أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 16th April,2000العدد:10062الطبعة الأولىالأحد 11 ,محرم 1421

الثقافية

جبه، وجبل أم سنمان
أثناء حفل جائزة الدولة التقديرية للأدب عام 1403ه في قاعة الملك فيصل للاحتفالات بالرياض قابلت فضيلة الشيخ/ محمد بن إبراهيم الهويش المستشار بوزارة العدل ومراقب البرامج الدينية بالإذاعة، وبعد السلام عليه وتجديد التواصل به الذي بدأ قبل بضع سنوات إذ استضفته ببلدة جبه بحائل في 19/4/1400ه ضمن معسكر للشباب أقيم هناك وألقى فيهم محاضرة قيمة بعنوان التشريع الإسلامي وقضايا الشباب حضرها مجموعة من أهالي ومسؤولي وشباب حائل وأبناء جبه يتقدمهم القائم بأعمال الإمارة آنذاك الشيخ/ ناصر بن عبدالله بن الشيخ مع غالبية رؤساء الدوائر الحكومية بحائل رغم صعوبة الطريق، إذ إن طريق جبه تعترضه تلال الرمال الصعبة ولا يستطيع أحد الوصول إليها إلا بواسطة سيارات الجيب المجهزة لمثل هذه الطرق، وقد تم ولله الحمد تعبيد الطريق بعد ذلك إذ عمد أهالي جبه أثناء زيارة الملك خالد رحمه الله لحائل في النصف الثاني من عام 1400ه إلى وضع كمية من الرمال بجوار الطريق المعبد بمدخل حائل ووضعوا عليه سيارة مقلوبة وقد تناثرت حولها حمولتها من خضار وأمتعة وعذوق التمر، وقد مر رحمه الله بجوارها ولفتت نظره مما جعله يتوقف عندها ويسأل عن السبب، وعندما عرف أمر المسؤولين بسرعة تعبيد الطريق البالغ طوله 110كم, كان المسافر من حائل يذهب لجبه من الصباح الباكر قبل صلاة الفجر ولا يصل إلا قرب غروب الشمس اذا لم تتعطل به سيارته وتغوص في الرمال, أما الآن فقد انتهت معاناة أهالي جبه ولله الحمد.
يقول الشيخ الهويش إنني سبب خير له وذلك ان المحاضرة المشار إليها التي قدم لها المذيع الشهير محمد بن عبدالرحمن الشعلان يرحمه الله قد أعاد اذاعتها ضمن حلقات برنامجه الإذاعي مع التنمية الذي كان موعد اذاعته قبيل غروب كل يوم، وصادف أن كان خادم الحرمين الشريفين ولي العهد آنذاك مسافراً عن طريق البر من جدة إلى الطائف يستمع إلى البرنامج الذي أذيعت من خلاله تلك المحاضرة وقد أعجب حفظه الله بها كثيراً لما تضمنته من توجيهات للشباب وحث على الفضيلة والتحلي بحسن الخلق واستغلال الفراغ بما يعود عليه وعلى الوطن بالفائدة المرجوة، فاتصل حفظه الله بوزير الإعلام في ذلك الوقت الدكتور محمد عبده يماني مبدياً اعجابه بالمحاضرة وحاثاً على الاكثار من مثل هذه البرامج الهادفة.
وقال الشيخ الهويش مواصلاً كلامه إنه وصله بعد ذلك خطاب شكر من خادم الحرمين الشريفين مع شيك بمبلغ جيد كان سبباً مشجعاً في أن يبحث به عن زوجة أخرى تساعد أم أولاده، وهكذا كان وأخذ يدعو لي فقلت له أنت تدعو لي وقد يدعو علي غيرك لو عرف انني قد أكون السبب في أن أدخل على أم أولادك ضرة لها، وانتهى الموقف بابتسامته الجميلة المعهودة.
وبهذه المناسبة يجدر بي أن ألقي نظرة ولو سريعة على بلدة (جبه) التي مر بها عدد من المستشرقين منهم السياسي الانجليزي ويلفرد سكوين بلنت وزوجته صاحبة الرحلة وحفيدة الشاعر الانجليزي المشهور بيرون الليدي آن بلنت وذلك عام 1879م/ 1297ه وهما في طريقهما من الجوف لحائل, وقد ذكرت الليدي في كتابها رحلة إلى بلاد نجد ، الذي ترجمه الأستاذ محمد أنعم غالب وطبع ضمن منشورات دار اليمامة للبحث والترجمة عام 1389، ط2 تقول: جبه القرية الغريبة (من أغرب الأماكن في العالم ومن أجملها، كما أعتقد واسمها وهو يعني بئراً يشرح موقعها، فهي تقع في تجويف أو بئر في النفود، ليس في الواقع فلجا، لأن حوض جبه ذو مقاس مختلف تماماً، ولا يشبه في شيء الانخفاضات التي تأخذ شكل حافر حصان,, الخ), وهناك من الدلائل ما يشير إلى أنه كان بحيرة، فهناك علامات مائية واضحة على الصخور,, الخ , والمدينة نفسها (أو القرية لأن فيها 80 بيتاً فقط) مبنية على طرف السبخة، 2860 قدماً فوق سطح البحر، فيها بساتين النخيل، من نفس النوع الذي رأينا في الجوف، إنما على نطاق صغير جداً، والآبار التي تسقى هذه منها هي على عمق 75 قدماً، وتمتح منها المياه، كما هو الحال في كل الآبار في بلاد العرب، بواسطة الجمال، والقرية بهيجة جداً بأسوارها ذات المشارف (المتاريس) وبساتينها، وعلى المدخل تقف ست شجرات أثل قديمة جميلة، ذات جذوع ملتوية وأغصان ريشية، ومن فوقها تنتصب الصخور عظيمة كالأبراج، وهي من الصخر الرملي بلون أرجواني، ذي خطوط وجذوع صفراء ووجه علوي أسود، وارتفاعها بين 700 و 800م قدم, وقواعدها مخططة بعلامات مائية قديمة, ووجد (ولفرد) عليها من النقوش بالحروف (السينائية) وتكتنف (جبه) هذه التلال، وشريط من الرمل الأصفر,, (1).
وفي (جبه) آثار وكتابات ورسوم قديمة، منحوتة على جوانب من جبلها المعروف (أم سنمان) ومن يشاهد هذه الرسوم وجمال ودقة رسمها، يرجح أنها رسمت بأيد فنية متحضرة، وأن هذه المنطقة مرت عليها حضارة ذات علم وتقدم، وإبداع (2).
ويقول الأستاذ فهد العلي العريفي في كتابه حائل عن جبه: تقع في الجهة الشمالية الغربية من مدينة حائل وتبعد عنها حوالي مائة وعشرة أكيال والطريق الذي يربطها بمدينة حائل فيه أكثر من أربعين كيلاً عبارة عن حبال من الرمال الصفراء الناعمة,, .
ويبلغ عدد سكان هذه البلدة من الحضر المستقرين حوالي (4015) نسمة,, وقد علمت من أحد الخبراء المسؤولين عن الآثار في الرياض انه اكتشف في منطقة (جبه) آثاراً ترجع إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد,, وينتصب جبل (أم سنمان) في الركن الجنوبي الغربي,, الذي يشتمل على بعض الكتابات والرسوم التاريخية القديمة وتوجد منها كتلة فصلتها عنه عوامل التعرية، ونحتت جوانبه حتى أصبح شديد الشبه بتمثال أبي الهول في الجيزة بمصر,, (3)
وقد تمت زيارة جبل (أم سنمان) برفقة الشيخ ناصر بن عبدالله بن الشيخ وضيوف جبه من حائل وخارجها ومنهم الشيخ المحاضر الهويش والمذيع محمد الشعلان وغيرهم وبعد أن تجولنا في جوانبه واطلعنا على الكتابات القديمة والرسوم التي تغطي بعضها كتابات حديثة أو رسوم أو محاولة تشويه وازالة، وعند عودتنا واذا بشخص يخرج من خيمة صغيرة في احد أركان الجبل وقدم نفسه بأنه حارس مكلف من وزارة المعارف وأنه يلزمنا موافقتهم على زيارة هذا الموقع فاكتفى الشيخ ناصر بأن قال له (صح النوم), وقد عرفت أخيراً بأنه قد وضع سياج حول الجبل، كما علمت ان الطريق المعبد قد وصل إلى البلدة وأراح المواطنين من عناء السفر وصعوبة الطريق، رغم انه قد كلف الكثير، وسمعت منهم أن المسؤولين قد حاولوا نقل السكان من قريتهم إلى ما قبل النفود لصعوبة تعبيد الطريق وخوفاً من أن تغطيه الرمال ووجدوا أن إنشاء قرية نموذجية واقامة المساكن والخدمات بها أقل تكلفة من قهر الرمال ومن الطريق الحديث، وما كان من الأهالي إلا أن قالوا لا نمانع من الانتقال شريطة أن ينتقل معنا الجبل (أم سنمان).
هذا وقد زرت جبه عندما كنت أعمل بمكتب رعاية الشباب بحائل خلال 97 1400ه عدة مرات لوجود ناد رياضي ناشئ بها، وكان أبناء وأهالي جبه والحق يقال من أكرم الرجال فما أن تخرج من قهوة أحدهم إلا ويصر عليك الآخر بالتفضل لديه، ويعرف أو قد يكون معك وقد انتهيتم في الحال من تناول وجبة دسمة وما أن تستجيب لدعوته بعد الحاح لتناول القهوة إلا ويحضر لك صينية يحملها رجلان مليئة بالتمر وبوسطها وعاء عميق مليء بالسمن العربي، والصينية ذات المقابض الجانبية والقاعدة العالية التي تستخدم في الأعياد والأعراس لتملأ بالرز ويوضع فوقه خروف كامل، فكان على من يتناول التمر أن يأخذ التمرة ويغمسها في السمن ويأكلها وهكذا، وبعد تناول القهوة والشاي يتم تقديم الفاكهة والإقط وهو يعرف انك للتو قد تناولت الغداء أو العشاء معه لدى جاره,, وهكذا.
وفي إحدى تلك الزيارات كنت أستضيف الفنان التشكيلي خالد العبدان بحائل لحضور أحد المعارض المقامة بالمناسبة، فأخذته معي لجبه، وما أن رآها إلا وذهل من جمالها وغرابة منظرها واحاطة الرمال بها من ثلاث جهات واحتضان جبل (أم سنمان) لها من الجهة الرابعة، وتمنى رغم صعوبة الطريق ان تتاح له الفرصة للبقاء بها مدة لا تقل عن أسبوع ليرسم بعض اللوحات مستلهماً من هذه الطبيعة الساحرة, وأُذكّره الآن بأن تلك الصعوبة قد زالت بتعبيد الطريق.
كما أذكر أن معالي الدكتور ناصر الرشيد كان يزور حائل قبل أيام من موعد وصول جلالة المغفور له الملك خالد ليكون باستقباله مع أبناء المنطقة لكونه أحدهم, وكان يحضر يومياً لملعب رعاية الشباب لمزاولة التمارين الرياضية، فصادف أن قدم أبناء نادي جبه الرياضي للمشاركة في احدى المباريات، فقدمت له رئيسهم (خلف فريح السحيمان ونائبه شجاع مرعيد المطير) وقلت إنهم يتعرضون لمشاق الطريق اسبوعياً لاثبات وجودهم وبدافع المنافسة الرياضية الشريفة رغم حداثة النادي وتعرضهم للهزائم المستمرة ومع ذلك لم توهن من عزائمهم, وبعد انتهاء زيارة الملك خالد وصحبه وعودتهم، فوجئت بعد أيام بوصول سيارة (جيب) مجهزة لاجتياز الطرق الرملية الصعبة بسهولة وقد شحنت بجميع الأدوات والملابس الرياضية من كرة القدم الى كرة الاسكواش مروراً بجميع مستلزمات الألعاب الأخرى.
وقد سلمها للمكتب مندوب الدكتور ناصر الرشيد كهدية لابناء نادي جبه.
(1) رحلة إلى بلاد نجد, تأليف الليدي آن بلنت ط2 منشورات دار اليمامة 1389ه، ص 149، 150، 151.
(2) نبذة عن بلدة جبه، للأستاذ عبدالرحمن بن عبدالله الملق، كتبها بمناسبة طبع محاضرة الشيخ محمد الهويش التشريع الاسلامي وقضايا الشباب ,, 1400ه مكتب رعاية الشباب بحائل.
(3) كتاب حائل للأستاذ فهد العلي العريفي، سلسلة هذه بلادنا تصدرها الرئاسة العامة لرعاية الشباب ص18.
محمد عبدالرزاق القشعمي

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved