أول صحيفة سعـودية تصــدرعلـى شبكـة الانتــرنت صحيفة يومية تصدرها مؤسسة الجزيرة للصحافة والطباعة والنشر

الطبعة الثانيةالطبعةالثالثةاختر الطبعة

Saturday 15th April,2000العدد:10061الطبعة الأولىالسبت 10 ,محرم 1421

تحقيقات

مهنة رباب الدلال تصارع من أجل البقاء
هل انقرض الرباب في ظل منافسة الأواني المنزلية الحديثة؟
الرباب سعد: زبائننا في تناقص بسبب غلبة الأواني المنزلية واختفاء الدلة البغدادية ورسلان
*رفحاء تحقيق :منيف بن خضير الضوي
مهنة الرباب من المهن اليدوية القديمة، فقد عرفها العرب الاوائل والملمون في صناعة الدروع والسيوف واصلاحها, ثم بعد ذلك شاعت استعمالات أخرى فظهرت المصنوعات المنزلية كالقدور والاباريق, وحينما دعت الحاجة لتنظيفها من عوالق النار والصدأ ظهر ما يسمى بالرَّب(والرَّب) في المفاهيم العربية بمعنى الطلاء الخاثر أي الثقيل (معجم مختار الصماح) باب الراء واقتصرت المهنة الان على تنظيف دلال القهوة، وقد تشهد هذه المهنة تناقصا تدريجيا، خصوصا بعد ظهور الاواني المنزلية الحديثة بانواعها اللامعة والبراقة.
وظهرت كذلك حافظات الشاي (الترامس) لتنافس بقوة الادوات القديمة التي اقتصر وجودها على كبار السن وفي المجالس الشعبية فقط.
(الجزيرة) تجولت عند اصحاب هذه المهنة اليدوية لتتعرف على اسرارها ومن هم زبائنها وهل ستصمد امام غزو الاواني المنزلية الحديثة؟!
مهنة الرَّباب,, للصنّاع فقط
المواطن سعد من اهالي منطقة (حائل) رجل كبير في السن ولكنه نشيط ومرح رغم بلوغه الستين من عمره، يقول العم سعد: هذه المهنة رباب الدلال مهنة قديمة توارثناها عن اهلنا وكانت سابقا ولاتزال خاصة بفئة معينة من المجتمع يطلق عليهم الصناع ويضيف قائلا: انا امضيت في المهنة اكثر من خمسين سنة وأتواجد هنا في المنطقة الشمالية لكثرة الزبائن هنا، حيث امكث في كل محافظة من محافظات الشمال من عشرين يوما الى شهر كامل ثم اتوجه الى باقي المحافظات الاخرى: عرعر، طريف، القريات، ثم اعود لمحافظة رفحاء شهرا اخر بعد ذلك اعود الى حائل حيث الاهل والابناء بعد ان جمعت قوت اولادي,,, وهكذا كل سنة، والعم سعد يسكن في خيمة ينصبها في المساحات الخالية من رفحاء ومعه اواني الطبخ ولديه كلب صيد للحراسة والصيد!!
البغدادية ورسلان
* سألناه عن المهنة سابقا وفي الوقت الحاضر ايهما الاكثر رواجا؟.
فقال طبعا في السابق اكثر لاعتماد الناس سابقا على نوعية معينة من الدلال النحاسية والتي تسمى (البغدادية) وهي من أفخر انواع الدلال وتجلب سابقا من العراق وعليها ختم خاص بذلك وهي بيضاء اللون وغالية الثمن لجودتها وحسن مذاق القهوة فيها، وهناك نوع اخر باسم دلة (رسلان) وهي صفراء اللون ونحاسية ايضا وتأتي بعدها في المرتبة.
وفي السابق كانت مجالس القهوة جزءاً اساسيا من حياة الناس الذين يلجأون باستمرار لتنظيف دلالهم، وطلائها لتبدو نظيفة لان ذلك من دلائل الكرم فكانت مهنتنا تدر ارباحا جيدة، اما الآن فهذه المظاهر اصبحت قليلة نظرا لوجود الاواني المنزلية الحديثة ولكن لايزال الطلب على مهنتنا من كبار السن وبعض الشباب الذين يدخرون هذه الدلال للزينة.
ثلاثون ريالا فقط
* وعن قيمة تنظيف الدلة ، وعن الاسواق في المنطقة الشمالية,, في أي المدن يكثر الزبائن؟
قال سعد: بالنسبة للاسعار الخاصة بتنظيف الدلة فحسب نوعها فالدلة البغدادية القديمة يتراوح سعر تنظيفها ما بين 25 30 ريالا اما بيعها فتصل قيمتها الى 250 ريالا للبغدادية البيضاء اما اكثر المدن الشمالية زبائن فقال محافظة رفحا هي الاكثر لذلك امكث هنا اطول فترة ممكنة.
تحتاج الدلة للرباب كل خمسة أشهر
* وكم المدة التي تحتاجها الدلة لتعاود تنظيفها مرة اخرى؟!
الدلة البغدادية تحتاج الى خمسة اشهر حتى تعاود تنظيفها لتبدو نظيفة ولماعة ، اما دلة رسلان فمن شهر الى خمسة أشهر ايضا والتنظيف لايعني لمعان الشكل فقط , بل ان العارفين بالقهوة والكيف يذوقون طعما مميزا بعد كل مرة تنظيف!!
موقف طريف!!
* سألنا العم سعد عن المواقف الطريفة التي تصادفه في عمله اليومي بمهنة رباب الدلال فقال:
اذا نويت السفر الى اهلي ولم يأت اصحاب الدلال لاخذها متى كنت اصفها عند اقرب محل تجاري فاذا جاء صاحبها يسأل عني ارشده الجيران الى صاحب المحل فيذهب ويأخذ دلاله واغراضه الاخرى (وطبعا انا احيانا اخذ حقي مقدما واحيانا متأخرا).
وذات مرة سافرت الى اهلي ووضعت الدلال المتبقية عندي كالعادة عند اقرب محل تجاري وجاء صاحب الدلال ولم يجدني ولم يجد خيمتي، فاتهمني فورا بالسرقة وذهب واشتكاني إلى الشرطة، ومرت سنتان دون ان اعلم وبعدها عدت الى مكاني السابق في رفحاء فاذا بصاحب الدلال يأتي ويكيل عليّ الشتائم ويتهمني بالنصب والاحتيال!! فقلت له تعال معي فذهبت به الى المحل التجاري المقابل لخيمتي على الشارع الاخر ووجدت الدلال عنده محتفظا بها كالعادة وهي نظيفة وبعد مرور سنتين!! فضحك الرجل على هذا الموقف وضحكنا جميعا ودعانا الى شرب القهوة عنده معتذرا مني.
النار والمطرقة والمخراز والمنقاش,, أبرز ادواتي
وعن الادوات التي يستخدمها الرباب في تنظيف واصلاح الدلة يقول استخدم النار كثيرا فهي جزء من عملي، كذلك المطرقة لتصليح الاجزاء المفككة من الدلة، وهناك ادوات التنظيف مثل: المخراز ، المنقاد، المنقاش، السكين (الخوصة)، الخنجر، والماء ايضا اساسي لتبريد الاماكن المحروقة.
* هل ستعلم ابناءك هذه المهنة؟ بهذا السؤال ختمنا حديثنا مع سعد قائلا:
أولادي الان صغار واذا كبروا سأعلمهم المهنة لانها وراثية في عائلتنا ولكن بالطبع بعد عودتهم من المدارس ,, يضحك!!
لن أعلمها لأولادي!!
نفس السؤال وجهناه الى رباب اخر اسمه محمد سعدي 45 سنة قائلا: لن اورثها لاولادي لان مردودها المادي قليل مقابل الجهد المبذول فيها, ولكن سألحق ابنائي بالمدارس وبعدها يعملون في القطاع الحكومي بعد ان توفر لهم الدولة اعزها الله الوظائف الحكومية.
* وسألناه,, لماذا تصر على ممارستها رغم ما تقول؟!
لانني ورثتها عن اهلي ولم يعلمني احد مهنة غيرها ولم اتعلم في المدارس وانا الآن أربي المواشي كمهنة مساعدة لهذه المهنة من اجل تربية اولادي.
المهنة في طريقها للانقراض
* رجل اخر يعمل بنفس المهنة واسمه مبارك (48 سنة) متزوج وله عدد من الابناء احضر عائلته معه وبنى خيمته في مساحة خالية من محافظة رفحاء (امام المستشفى الجديد) يقول:
انا اتنقل بصفة مستمرة بين مدن الشمال ولذلك اخذ عائلتي معي لان اولادي صغار ويعمل مبارك في تنظيف الدلال وتصليح الكسور فيها.
سألنا مبارك: هل تتوقع ان تنقرض هذه المهنة نظرا لمزاحمة الاواني الحديثة لها؟!
والله لا اعلم هكذا اجاب ويبدو حائرا على مستقبله ومستقبل اولاده,,!!,ولكن على ما يبدو ان المهنة في طريقها للانقراض والتلاشي لان الزبائن اقل من السابق والاجيال الجديدة لاتعرف شيئا عن هذه المهنة ، ولاتستخدم الدلال القديمة.
قلة الزبائن وكثرة الاواني المنزلية من علامات تلاشيها
* ما هي علامات تلاشي هذه المهنة في نظرك؟!
اجاب مبارك، قلة الزبائن، كثرة الاواني المنزلية الزجاجية والحديدية والبلاتين وكثرة الشركات والمصانع المنتجة لهذا النوع واهم شيء قلة استخدام الاواني النحاسية القديمة كالدلة البغدادية والرسلان، وهناك امر اخر وهو ضعف المردود المادي لهذه المهنة مقارنة بغيرها.
في مهرجان الجنادرية فقط!!
* شابان قدما الى العم سعد وبيدهما دلة بادرتهما (الجزيرة) عن سبب زيارتهما للرباب.
اجاب ابراهيم الاحمد مدرس يقول : جئت للاستفسار عن الانواع التي يمكن ربها وايضا لحب المعرفة والاستطلاع فهذه المهنة الان لم نعد نراها الا في مهرجان الجنادرية.
* وعن مستقبل المهن: يرى الاحمد انها في الطريق الى الزوال,, ولكن كبار السن مازالوا يحافظون على اوانيهم القديمة,, وبالتالي تستمر المهنة لكن أؤكد انها الى وقت قريب ستتوقف.
اما الشاب الاخر/ عبدالرحمن الجربوع شرطة رفحاء فيقول: احضر معي بعض الدلال القديمة التي امتلكها ونحن للاسف لانستخدمها ابدا فنحن نضعها في المنضدة للزينة فقط واستعمالنا دائما للاواني الحديثة والحافظات.
بل ستبقى ما بقيت القهوة
* زبون اخر من كبار السن سعدون 75 سنة يقول ان الرباب لن ينقرض فهذه المهنة باقية ما بقيت القهوة ولو كانت ستنتهي لانتهت منذ زمن فالاواني الحديثة غزت بلادنا منذ فترة طويلة والى الان مازال الناس يتسابقون على رب دلالهم.
ويتحدى العم سعدون قائلا: اتحداكم تشربون قهوة الترامس وتجدون الطعم الممتع الموجود في قهوة الدلة البغدادية!!.
* الشاب سلمان مبروك يرى ان مهنته الرباب لن تنتهي ولكنها ستنتقل الى الشاطىء الاخر ويقصد المصانع والشركات الكبرى فبدلا من المهنة اليدوية اصبحت مهنة شركات ومصانع وهذا التحول يتم في معظم المهن القديمة وهي شيء طبيعي لتغير نمط الحياة وتطورها ولكن اؤكد ان بلادنا ولله الحمد تهتم بالتراث ومن طبيعة السعوديين المحافظة على تراثهم فانتهاء المهنة بشكل كامل لايمكن,, ولكن ربما انتهاء تدريجي,, ثم التحول الى المصانع كمااسلفت!!
* من المحرر:
مهنة الرباب من المهن الشريفة والقديمة في بلادنا,, تظهر تارة وتختفي تارة اخرى، كبار السن لا يرغبون في اختفائها، والشباب يرون انها في طريقها للانتهاء لكثرة الاواني المنزلية الحديثة ولكن الجميع اجمع على اهمية التراث السعودي ووجوب المحافظة عليه ونقله لاجيالنا القادمة ولعلها فرصة سانحة لعرض مهنة الرباب في مهرجان الجنادرية.

أعلـىالصفحةرجوع



















[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][البحث]
أي إستفسارات أو إقتراحات إتصل علىMIS@al-jazirah.comعناية م.عبداللطيف العتيق
Copyright, 1997 - 2000 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved