المستشفيات المتخصصة,,, علما بأنه يوجد في كل مستشفى جناح مخصص للسجناء المنومين لأمراض نفسية أو عضوية أخرى.
وفي مجال الرعاية الغذائية فهناك إعاشة مطهية تقدم للسجناء بواسطة شركة وطنية متخصصة، وتخضع الأصناف الغذائية لرقابة صحية صارمة حيث تحدد العناصر الغذائية مثل البروتينيات والسعرات الحرارية بواسطة الأطباء والمتخصصين في التغذية ويتم تخزين وتبريد المواد الغذائية وفقا لاحدث المواصفات وأرقاها، وعلى سبيل المثال: بلغت تكلفة المطبخ وجناح التبريد الغذائي في شعبة سجن أبها أكثر من ثلاثة ملايين ريال، وعند ما أقول التبريد فإن ذلك لا يشمل الخضروات واللحوم بأنواعها لأنها تقدم طازجة يوميا، ولكن هناك مواد تحتاج إلى التبريد مثل الحلوى والأجبان والزيتون والعصيرات والمياه، وليس هناك أي مادة غذائية تقدم إلى السجناء مبردة خلاف ذلك,,, وحتى أولئك السجناء المعتادين على نظام غذائي معين تقدم لهم الوجبات حسب النظام الغذائي أو الصحي الموصى به طبيا، أو كما اعتادوا عليه قبل دخولهم إلى السجن هذا بالإضافة إلى إعاشة نقدية يومية تقدم للسجناء من سعوديين وأجانب.
وهناك أيضا رعاية تنصب على النظافة الشخصية للسجناء من غسيل الملابس والمفروشات أو حلاقة الشعر، وتقديم بعض المنظفات الشخصية، وتقوم بهذه الأعمال مؤسسة وطنية متخصصة,, وقبل قليل وصلني مستخلص باستحقاق مؤسسة تقوم بأعمال النظافة الشخصية للسجناء في ثلاثة من سجون المنطقة وقد بلغ هذا المستخلص اكثر من ستون ألف ريال خلال شهر واحد فقط، ولو استعرضنا المبالغ المصروفة على رعاية السجناء في هذه المنطقة لوجدتموها بعشرات الملايين شهريا.
وتأتي الرعاية الدينية والتعليمية والترفيهية ضمن أهم الجوانب التي تهتم بها حكومتنا الرشيدة فهناك برنامج شهري تقدم خلاله عشرات من حلقات تحفيظ القران الكريم وحلقات الوعظ والإرشاد، ومنذ صدور مكرمة مولاي خادم الحرمين الشريفين بإعفاء السجين من بعض محكوميته كلما تمكن من حفظ كتاب الله الكريم أو أجزاء منه,,, استفاد من هذه المكرمة آلاف من السجناء، كان آخرهم سجينا تمكن من حفظ كتاب الله الكريم كاملا خلال ستة أشهر فقط في حين أنه يبلغ من العمر ستين عاما، وهي لاشك معجزة إلهية، إضافة إلى أن حلقات الدعوة والوعظ والإرشاد تسهم بشكل فعال في اعتناق كثير من السجناء الأجانب للدين الإسلامي الحنيف.
وفي مجال التعليم يوجد في شعبة سجن أبها، على سبيل المثال، مدارس لجميع المراحل التعليمية من محو الأمية حتى الثانوية العامة، والفرصة متاحة لأي سجين كي يواصل دراسته من خلال تمكينه من الذهاب لأداء الاختبارات في الكليات والمعاهد خارج السجن.
وتقوم السجون بالتنسيق مع أطباء وأساتذة جامعات لإلقاء محاضرات وعقد ندوات في السجون تتناول موضوعات فكرية مهمة في حياة الإنسان وهي تماثل ما يلقى في أي مكان في المجتمع خارج السجن,, كما توجد في كل سجن مكتبة يتناسب حجمها مع الطاقة المحددة للسجن من السجناء ويمكن السجناء من زيارتها والاستعارة منها، فضلا عن وجود مكتبة سمعية وصالة للعرض التلفزيوني والسينمائي والمسرحي, وفي مجال الترفيه يوجد برنامج يومي يشمل رياضة الصباح والتشميس وممارسة الألعاب والهوايات في ملاعب وصالات معدة لذلك، مثل ملعب الطائرة والسلة، وصالة تنس الطاولة وقسم الأشغال الفنية مثل الرسم والتجسيم والنحت,,, وأريد أن انوه عن وجود أعمال فنية أبدعها السجناء خلال أوقات فراغهم,,, كما تقام منافسات رياضية وثقافية وفنية متعددة بين السجناء على مدار العام.
* في معرض المنتوجات الاستهلاكية الذي أقيم في مركز المعارض الدولي قبل أسابيع شاهدنا جناحا خصص لعرض منتوجات السجون وكانت روعة المعروضات فيه قد دفعت البعض إلى الاعتقاد بأن شيئا منها تم تصنيعه أو جلبه من خارج السجون فما هي حقيقة تلك المنتوجات؟
منذ عام 1411ه عزمنا على المشاركة الاجتماعية والثقافية في المناسبات الرسمية والأهلية، وأدركنا أن تحقيق هذا الهدف يتطلب منا تشغيل الورش والأقسام المهنية والفنية داخل السجون بكامل طاقاتها وعمل كل ما يلزم من تحسينات وصيانة للورش والآلات,.
* عفوا ورش مهنية وفنية داخل السجون؟!
نعم وهي تضاهي وقد تفوق في بعض الجوانب ما هو موجود في الورش التجارية خارج السجون,,, وليست هذه هي المرة الأولى التي نعرض فيها إنتاجا من السجون فقد سبق لنا أن أقمنا معرضا مستقبلاً لمنتجات السجون في مركز الملك فهد الثقافي في أبها عام 1413 ه وشاركنا في كثير من المناسبات الأخرى, وأؤكد لكم، عن صحة تلك المنتجات أنها مصنعة في الورش المهنية والفنية داخل سجون المنطقة وبأيدي سجناء ، ولم يجلب من خارج السجن سوى الخامات فقط، وقد شاهدتم أنها منتوجات تتكون من الأثاث المكتبي والمنزلي والقطع والتحف الفنية.
* هل لنا أن نعرف مقدار الأرباح التي حققتها منتوجات السجون؟
رغم أن الربح المادي شيء مرغوب إلا أننا ربحنا شيئا أهم وهو تأهيل السجناء الذين قاموا بتصنيعها.
* ماهو مقصدكم بكلمة تأهيل ؟
ألا تعلمون أن السجون تؤهل السجناء من خلال تدريبهم على كثير من المهن؟
غياب الصحافة والقطاع الخاص :
* علمنا خلال هذه المقابلة أن السجون تقدم الغذاء والرعاية الصحية وتنظم أنشطة ترفيهية وثقافية ,, هذا ما عرفناه حتى الآن!؟
كم كان سيكون مفيدا لو أن صحافتنا وقطاعنا الخاص قد اطلع بشكل كاف على برامج الإصلاح وإعادة التأهيل داخل السجون، إن عدم الاطلاع هذا هو السبب في كون القطاع الخاص والمؤسسات الأهلية لا تساهم في هذه البرامج ولا تستثمر الأيدي المؤهلة من السجناء أثناء وجودهم داخل السجن أو بعد الإفراج عنهم فتفيد وتستفيذ، وعلى كل حال فإن السجون تنفذ كل عام عددا من الدورات المهنية التدريبية في ميكانيكا السيارات، النجارة، الحدادة واللحام، والتمديدات الصحية، أعمال البناء، الالة الكاتبة، التكييف والتبريد، الخرازة والتنجيد، الكهرباء الصناعية, إضافة إلى دورات الشك والتطريز والزخرفة في سجون النساء، وتم مؤخرا افتتاح قسم للتدريب على الحاسب الآلي، وكل المعامل والأقسام المهنية تدار بكفاءات وطنية مؤهلة وإمكانات مادية كبيرة ولا تقل مدة التدريب فيها عن المدة التي يقضيها المتدرب أو المتدربة في مثيلاتها في القطاع العام أو الخاص خارج السجن، ويمنح المتدرب أو المتدربة مكافأة شهرية مقدارها ثلاثمائة ريال طوال مدة التدريب وبعد انتهاء مدة التدريب وإجادة المهنة التي تم التدريب عليها يمنح المتدرب أو المتدربة شهادة تخرج موقعة من المؤسسة العامة للتعليم الفني والتدريب المهني اسوة بأمثالهم المتدربين في المعاهد خارج السجون ولا يسجل على هذه الشهادة ما يدل على انه تم الحصول عليها أثناء تنفيذ عقوبة السجن، وما شاهدتموه من إنتاج في معارض السجون هو عبارة عن مشاريع تخرج للمتدربين والمتدربات حيث يقوم كل واحد منهم بإنتاج قطعة أو أكثر في نفس المهنة التي تم تدريبه عليها وليس، النجاح في نهاية الدورة أمرا محتوما فهناك رسوب وهناك تحويل إلى مهنة أخرى وهكذا، ونقوم باجتهادات شخصيه لتشجيع السجناء على الالتحاق بهذه الدورات تتمثل في بعض التسهيلات والمجالات التي لا تضر بالأنظمة ومع بساطتها فقد وجدنا أن لها أثرا كبيرا في التشجيع ورفع معنويات السجناء، فقد زاد عدد الملتحقين بالدورات التدريبية في شعبة سجن أبها وقسم سجن خميس مشيط وقسم سجن بيشة خلال الدورة التدريبية الحالية عن ثلاثمائة 300 متدرب ومتدربة، ونستفيد من السجناء الذين يجيدون مهنة من المهن قبل دخولهم إلى السجن أو أولئك الذين أنهوا دوراتهم التدريبية ولا يزالون يمضون مدة محكوميتهم من خلال تشغيلهم في صيانة آليات السجون وأثاثها داخل هذه الورش كلما كان ذلك ممكنا وقد نجحنا إلى حد كبير ونخطط للتوسع في هذا المجال مستقبلا، ولا يفوتني أن أذكر أن السجين يعمل في صيانة آليات السجون يتقاضى أجرا مجزيا يعادل ما يصرف لمثله خارج السجن، وقبل أن تسألوني عن ريع منتجات السجون أقول لكم ان ما يتم تحصيله من مبالغ يوظف لصالح ورش التدريب وقد تعمدنا أن يكون هنالك تنافس بين الورش على الإنتاج، ومهما كانت الأرباح فإنها لا تذكر إذا ما قورنت بما تصرفه الدولة من أموال على الآلات وخامات التدريب ورواتب المدربين ومكافآت المتدربين.
* ذكرتم أنه يمكن لمؤسسات القطاع الخاص أن تفيد وتستفيد من عملية تدريب السجناء فكيف ذلك؟
ياأخي العزيز: الأمن مسؤلية الجميع، فهو مسئولية مشتركة بين المواطن والمسؤولين والقطاع العام والقطاع الخاص، صدقوني ان ضرر الجريمة لا يقتصر على الجاني والمجني عليه بل هو متعد إلى كافة الأوساط الاجتماعية، وهوفي انتشار ضرره يشبه الأمن في عموم فائدته، ألسنا جميعا نستفيد من حالة الأمن والاستقرار؟ لذلك فان اشتراك الجميع في إصلاح السجناء واستيعابهم ودمجهم في المجتمع بعد الإفراج عنهم عامل مهم من عوامل الوقاية من جرائم العود التي هي جرائم أخطر من جرائم المبتدئين، فنحن عندما نستغل أوقات فراغ السجين بالتدريب والإنتاج فإننا نزوده بمهنة، ونشغل وقت فراغه بالعمل والإنتاج حتى لا يتعود على الخمول فيصبح عالة على غيره بعد الإفراج عنه أو يتجه إلى الإجرام مرة أخرى، لأن العقوبة وحدها لا تكفل إصلاحه، ونساهم كذلك في زيادة الإنتاج فلو أن القطاع الخاص أقام مصانع وورشا ومعامل داخل السجون لأمكنه أن يستفيد من كفاءات مؤهلة ولديها وقت فراغ اطول، الأمر الذي يزيد من الإنتاج كما وكيفا، ولجنى القطاع الخاص أرباحا مجزية وحقق للسجين أو السجينة دخلا ماديا يساعده على الادخار ومد يد العون إلى أسرته,,, وهكذا نكسب في جميع الاتجاهات التي يطول شرحها.
* ورد في حديثكم أن هنالك شركات ومؤسسات وطنية تنفذ أعمالا داخل السجون فلماذا لا يقوم السجناء المؤهلون بتلك الأعمال؟
كثير من أعمال هذه الشركات والمؤسسات داخل السجون أعمال لها صفة الاستمرارية، مثل الطهي وصيانة وسائل الإضاءة الأمر الذي يتطلب وجود العمال على رأس العمل في الساحات والأقسام خارج عنبر السجناء في أي وقت وهو ليس متاحا للسجناء في كل الأوقات أما الأعمال التي يمكن أن يؤديها السجين خارج العنبر ثم يعود إلى عنبره آخر النهار وفي المساء، وكذلك الأعمال التي يمكن أن يؤديها السجين أو السجينة داخل العنبر مثال أعمال النظافة ففي هذه الحالة يتم تشغيل السجناء وفق أجور مجزية.
* خلال هذا الحديث فهمنا أن التدريب المهني خاص بالسجناء السعوديين، فلماذا لا يشمل السجناء الاجانب؟
الأجنبي قدم أساسا للعمل في مهنة معينة لذلك فهو مؤهل سلفا إضافة إلى أن عقوبات السجن الصادرة ضدهم قصيرة المدة غالبا، فلا تغطي مدة الدورة التدريبية، كما أن الأجنبي يرحل إلى بلده مباشرة بعد انقضاء مدة سجنه؟
الروابط الاجتماعية للسجين :
* نريد التحول الآن إلى خارج السجن فنسألكم عن الروابط الاجتماعية للسجين هل تتأثر بعقوبة السجن؟
لا بد أن تؤثر عقوبة السجن على العلاقات الاجتماعية للسجين وأسرته، ليس فحسب بل إنها تؤثر على الأنشطة الاقتصادية والثقافية والأمنية، والتربوية، ونستطيع القول انها تؤثر على الحراك الاجتماعي بأكمله، ويبذل المختصون في السجون جهودا كبيرة لترميم هذه العلاقات ووصل السجين بأسرته ومجتمعه، وضمن هذه الجهود تتخذ الإجراءات المناسبة للسماح للسجين بحضور أفراح أسرته وأقاربه، أو مشاركتهم ومواساتهم مثل حضور العزاء أو زيارة المريض، وقبل وقت ليس بالبعيد سمح لسجين مدان في قضية قتل بحضور العزاء في وفاة والده مع الاحتياطات الأمنية اللازمة، ومنذ زمن بعيد أدركت حكومتنا الرشيدة أهمية المحافظة على الروابط الاجتماعية للسجين فسنت نظاما للخلوة الشرعية حيث يمكن للسجين المتزوج إن يقضي يوما كاملا مع زوجته أو أطفاله أو كامل أفراد أسرته مرتين في الشهر في أماكن داخل السجون مجهزة لهذا الغرض.
* عفوا حتى السجناء الأجانب؟
نعم هذا متاح للجميع فالعلاقات الإنسانية وكافة الحقوق الشرعية لا تمييز فيها بين سعودي وغيره في المملكة العربية السعودية,,, إضافة إلى كل ذلك فإن العاملين في السجون يبذلون جهودا حثيثة لتفادي حدوث صدمة الإفراج فالسجين الذي أمضى سنوات داخل السجن من المحتمل أن يصاب بصدمة حين الإفراج عنه وزجه في المجتمع بصورة مفاجئة ولتفادي ذلك نقوم بالإفراج عن السجين بصورة متدرجة، إذ يتم إطلاقه لمدة ساعات محدودة كل أسبوع ثم يوم ثم أيام وهكذا حتى نصل إلى الإفراج التام عنه، وتطبق سجون المملكة نظام الإفراج تحت الشرط والذي يمكن من خلاله إعفاء السجين من ربع محكوميته إذا وجد المختصون أن سلوكه يسير في الاتجاه الصحيح، وهناك معايير متقنة بدقة لقياس اتجاه سلوك السجين تمهيدا لحصوله على هذه الامتيازات.
* نشرت احدى الصحف المحلية موخراً خبرا مفاده أن سجينا في أحد السجون اللبنانية تمكن من عقد قرانه داخل السجن اثناء فترة سجنه، وأفاد الخبر ان ذلك يتم لأول مرة في الوطن العرب ، فمتى يمكن أن يحصل ذلك في سجون المملكة العربية السعودية؟
من حيث ان هذا هو الحدث الأول من نوعه في الوطن العربي فهذا ليس صحيحا، كنت أتوقع أن تسألني كم مرة حدث ذلك في سجون المملكة، وعلى العموم فإن هناك أعدادا كبيرة من السجناء في السجون السعودية يتزوجون وهم داخل السجن، ويسمح لهم بالخروج لإتمام مراسم الزفاف، أو يسمح لهم بإتمامها في الأماكن المخصصة للخلوة الشرعية داخل السجن،ويسمح للأب المسجون لحضور زواج ابنه وكذلك مقابلة خاطب ابنته وعقد قرانه وحضور زفافها، وكذلك للأم المسجونة، وليس هناك أي قيود على مثل هذه الحالات وهي من الأمور الطبيعية في سجون المملكة، وقد ذكر لي أحد رؤساء الأقسام في هذه الإدارة أن س من الناس تزوج وهو مسجون قبل حوالي خمسة وعشرين عاما وهو اليوم ينعم بحياة آمنة هانئة مع زوجته تلك وأبنائه الذين رزق ببعضهم حينما كان في السجن، وعلى المدى القريب وقبل بضع سنوات كما تم عقد قران إحدى السجينات بشعبة بسجن أبها على أحد المواطنين العاملين بالقطاع الخاص، ويتم العديد من هذه الحالات بدون أي إثارة إعلامية.
* سعادة العقيد: مع كل هذه الثقة في الجهود التي تبذل في هذا المجال ما زلنا نتساءل عن مدى نجاحها في إصلاح السجناء وإعادة تأهيلهم ووقاية المجتمع من الجريمة؟
لا شك أن الجريمة ظاهرة خطرة وقد حدثت في كل زمان ومكان حتى المجتمعات التي نعمت بمعاصرة الأنبياء والرسل، ولله في ذلك حكمه، وهناك من العلماء من قال بأنها ظاهرة اجتماعية حتمية، وأنا أميل إلىهذا الرأي، لهذا فليس من المنتظر أن يتمكن أي مجتمع من القضاء على مظاهر السلوك الإجرامي بشكل نهائي، ولكن يمكن التقليل من مظاهر هذا السلوك في الاتجاهين العمودي والأفقي، فالمجتمع الذي يسوده التضامن العضوي والتعاون الكافي بين أفراده ومؤسساته الرسمية والأهلية يستطيع أن يؤمن احتياجات أبنائه ويساعدهم على تحقيق أهدافهم بالطرق المشروعة إلى أقصى حد ممكن وهذا يقلل جرائم المبتدئين، وفي جانب آخر فإن من شأن هذا التضامن والتعاون أن يقدم أفضل رعاية ممكنة للمسجونين لتعديل سلوكهم وحل مشاكلهم التي أدت بهم إلى السلوك الإجرامي وهذا مفيد للغاية في الوقاية من جرائم العود، ويسهم في نجاح هذه الوقاية أو فشلها موقف المجتمع من المفرج عنهم فكلما استوعبهم مجتمعهم وعدل وجهة نظره تجاههم ودمجهم في أعماله وأنشطته الرسمية والأهلية كان لهذه الجهود أعظم الأثر في تعديل سلوك النجاة بإذن الله تعالى.
* في نهاية هذا اللقاء المفيد نشكر لكم ولجميع المسؤولين إتاحة هذه الفرصة، ونسأل إن كان لديكم أي إضافة؟
نريد أن نختم لقاءنا هذا بالابتهال إلى الله عز وجل أن يديم علينا نعمة الإسلام والأمن والاستقرار في ظل حكومة مولاي خادم الحرمين الشريفين، ثم أتوجه بدعوة صادقة ومحبة إلى الشباب باقتفاء أثر السلف الصالح والمحافظة على الدين، وتوخي الحذر، والابتعاد عن رفاق ومواطن الشبهة والسوء، وأدعو المجتمع إلى التعامل مع المفرج عنهم على أنهم أشخاص تائبون والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن تستفيد المؤسسات الرسمية والأهلية من التأهيل الذي تلقاه السجناء سواء من حيث توظيفهم بعد الإفراج عنهم أو من حيث إقامة بعض المصانع والمعامل التجارية داخل السجون، لأن ذلك يسهم في تشغيل الأيدي المؤهلة، ويقضي على البطالة التي هي أحد وأهم أسباب الجريمة، إضافة إلى زيادة الإنتاج وتنمية الاقتصاد الوطني,,, ونشكر لكم هذه الزيارة الكريمة.
أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved