| الثقافية
قال أحد الحكماء الناصحين:
اذا حضرت باب السلطان فلا تنازعن بوابة على بابه، فان أيسر ما يلقاك منه ان يعلقك اسما يسبك به الناس، واذا وصلت الى أميرك، فبوىء بنفسك منزلا يجمل بك، واياك أن تجلس مجلسا يقصر بك، وان أنت جالست أميرك فلا تجالسه بخلاف هواه، فانك ان فعلت ذلك لم آمن عليك، وان لم تعجل عقوبتك، ان ينفر قلبه عنك، فلا يزال منك منقبضا، واياك والخطب فانها مشوار كثير العثار .
قلت: لم تخل هذه النصيحة من الاخلاص، والأمر فيها لا يعدو الحقيقة، ولكن لربما يبخس ميزانها معيار العدل، وبخاصة قوله: وان أنت جالست أميرك فلا تجالسه بخلاف هواه، فانك ان فعلت ذلك لم آمن عليك، وان لم تعجل عقوبتك، ان ينفر قلبه عنك، فلا يزال منك منقبضا ، اذ المفترض هنا قول الحق، وابداء الرأي الحسن، واظهار الصدق، والمناصحة، وما أظن ان أميرا عادلا يفرض هواه، ويود تأييده، ولكن قول هذا الناصح فيما عدا ذلك لا يقصر عن
الحقيقة، بل يساويها، انظر إلى قوله: فبوىء لنفسك منزلا يجمل بك، واياك ان تجلس مجلسا يقصر بك .
وتلك خلة يعرفها المنصفون، اذ قسَّم الله المنازل وبينها: ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات (1) ، ويصدق هذا الناصح في قوله: واياك والخطب فانها مشوار كثير العثار ، نعم، اذ يحضر مجلس الأمير فئام من الناس، منهم: العالم، والمفكر، والشاعر، والحكيم، والرفيع، والوضيع وغيرهم، والناقد بصير، ومن يعيد عندئذ صواب القول ويرجعه حيث هفوات اللسان، وقصوره، والزيادة في هذا الجانب مجلبة للزلل والخطل.
(1) من آية 32 سورة الزخرف.
|
|
|
|
|