| الفنيــة
* لندن ابراهيم معروف:
لم يكن عازفا عاديا او حفلا موسيقيا معتادا ان تحتضن احدى صالات مركز (ساوث بانك) للفنون في لندن عازف العود الشهير (نصير شمة)!!
عازف لا يسعى الى التطوير بقدر ما يثير فيك الاحساس العميق بالمقطوعة والاندهاش والاثارة في حركة اصابعه سواء في ضربات الوتر، او في الحركة الداخلية لانتاج النغمات.
مقدم الحفل الانجليزي قال عنه ان مركز (ساوث بانك) اذ يقدم عازفا استاذا مثل نصير شمة يمتلىء فخرا في ان عازفا لا يقل في تخصصه بآلة العود عن الاساتذة الرواد في عزف العود مثل جميل بشير.
ووسط ترحيب صالة الملكة اليزابيث التي امتلأت بجمهور يفهم لغة نصير شمة الموسيقية خيم صمت جميل وترقب مدهش قبل ان يبدأ (نصير شمة) العزف.
الموسيقى كجسر بين الحضارات
لابد من الاعتراف انك وانت تستمع الى معزوفته الاولى اندلس، ولادة، ابن زيدون على مقام النهاوند انك ترحل حقا الى بوابات الاندلس وقصور حضارة مازال عبقها يطرق في ذاكرة الاحساس بجماليات بما لن تعود، ولكنها لم ولن تمحى من الذاكرة.
انها هنا تتجدد في هذا العزف الذي تجرد فيه نصير عن ريشته ليلعب باصابعه بيدين عاريتين مرة يضرب (كوردات) واخرى ب(صولو) وكأنك امام عازف قيثار اسباني وهو حقا ما اراد ان يقول: اذ ان شمة المهووس بالبحث والدراسة في بطون الحضارات يؤكد جازما، ان لجذور الموسيقى العربية دورا حقيقيا في صياغة الموسيقى الاندلسية ولا غرابة فيما تسمع او تتأمل من نثار هذا العزف الذي لا يدهشك فقط بل انه يحملك في محفَّة اندلسية يكتظ القرنفل فيها وترقص فيها صبايا غرناطة.
ذلك ما اراد له في معزوفة (من آشور الى اشبيلية)، حيث يؤكد شمة ما سعى اليه في دراسته لمخطوطة لآلة العود تعود الى 2500 سنة قبل الميلاد وحيث لم تكن الريشة التي ادخلها زرياب الى الموسيقى الاندلسية كان معنيا بان يقنعنا في ان معزوفته هذه التي عزفها على سلم (عجم فا) هي خيط الصلة بين آشور وأشبيلية سواء بطريقة العزف او بسيل المشاعر الاندلسية التي غمرت صالة العزف تلك الليلة.
نصير شمة لا يأسر نفسه في رقصة جغرافية محددة، كما هو لا يحصر نفسه في مساحة تاريخية محددة وكما رحل من آشور الى أشبيلية، وجدناه في (ارتحالات) يرحل من الشام الى بغداد الى بيروت الى القاهرة,, هو يعزف وانت تسبح في وديان الشام ورقراق المياه العذبة، وتنتقل أنامله الى مساحات عزف اخرى، وتجد نفسك في ايقاع مدينة عربية اخرى، اخيرا يستقر في القاهرة ويعزف (انساك) ولكن بيد واحدة فقط!!
عزف بيد واحدة فقط!
أجل تلك هي الطريقة التي ابتدعها لاتاحة الفرصة لمن فقد يده لكي يعزف وينعم بهواية التعبير عن الذات موسيقيا لماذا انساك؟ لانها وللعارفين بالموسيقى تحتوي على تحويلات متعددة وحركات موسيقية ليست سهلة لعازف بكلتا اليدين,, وانت كجمهور ليس لك ان تطرب فقط بل ان تسمح للدهشة في ان تغزوك كما يحلو للعازف ان يمضي في رقصة الاصابع.
الى الجنوب اللبناني هذه المرة ولكن على صهوة جواد انها (رقصة الفرس) معزوفته التي على مقام النهاوند مرة اخرى والتي ينقلك فيها حقا الى نشوة فرس يملؤه الزهو وتركبه العزة، انه لا يمل، يلعب، يترنح، يتهادى كيفما يشاء ما دام يمرح في ضيعته الجنوبية,.
مقام حالي به يحلو!!
ومن الجنوب الى لحظة زمن في الماضي عمرها الف واربعمائة عام ذلك هو مقام (حالي به يحلو) والذي وسم به امسيته الموسيقية انه احدى نتائج بحثه وتقصيه في الماضي هذا المقام الذي استوحاه من (ابن الفارض) اضافة الى مقام عراقي هو (بستة كار) يشكل علاقة هامة في حياة هذا العازف والباحث الاكاديمي الذي سنبقى نتوقع منه كل يوم وكل حفلة حدثا موسيقيا مبنياً على البحث والموهبة.
وفي مقطوعة غارسيا لوركا عودة اخرى الى اشبيلية وغرناطة وذكريات القصور وألوان الفجر ومرحهم هنا لا يريد ان يقول لنا، انها معزوفة للتطريب وان هي فرضت ذلك المزاج المحبب لكنه الاحتراف الذي يجعلك تتخيل العود قيثارا اندلسيا والعازف كما لو كان من اشبيلية.
لا للتطريب بل,, للاحساس
ان نصير وهو ينتقل من معزوفة الى اخرى لا يضعك في حالة تطريب او استرخاء، انه يثيرك في كل لحظة وفي كل معزوفة لابد انك تدرك ما لديه من تقنية في العزف تختلف عن سابقتها في معزوفة (قبل ان اصلب) على حجاز كاردو عزف (كورداث) انها فورة الحزن والغضب والتمرد على حالة الصلب، انها نداء حب الحياة وتدفق نهر الحياة الصاخب فيما تنقلنا معزوفة (حدث في العامرية) الى الاحساس بدفق فرقة اوركسترالية كاملة تتحدث عن مأساة واصوات نساء واطفال وسيارات حريق واسعاف عبر ثلاث حركات تتدرج في تصوير المشهد الدرامي ابتداء من فاجعة القصف والانفجارات الى هدأة المكان الموحشة,, وحين تهدأ انامله وتتضاءل آخر نغمة في فضاء المكان لا تمتلك الا ان تنبهر حقا وتدهش الى مهارة هذا العزف وتتساءل حقا كل هذا من آلة العود؟
عزف نصير شمة في تلك الامسية وعلى فترتين احدى عشرة قطعة موسيقية بعضها قديمة واخرى حديثة ولكن نزيف نصير شمة الدافق لن يتوقف وستكون له عودة اخرى الى بريطانيا للمرة الرابعة وربما الى مدن اوروبية اخرى طالما عرف كيف يفرض موسيقاه على الاذن الغربية.
نصير شمة في سطور
ولد عام 1963 في مدينة الكوت العراق.
بدأ حياته مولعا (بالتنس) وانتقل الى العود عام 1977.
كان ملولا ولا يلبث في اية هواية لكنه استقر على آلة العود ويعتبر ذلك استثناء.
تجربة اللحن الاولى لديه كانت في مسرحية )Bye Bye London( للمنصف السوسي.
عام 1998 حصل في مهرجان جرش على جائزة (افضل موسيقي عربي).
في المغرب حاز على جائزة أغادير.
عام 1994 عمل في المعهد العالي للموسيقى بتونس.
يقيم حاليا في القاهرة بدعوة من دار الاوبرا.
عن أسلوب عزفه
* يمزج بين الطرق القديمة والمعاصرة في الموسيقى.
يعزف بطريقة خاصة ومتنوعة بيد واحدة، بلا ريشة، بريشة صولو، كورداث.
* صمم عودا ذا ثمانية اوتار مستندا بذلك على مخطوطة للفارابي الذي عاش في القرن التاسع الميلادي.
|
|
|
|
|