أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Sunday 16th April,2000العدد:10062الطبعة الأولىالأحد 11 ,محرم 1421

مقـالات

شدو
فن السلب منحا! (1)
د, فارس الغزي
يتملكني العجب العجاب في كل مرة يتبادر الى ذهني (عرمرم!) الاسئلة (السطحية!) التي لا يتوانى الأمريكيون عن طرحها على كل شخص يبدو (غريب الوجه واللسان!) في مجتمعهم, ورغم تعدد الاختلافات الثقافية بيننا وبينهم، فهناك موضوع يبدو أن له حصة الأسد من فضولهم، ألا وهو ما يتعلق بحقوق المرأة وحريتها (المسلوبة!) في الاسلام، على حد زعمهم! وكثيرا ما لاحظت إبان دراستي هناك تكرر هذا النمط (التساؤلي!) من قبلهم: في قاعات المحاضرات، في المكتبة، في الشارع، في المنزل,, في كل مكان تقريبا، الأمر الذي من جرائه بدأت أضيق ذرعا بسطحيتهم تلك، بل انني لاحظت على نفسي خصوصا في السنوات الأخيرة من مكوثي هناك تزايد حدة (تبرمي!) من أسئلتهم المكرورة والمبتذلة، فضلا عن ما تعكسه تلك الأسئلة من (تجهيل!) وتشويه متعمد ومدروس تجاه ثقافة (الآخر)، ألا وهو نحن, ولذا، غالبا ما تجاهلت تلك الاستفسارات (التقريرية) من جانبهم، مكتفيا، أحيانا، بالتلميح لمحدثي عن قناعاتي الذاتية بأن موضوع المرأة موضوع مزمن منذ الأزل، وفي كل الثقافات، ويكفينا دليل على ذلك ما يحمله تراثهم الكنسي بل والحضاري/ العلماني الحديث والمعاصر من ازدواجية وتناقض تجاه المرأة، ونظرة دونية إليها، فضلا عن إيمانهم العميق رغم علمانيتهم بمسؤوليتها (الأزلية!) عن إخراج أبينا آدم من الجنة,, لأختتم أملا بالتملص مداخلتي مستعيرا عبارتهم العامية (المليئة ازدراء تجاه النساء!) والتي نصها:
oh,women: you can not live with them, you can not live without them! وهي عبارة تعني ,, يا للنساء: لا تستطيع العيش معهن، ولا العيش بدونهن! ,, ورغم ذلك، فلطالما وجدت نفسي وقد ولجت، بل واوغلت في أتون (معامع) جدالية تدور (رحاها) حول حقوق المرأة، خصوصا في حال بادر أحدهم أو إحداهن، بمحاولة المساس بعقيدتنا الإسلامية السمحاء مصرا على اتخاذ وضع النساء غير المرضي حقا في أغلب المجتمعات الاسلامية دليلاً على صحة أقواله,, في ظل موقف كهذا، لا أتردد (بصدم!) محدثي (بهدوء) عن طريق الافصاح له بأن الفرد الامريكي في نظري هو آخر الناس (تأهيلا!) للتحدث عن حقوق المرأة، ولماذا؟!,, لأن والدة أي واحد منهم مثلا سوف يكون مصيرها السجن والغرامة فيما لو همت بالتصويت في أي من انتخاباتهم الرئاسية أو الفرعية وحتى وقت قريب، وذلك (حسب قانونهم) الذي سرى حتى العشرينات الميلادية (1920) من قرننا المنصرم، (لأواصل القول),, وبما أنها (غلطة تاريخية!) حدثت بالأمس القريب، فكيف له أن يفسر مسئولية جده ووالده المباشر عن مثل تلك الغلطة؟! من المعتاد وكردة فعل (آني) ربما لجأ محاوري هذا إلى تذكيري بأن المرأة لديهم تتمتع بحق التصويت الآن، لأوافقه الرأي، في نفس الوقت الذي سوف ألفت نظره إلى أن أمريكا قد تأسست في القرن الثامن عشر الميلادي ولذا فمن الواجب عليه، إذن، شرح حيثيات ومبررات (حرمانهم!) للمرأة من حقوقها لفترة طويلة كتلك التي امتدت من القرن الثامن عشر الميلادي وحتى منتصف القرن العشرين الميلادي، تقريبا!,, بل إن من الواجب عليه، كذلك، اعطاء الآخرين مهلة كتلك التي منحت (لأسلافه بمن فيهم جده ووالده) منذ تأسيس دولتهم عام 1776م (وحتى العشرينات الميلادية!) وهي فترة استغلوها في تدعيم كيان (الرجل الأبيض) وتحسين وترسيخ أوضاعه القانونية والسياسية والاقتصادية,, وعلى حساب من؟! على حساب أقوام أبيدوا عن بكرة أبيهم (باسم الحرية!) كالهنود الحمر، أو جلبوا عنوة من قارات أخرى، وكما حصل للملايين من الأفارقة!,.
من المألوف في مثل تلك المواقف لجوء محدثي الأمريكي إلى أي شيء (محسوس!) لتعويض خسارته (النفسية!) أمام معلومات تاريخية (محسوسة!) لا حيلة له بنفيها كتلك التي ذكرت آنفا، ولذا سوف يحاول تسطيح الأمر باللجوء إلى ذكر (الحجاج) مثلا، وكيف أن المرأة في الاسلام ليس لديها الحرية في الكشف عن وجهها.
ومع ذلك سوف اخيّره في أن يرى أخته وقد تحجبت، في مقابل أن يراها ضحية للاغتصاب أو القتل؟! هنا، وفي خضم محاولاته الصامتة (لعقلنة!) مقارنة هذه بتلك ، لن أتركه وشأنه بل سوف استعرض أرقام جرائم الاغتصاب والقتل للنساء في شوارع بلده، مذكرا إياه مثلا بأرقام ضحايا القتل منهن في اقليم كنا ندرس به وهو اقليم صغير يقع في شمالي ولاية تكساس والتي أذكر أنها قد بلغت في سنة من السنين لعلها سنة 1994م ما يقارب من 165 امرأة ممن قضين نحبهن باسم الحرية على أيدي رجالهن هناك، مما يعني (احصائيا) ضحية واحدة كل 48 ساعة تقريبا!.
مرة اخرى سوف يبادر (محدثي أو محدثتي) بأخذ (الثأر!) ورد الاعتبار الثقافي، عن طريق سرد مثالب طريقة اختيار شريك الحياة في ثقافتنا ومنافاتها للحرية من وجهة نظرهم مستدلاً على ذلك بالقول إن المرأة لدينا محرومة من حق الاختيار لشريك حياتها!,, عندها سوف اذكره بأن طريقة الزواج لديهم والمتمثلة في حرية اختيار شريك الحياة لم تحافظ في الحقيقة على بيوتهم من الانهيار، بدليل أن معدل الطلاق لديهم يعتبر الآن أكبر معدل للطلاق في العالم بأسره (تاريخيا!)،,, (لأسأله عن رأيه) تجاه الحقيقة المتمثلة في أنه حتى الستينات الميلادية لم يكن مسموح قانونيا سواء له أو لها من البيض بالزواج من الملونين، بل أن هناك أعداداً كبيرة من أبناء وبنات بلده ممن تعرض للسجن والتعذيب بل وللقتل على أيدي الشرطة آنذاك عقابا لهم على مخالفتهم لقانونهم العنصري واقدامهم على (مصادقة!) ملون أو ملونة، أو الأكل معهم في المطعم!، ناهيك عن الزواج من أحدهما!,, هنا نفترق (أنا وأنت) مؤقتا يحدوني أمل تجدد لقائنا في المقالة القادمة، لنغوص سويا في متاهات (بهرجة وجعجعة) فن السلب (منحا!) لنرى كيف أن حقوق المرأة الغربية ليست بالبديل، ولا تملك، في الحقيقة، من (الصلاحية) ما يجعل منها (مرجعية لنا) سواء أنه قد قيض لها امتطاء (صهوة) وسائل إعلام جبارة وموجهة، لا تفتأ تذر الرماد في العيون لإطالة امد اعتقاد المرأة الواهم بحريتها، ولصرف الأنظار عن حقائق استغلالها باسم الحرية!,, فإلى مزيد من غرائب ومآسي فن السلب منحا! ,, إلى المقالة القادمة.

أعلـىالصفحةرجوع




















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved